بطولات يسطرها رجال الشرطة يومًا تلو الآخر، تضاف في سجل الشرف، يقدمون الأرواح من أجل هذا الوطن، لتبقى ذكراهم الخالدة في ضمير الوطن، تلعن الإرهاب وتجار الدين.
ويعد شهداء الشرطة في مدينة كرداسة، من البطولات التي لن ينساها المصريون، وعلى رأسهم اللواء محمد جبر، مأمور مركز شرطة كرداسة، الذي ملحمة بطولية عندما رفض تسليم مبنى المركز للعناصر الإرهابية الذين تجمهروا بمحيطه، تزامناً مع فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة المسلحين.
حين كان المئات يتجمهرون حول مبنى المركز، وآخرين يحملون الأسلحة والذخيرة، والبعض يهتف ضد رجال الشرطة، كان اللواء جبر قد اتخذ قراره بالدفاع عن مقر عمله مهما كلفه ذلك من ثمن، ووسط هذه الأجواء الملتهبة أثناء فض الاعتصامين المسلحين، لم يبالِ أبطال الشرطة بتهديدات المسلحين، ورفضوا مطالبهم بالخروج من المركز وتسليمه لهم، ووقف اللواء محمد جبر مأمور المركز يحث ضباطه على الاستبسال والدفاع عن المبنى لآخر لحظة فى العمر، فى مشهد يعيد للأذهان ملحمة الإسماعيلية سنة 1952، عندما تصدى أبطال الشرطة لقوات الاحتلال الإنجليزى واستبسلوا فى الدفاع عن المبنى.
لم يكن غريباً أن يستشهد اللواء محمد جبر وسط ضباطه، فقد عاش بينهم ومات بينهم، حيث كانوا يعتبرونه بمثابة الأب والقدوة، فهو شديد الالتزام فى عمله، أول من يحضر للمبنى صباحاً وآخر من يغادره، يعطى ضباطه الصغار دروساً عملية فى الالتزام والجدية، والعمل على حفظ الأمن وسلامة واستقرار الوطن.
اللواء محمد جبر النشيط فى عمله كما يصفه زملاؤه، قضى معظم خدمته فى الداخلية بقطاع الأمن العام، وشغل موقع "المأمور" فى ثلاث مراكز فى الجيزة هى "الواحات، ثم أبو النمرس، ثم كرداسة"، وقضى على ظاهرة العصابات المسلحة فى كرداسة بحملات أمنية متكررة، وتم تكريمه لأكثر من مرة، تقديرا لنشاطه الدائم والمستمر، وصدر له قرار بترقيته لرتبة «لواء» ونقله من مركز كرداسة للعمل مساعدا لمدير أمن الجيزة، وتأخر تنفيذ قرار الترقية 24 ساعة بسبب اندلاع أحداث شغب إبان فض اعتصام رابعة، فوقعت المجزرة واستشهد.
لم تكن بطولة مأمور مركز شرطة كرداسة الوحيدة، بل سطر آخرين بطولات عديدة، وعلى رأسهم اللواء مصطفى الخطيب الذي استشهد برصاصة غدر في مسجد بكرداسة، حيث تقول زوجة البطل:" تزوجت من "الخطيب" فى 1986، حيث كان يحمل رتبة "نقيب"، وكان يعمل فى الأمن العام بمديرية أمن الجيزة لمدة سنتين، ومنها انتقل لأسيوط خلال أحداث الإرهاب، حيث واجه المتطرفين برفقة زملائه لمدة 3 سنوات، ثم انتقل لمباحث السياحة والآثار لمدة 17 سنة، وفى عام 2011 كان مأموراً لمركز شرطة أبو النمرس، وبعدها نقل مأموراً لمركز شرطة كرداسة، حيث كان يدير عمله من القرية الذكية، وقتها بسبب حرق القسم، وخلال هذه الفترة نجح زوجى فى تقريب وجهات النظر بين الأهالى والشرطة، حيث كان يعقد الاجتماعات بالأهالى فى كرداسة، ويصلى بهم فى المسجد القريب من المركز، حتى تم إعادة افتتاح المركز وعاد الهدوء للمنطقة مرة أخرى."
وأضافت الزوجة فى حديثها، أنه بالرغم من حصوله على ترقية كمساعد مدير أمن الجيزة لمنطقة الشمال، إلا أنه ظل متعلقا بكرداسة، فقد كان يفضل البقاء فى القسم والمرور عليه من حين لأخر، حيث كان يقع فى نطاق عمله ضمن عدة أقسام أخرى.
تمسك زوجة الشهيد بشهادة تقدير حصل عليها زوجها قبل استشهاده من جميعة بكرداسة تؤكد مدى ارتباطهم به، ثم تقول: " كانت علاقة زوجى بأهالى كرداسة أكثر من جيدة، حيث كان يحل مشاكلهم، ويجلس معهم ويتحدث لهم، ويكرموه فى حفلاتهم، ولم يتخيل يوماً أن تغدر به أيادى الإرهاب بالمنطقة فى لحظة من اللحظات."
تحبس الزوجة دموعها، وتقول: "كانت الأجواء ملتهبة بسبب فض اعتصام رابعة والنهضة، ويومها قرر زوجى الذهاب صباحاً لمركز كرداسة، حيث أكد لى أن هناك تجمهرات وأنه سوف يتحدث مع الأهالى، خاصة أنه مقبول لدى الجميع وقادر على احتواء الأمر، وشعرت وقتها بشىء غريب، فقد كان وجهه مشرق وبشوش، ولم أدرى أنه سيكون المشهد الأخير الذى يجمعنا، تحدثت معه فى العاشرة صباحاً تليفونياً، وعرفت أنه يوجد تجمهر من المواطنين أمام المركز، لكن اللافت للانتباه، أن المتجمهرين قدموا الأطفال والنساء فى الصفوف الأولى، بعدها فى الحادية عشر صباحاً، تحدثت معه مرة أخرى، فقال لى: "فيه اشتباك اقفلى"، بعدها تحدثت معه الحديث الأخير، حيث قال لى: "اقفلي ..اقفلي دلوقتي"، وكانت هذه الكلمات أخر ما سمعته منه.
وتقول الزوجة، تسلل الخوف لقلبى، خاصة أن هاتفه بات مغلقاً، فاتصلت على هاتف شرطى كان يعمل معه، فرد على شخص غريب وقال لى: "انتي عايزه مين؟"، فقلت له: "فلان الفلانى العسكرى اللى مع مصطفى الخطيب"، فرد على: "قتلناهم كلهم"، فانقبض قلبى، وحاولت التواصل مع الضباط بالمركز دون فائدة، حتى اتصل بى شقيقى الذى كان يحمل رتبة لواء فى الداخلية، وقال لى بصوت حزين"البقاء لله".
وعن غدر الإرهاب، تقول الزوجة، أن الإرهابيين المتجمهرين أمام المركز وقتها، طلبوا من رجال الشرطة بخروج زوجى للحديث معهم، وبالفعل قرر الذهاب إليهم ولا يدرى بخيانتهم، حيث استدرجوه للمسجد القريب من مبنى المركز، وما أن دخل حتى أطلقوا عليه رصاصتين من الخلف، ليلقى ربه داخل المسجد، كما تعود على الذهاب إليه للصلاة فيه."
الشهيد البطل محمد وهدان ضابط كرداسة، أحد الأبطال الذين سطروا ملاحم بطولية، حيث تقول والدته أن نجلها الشهيد كان في المنزل يوم أحداث قسم كرداسة، موضحة أن زميله " هشام شتا " الذى أستشهد أيضا في نفس الاحداث أتصل عليه هاتفيا ,اخبره بأن القسم محاصر من قبل عناصر جماعة الإخوان الإرهابية، لافتة إلى أن الشهيد أصر على النزول والذهاب إلى القسم والالتحاق مع باقى زملائه من العساكر والضباط لحماية القسم والحفاظ على الأمن في تلك الظروف العصيبة التي مرت بها مصر، مشيرة إلى أنها ظلت تطلب منه وتتوسل إليه الا يذهب إلى القسم في ذلك اليوم، إلا أنه أصر على الذهاب بعد أن أكد لها أن الأمر طبيعى ولا يوجد شيء يستدعى كل هذا القلق الذى ينتابها.
اللواء نبيل فراج أحد الأبطال في كرداسة، حيث سجل فى 19 سبتمبر سنة 2013، ضمن قوائم الشرف، لدى مداهمة الإرهابيين الذين كانوا يسعون لفرض سيطرتهم على منطقة كرداسة، ليسقط شهيداً، تاركاً خلفه زوجته "المهندسة نضال" و3 من أبنائه، الذين أبدوا رغبة كبيرة فى الالتحاق بكلية الشرطة لاستكمال مسيرة الكفاح لوالدهم.
وتخرج "فراج"، من كلية الشرطة عام 1981، والتحق بالإدارة العامة لاتصالات الشرطة عام 2004، وحصل على رتبة عقيد سنة 2007، وعرف بكفاءته فى العمل، حتى ترقى لدرجة لواء فى يوليو 2013، ومنها تمت ترقيته مساعدا لمدير أمن الجيزة حتى استشهد أثناء اقتحام كرداسة.
"نبيل فراج"، الضابط الصعيدى الذى تمتد جذوره لمحافظة سوهاج، كان محبوباً من الجميع خاصة من زملائه والمقربين منه ومن تعاملوا معه، فضلاً عن شدة ارتباط أسرته به، فقد كان زوجاً مثالياً وأبا قدوة لأبنائه .
لاحقت أجهزة الأمن، المتهمين بقتل اللواء نبيل فراج وتمكنت من ضبطهم، وأحيلوا فى أول مارس 2014 للمحاكمة، وفى 30 يوليو 2016 قضت المحكمة بإحالة أوراق 13 متهما منهم لفضيلة مفتى الجمهورية لإبداء الرأى، وحددت جلسة 24 سبتمبر للحكم، وفى العاشر من يناير 2018 أيدت محكمة النقض حكم الإعدام ضد ثلاثة متهمين، وصدر حكم بالسجن المؤبد لـ4 آخرين، والمشدد 10 سنوات لـ5 متهمين آخرين.
ونفذت مصلحة السجون، حكم الإعدام شنقا بحق المتهمين الثلاثة، الأمر الذى أثلج قلب أسرة الشهيد، حيث شعروا بأنه تم الثأر لروحه الطاهرة، فضلاً عن حرص الدولة ومؤسساتها على تكريم أسرة الشهيد فى كل المحافل، والعمل على تلبية متطلباتهم ورعايتهم باستمرار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة