أقام المجلس الأعلى للثقافة بأمانة الدكتور هشام عزمى، ندوة بعنوان: (الإبداع والمجتمع.. قراءة فى فكر الدكتور شاكر عبدالحميد)، نظمتها لجنة التربية وعلم النفس بالمجلس بحضور مقررها الدكتور معتز سيد عبدالله، وأدارها الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع، وعميد كلية الآداب جامعة القاهرة سابقًا، وشارك بها كوكبة من الأدباء والنقاد، وتضمنت الأمسية عدة مشاركات عبر الإنترنت، لنخبة من النقاد والأدباء والأكاديميين، تمت بواسطة تطبيق "زووم"، ومن بينهم: الدكتور هشام عزمى، الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، والدكتور عماد أبو غازى، وزير الثقافة الأسبق، والدكتور محمد أبو الفضل بدران، مقرر لجنة الشعر بالمجلس، والشاعر أشرف عامر، الرئيس السابق للهيئة العامة لقصور الثقافة، كما شارك بالحضور الفعلى كل من: الدكتور معتز سيد عبدالله، مقرر لجنة التربية وعلم النفس، والدكتورة نيفين الكيلانى، عضوة لجنة الموسيقى والباليه بالمجلس، والدكتورة يمنى الخولى، أستاذة فلسفة العلوم ومناهج البحث بكلية الآداب جامعة القاهرة، والكاتبة الصحفية إيمان رسلان، فيما تعذر حضور الدكتور أيمن عامر، أستاذ علم النفس بكلية الآداب جامعة القاهرة، والفنان طارق الدسوقى.
وشهدت الأمسية مواصلة المجلس الأعلى للثقافة تطبيق الإجراءات الاحترازية كافة، بغرض الوقاية والحد من انتشار فيروس كورونا، كما بثت الندوة مباشرة عبر حسابات المجلس بموقع التواصل الاجتماعى "فيسبوك".
وأكد الدكتور أحمد زايد، مدير اللقاء فى بدايته، أن رحيل الدكتور شاكر عبد الحميد وغيابه عنّا كان فاجعة كبيرة، تركت أثرًا بالغ المرارة فى نفوس محبيه وقرائه وتلامذته، فلم يكن شاكر عبد الحميد إنسانًا عاديًا، فقد كان إنسانًا يحملُ خلطةً إنسانيةً خاصة، ميزته عن كثيرٍ من نظرائه، ومنحته سمتًا إنسانيًا متميزًا، ولا يتكشف لنا سرَّ هذا السمت الإنسانى المميز، إلا من خلال الاقتراب الشديد منه؛ فلا يعرف سمته إلا من اقترب منه وسمعه وتعرف على همومه وطموحاته وطرائِقه الخاصة فى الحياة، التى جعلت حبَّ الناس لهُ أشبه بالفريضة، واستطرد قائلًا: "لم أر شخصًا يكره شاكر، ولم أر شخصًا لا يأخذ شاكر بالأحضان، نعم كان حبه أشبه بالفريضة، إن هذا السمت الخاص بشخصية شاكر عبد الحميد، تُعبر عنه مسيرةً صعبة، حقيقية هذه المسيرة شهدت الكثير من النجاحات، التى أخذته إلى أرفع المناصب فى وزارة الثقافة -وزير الثقافة- وأرفع القامات فى عالم دراسات الإبداع والثقافة والفن، وهذه المسيرة ترصعت بعددٍ كبير من الجوائز، بدءًا من جائزة الدولة للتفوق وجائزة شومان، ومرورًا بجائزة الشيخ زايد ثم جائزة الدولة التقديرية".
وتحدث الدكتور هشام عزمى قائلًا: "السيدات والسادة الحضور، أسعد الله مساءكم بكل خير وكل عام وأنتم بخير، يسعدنى أن أرحب بحضراتكم فى المجلس الأعلى للثقافة فى مستهل هذه الندوة المهمة، التى نحتفى فيها بشخصية استثنائية، وقيمة علمية وفكرية وثقافية متفردة؛ الأستاذ الدكتور شاكر عبد الحميد رحمه الله"، وتابع مستطردًا: "بعد رحلة معاناة قصيرة مع المرض، رحل عنَّا العالم الجليل الأستاذ الدكتور شاكر عبد الحميد، ومما لا شكَّ فيه أننا جميعًا قد فُجعنا برحيله، وأن المشهد الثقافى قد فقد بذهابه أحد الوجوه البارزة على الساحة الثقافية المصرية والعربية، بيد أن ما يخفف من وقع الفجيعة على قلوب أصدقاء الفقيد ومحبيه، وتلامذته وعارفى فضله، أنه باقٍ بيننا بعطائه الفكرى وإنتاجه العلمى المتميز، باقٍ بفكرهِ المستنير وإرثِهِ الإبداعى، والأهم أنه باقٍ بيننا بسيرته العطرة خلقًا وعلمًا وتواضعًا ونزاهةً، فى سائر ما تولاه من أعمال وشغله من مناصب، سواءٌ على الصعيد الأكاديمى أو الثقافى، أمّا إسهامات الرجُل العلمِّية، وخاصة فى مجالات النقد التطبيقِّى وعلم نفس الإبداع؛ فغير خافية على أحد، وتشهد مشاركاته فى الأنشطة الثقافية والمؤتمرات العلميِّة محليًا وعربيًا؛ بأن الفقيد الكبير لم يبخل بوقته ولم يضنَّ بجهده، من أجل الارتقاء بالشأن الثقافى فى مصر والنهوض به؛ لتصبح الثقافةُ مؤثرةً وقادرةً على أن تبث روح الاستنارة فى المجتمع، ولم يكن الأستاذ الدكتور شاكر عبد الحميد غريبًا عن المجلس الأعلى للثقافة؛ ففضلًا عن توليه مسؤولية أمانته، قبل توليه وزارة الثقافة منذ عشر سنواتٍ أو يزيد، لقد كان الراحل الكبير سباقًا إلى المشاركة فى العديد من الفعاليات والأنشطة، التى توفر على المجلس تنظيمها خلال السنوات الماضية، ولعل أخرها مشاركته فى أمسية العلاقات الثقافية بين مصر والبحرين فى فبراير الفائت."، وفى مختتم مشاركة الدكتور هشام عزمى بالأمسية عبر تطبيق "زووم" قال: "إن ندوة اليوم هى رسالةٌ إلى سائر أصدقاءَ وزملاءَ الراحلِ العظيم فى الوسط الأكاديمى، وإلى المهتمين بالشأن الثقافى فى مصر والبلاد العربية، بأن ذكراه ستظل باقية، على وعدٍ أن ينظم المجلس احتفالية كبرى تأبينًا للراحل الكبير قريبًا، وبما يليق به وبأعماله ومآثره."، أخيرًا وجه الأمين العام جزيل شكره إلى لجنة التربية وعلم النفس، مقررًا وأعضاءً، على مبادرتهم بتنظيم هذه الندوة، وكذلك إلى الضيوف الأعزاء المشاركين فيها، كما توجه بالشكر إلى وحدة أمانة المؤتمرات بالمجلس بقيادة الأستاذ وائل حسين، علاوة على إدارات: العلاقات العامة، والأمن، والإعلام بمكتب الأمين العام بالمجلس الأعلى للثقافة على جهودهم المبذولة فى تنظيم هذه الفعالية المهمة.
فيما تحدث الدكتور عماد أبو غازى مستعرضًا علاقته الطويلة مع الدكتور شاكر عبد الحميد، والتى بدأت فى شبابهما منذ عقود عدة فى بداية ارتيادهما السلك الأكاديمى، وكان حينها الدكتور شاكر عبد الحميد مدرسًا مساعدًا؛ فيما كان هو معيدًا، وتابع مؤكدًا أن فترة علمهما الممتدة تحت رئاسة أستاذهما العالم الراحل الأستاذ الدكتور مصطفى سويف، أستاذ علم النفس الكبير، وثقت العلاقة بينهما، وتابع قائلًا: "السنوات العشر الأخيرة شهدت تعاونًا كبيرًا بيننا فى مجالات مختلفة، وأحب أن ألقى الضوء على إسهامه فى المجال الثقافى بشكل محدد؛ حيث أنه تولى عام 2011 أمانة المجلس الأعلى للثقافة لأشهر قليلة خلال ذات الفترة التى كنت أتولى فيها وزارة الثقافة، ومثلت تلك الفترة التعاون العملى مرة أخرى بيننا، وكانت فترة صعبة فى تاريخ الوطن، عملنا خلالها من أجل الحفاظ على هذه المؤسسة ودفعها للأمام، وبعدما تركت الوزارة تولى الدكتور شاكر هذا المنصب، وأكمل العمل وأضاف الجديد بتصوراته وأفكاره حول العمل الثقافى وتتطويره فى مصر".
كما أشار الدكتور محمد أبو الفضل بدران إلى فداحة الخسارة التى شهدتها الأوساط الثقافية والأكاديمية العربية برحيل الأستاذ الدكتور شاكر عبد الحميد، قائلًا: "إن الدكتور شاكر عبد الحميد استطاع أن يعطى لنَّا خير نموذج للمثقف القدوة، الذى يطبق المنهج العلمى بكل حدِّة، ويحافظ على البعد الإنسانى من جهة أخرى؛ ولذلك عندما تُوُفِّىَ شاكر عبد الحميد، اكتشفنا أننا جميعًا أصدقاءً لشاكر عبد الحميد، وراح كل يعزى فيه صاحبه، كلٌ يلوذ بصبرٍ لا يوافيه."، وتابع مادحًا الفقيد، مستشهدًا بما قاله الدكتور معتز سيد، فى مقاله (رثاء شاكر)، قائلًا: "إنه ترك ميراثًا هائلًا من العلم والأخلاق القويمة، وحب الناس الذى لا يضاهيهِ فيه أحد، وأعتقد أن شاكر الذى صاحبته خارج مصر وفى داخل مصر؛ فوجدته كما قلت صاحب منهج عالٍ."، واختتم بمقطع من قصيدته فى رثاء الدكتور شاكر عبد الحميد، قائلًا:
"قلت انتبه فالموت خلفك قد خطى
فخطرت نحو الخلد مبتسمًا
هنالك خطوتين.. هل كنت تسألُهُ لماذا الموت؟! كيف الموت؟!
قبل الموت بعد الموتِ!
كيف أتاك فى جدران غرفتك الزجاج؟!
وأنت وحدك كنت تنظر فى جدار الصمت تضحك من أنابيب الحياة؟!".
ثم تحدث الشاعر أشرف عامر مستعرضًا نشأة صداقته مع الدكتور شاكر عبد الحميد، والتى بدأت منذ بدايات المرحلة الجامعية؛ فكانا اعتادا حينذاك ارتياد مقهى (إنديانا) الواقع بميدان الدقى بشكل يومى، وتابع ساردًا تفاصيل علاقتهما مؤكدًا أن الدكتور شاكر عبد الحميد كان أستاذًا عظيمًا، وتابع مستطردًا:"لقد كان شاكر عبد الحميد أستاذًا عظيمًا، وهذا أعتقد أن كلنا نتفق عليه، ولكن المهم أيضًا فى شاكر عبد الحميد أنه كان إنسانًا رفيع المستوى، وكان على صعيد الحياة الاجتماعية مع أصدقائه وفىّ وفاءً يصعب أن يكون هناك آخر يشبه، منذ أن كان طالبًا ثم معيدًا فى الجامعة، ومنذ كان لديه قروش قليلة كان يتقاسمها مع أصدقائه، وكان مهتمًا بالشأن الأدبىِّ اهتمامه بعلم النفس، كان مبدعًا كبيرًا عندما يتناول النصوص، حتى تلك التناولات التى لم تكتب، وكان يحاول أن يُلقى بعض الضوء على أعمال أصدقائه من الشعر والقصة والمسرح، شاكر عبد الحميد خسارة حقيقية كبيرة جدًا جدًا، أتمنى أن نعمل جاهدين على إعادة نشر كتبه لكى تكون بين أيادى الجميع بأسعار بسيطة؛ لأن هذا الإنسان المفكر لم يأخذ حقه دَرَسَ الآخرين ولم يُدْرس، ولم يتم التوقف عنده، أعتقد أننا بحاجة للتوقف عند فكر وإبداع شاكر عبد الحميد؛ فهو قامة وقيمة يجب أن تأخذ حقها.".
فيما أوضحت الكاتبة إيمان رسلان أن معرفتها بالدكتور شاكر عبد الحميد تطورت من خلال تزاملهما فى لجنة التربية وعلم النفس بالمجلس، واستطردت قائلة: "كانت دراسته حول (ليوناردو دافينشى) تُعد من أهم الدراسات التى قرأتها عن شخصية دافينشى؛ فيما يتصل بالفلسفة الإبداعية للشخصية الموسوعية."، وفى مختتم كلمتها أكدت أهمية ما أنجزه الدكتور شاكر عبد الحميد فيما يخص فلسفة الإبداع، كعلم النفس الإبداعى الذى أضاف له الكثير والكثير.
بينما تحدث الدكتورة نيفين الكيلانى حول الجانب الأكاديمى للدكتور شاكر عبد الحميد قائلة: "أتذكر جيدًا أن الدكتور شاكر كان قد نشر دراسة فى صحيفة (الأهرام)، وتحدث فيها عن دور الفنون فى التنمية الثقافية للشباب، وتكلم فيها عن الفن التشكيلى بإسهاب شديد جدًا، وتكلم عن السينما، وتكلم عن الموسيقى وسائر الفنون الرفيعة بشكلٍ عام، إلا فن الباليه! وفى الحقيقة إننى غيورة على تخصصى بشدة؛ فحينما قابلت الدكتور بعد نشر مقالته هذه، سألته: لما لم تذكر فن الباليه فى مقالتك الأخيرة حول الفنون بوصفه أحد الفنون الرفيعة؟! فإذا به يرد بمنتهى الصراحة والبساطة: إننى لست على دراية كافية بفن الباليه كى أكتب عنه!" وتابعت مؤكدة أن الراحل شاكر عبد الحميد فتح آفاق جديدة فى البحث العلمى؛ فقد أشرف الدكتور شاكر على أول رسالة ماجيستير فى قسم فلسفة الفن، وكانت عن سيكلوجية الإبداع فى الفنانين، وأخذ فن الباليه نموذجًا.
فيما أشارت الدكتورة يمنى الخولى إلى تكامل عالم شاكر عبد الحميد قائلة: "عالم شاكر عبد الحميد، تميز بتكامل فريد عجيب مبهر، يدفعك إلى آفاقٍ لا أول لها ولا أخر، تكاملٌ على المستوى الثقافى والفكرى والأكاديمى والشخصى، تكامل فى عمق الدهاليز العقلية."، وتابعت إلى مختتمةً كلمتها حول الفقيد قائلة: "تكامل العذوبة فى الشخصية والصدق والوضوح والصراحة مع العمق وتعدد الأبعاد، لن ينتهى حديثى عن شاكر عبد الحميد صديق العمر، رفيق كفاح الماجيستير والدكتوراه.".