قال الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، إن العقل هو وسيلة فهم النص، وقضيتنا الكبرى هى مع من لا يعملون عقولهم فى فهم صحيح الشرع ، والقرآن الكريم اهتم بشأن العقل اهتمامًا بالغًا ، فقال سبحانه : "إِنَّآ أَنزَلْنَهُ قُرْءَنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" ، وقال سبحانه : "لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا ٱلْقُرْءَانَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُۥ خَشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ ٱللَّهِ وَتِلْكَ ٱلْأَمْثَلُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" أى يتأملون ، يعملون عقولهم ، ويقول سبحانه : "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" ، ويقول سبحانه :" كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" ، ويقول (عز وجل) : "كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون" ، ويقول سبحانه : " إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُولِى النُّهَى" ، ولما نزل قول الله تعالى : "إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِى الْأَلْبَابِ" ، قال النبى (صلى الله عليه وسلم) : "ويل لمن لاكها بين فكيه ولم يتأمل ما فيها" ، أى ويل لمن تلاها بفمه ولم يتدبر فيها.
وأضاف جمعة خلال برنامج "رؤية" للفكر المستنير حول كتاب "الكليات الست 4":"ونعى القرآن الكريم على من لا يعملون عقولهم فقال سبحانه : "أَفَلَا يَعْقِلُونَ" ، "أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ" ، "أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ" ، "أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها" ، يقول الحسن البصرى (رحمه الله) : "لوكان العقل يشترى بالمال لتغالى الناس فى ثمنه ، فالعجيب والعجب العجاب ممن يشترى بماله ما يفسد به عقله"، وكان أحدهم يقول : "ما أوتى أحد بعد الإيمان أفضل من العقل" ، وعن عامر بن عبد قيس (رحمه الله) كان يقول : "إذا عقلك عقلك عما لا ينبغى فأنت عاقل" ، وعن سفيان بن عيينة (رحمه الله) كان يقول : "ليس العاقل الذى يعرف الخير من الشر ، إنما العاقل الذى إذا رأى الخير اتبعه ، وإذا رأى الشر اجتنبه" ، وكان الإمام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالى يقول : "إن من حنكته التجارب وهذبته المذاهب يقال له عاقل فى العادة ، ومن لا يتصف بهذه الصفة فيقال له أى شئ آخر" ، ويقول الشاعر:
وَأَفضَلُ قَسمِ اللَهِ لِلمَرءِ عَقلُهُ
فَلَيسَ مِن الخَيراتِ شِيءٌ يُقارِبُه
فزينُ الفَتى فى الناسِ صِحَّةُ عَقلِهِ
وَإِن كانَ مَحظورا عَلَيهِ مَكاسِبُه
ويزرى به فى الناس قلة عقله
وإن عظمت أعراقه ومناسبه
وتابع جمعة:"فالعقل نعمة من أعظم نعم الله التى يجب علينا أن نحافظ عليها وأن لا نضيعها ، بعض الناس يضيع عقله بالمخدرات والمسكرات والموبقات ، ورب العزة ينهى عن ذلك فيقول : " إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِى الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ" ، لما نزلت هذه الآية قال أصحاب النبى (صلى الله عليه وسلم) : "انتهينا انتهينا انتهينا يارب انتهينا" ، وكما نحفظ عقولنا من كل مسكر أو مفتر أو مضر بها علينا أن نحفظها أيضًا من أن نسلمها لمروجى الشائعات والأباطيل والأراجيف والأكاذيب ، وعلينا أن نعمل عقولنا وأن لا نتسرع فى تصديق الكذبة ، يقول الحق سبحانه وتعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ" ، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : " كَفَى بالمَرْءِ إثمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ" أى أن يكون بوق كلام ينقل ما يسمع دون أن يحلل ودون أن يفكر فيه ، ودون أن يعمل عقله فى ما يسمع ، فينقل دون أن يتريث أو يتثبت ، سواء كان النقل قولًا ، أم كتابةً ، أم تشييرًا ، أم مشاركةً ، أم إعجابًا ، فعلينا أن نعمل عقولنا ، ولا نسلمها لدعاة الفتنة وبغاة الشر.
أما الكلية الثانية فى حديثنا هذا والسادسة من الكليات الست فهى كلية الحفاظ على العرض ، والعرض نوعان : خاص وعام ، الخاص : حفاظ الإنسان على شرف زوجه وأمه وأخته وبنته وشرف نفسه ، فهذا هو المعنى الخاص فى عملية العرض ، أما المعنى العام فهو حفاظه على ما يسيئ إلى كرامته أو ما ينال من شرفه العام ، يقول الشاعر الجاهلى :
إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ
فَكُلُّ رِداءٍ يَرتَديهِ جَميلُ
تُعَيِّرُنا أَنّا قَليلٌ عَديدُنا
فَقُلتُ لَها إِنَّ الكِرامَ قَليلُ
وَما ضَرَّنا أَنّا قَليلٌ وَجارُنا
عَزيزٌ وَجارُ الأَكثَرينَ ذَليلُ
وإنا كَماءِ المُزنِ ما فى سهامنا
كَهامٌ وَلا فينا يُعَدُّ بَخيلُ
وَما أُخمِدَت نارٌ لَنا دونَ طارِقٍ
وَلا ذَمَّنا فى العالمين نَزيلُ
ويقول الشاعر الجاهلى عنترة العبسي:
لا تسقنى ماء الحياة بذلة
بل فاسقنى بالعز كأس الحنظل
ويقول الشاعر الجاهلى :
أَسْتَـفُّ تُرْبَ الأرْضِ كَيْلا يُرَى لَـهُ
عَلَـى مِنَ الطَّـوْلِ امْـرُؤٌ مُتَطَـوِّلُ
ويقول سيدنا حسان بن ثابت (رضى الله عنه) :
أَصونُ عِرضى بِمالى لا أُدَنِّسُهُ
لا بارَكَ اللَهُ بَعدَ العِرضِ بِالمالِ
ويقول الآخر:
إذا قلَّ ماءُ الوجهِ قلَّ حياؤهُ
ولا خيرَ فى وجهٍ إذا قلَّ ماؤهُ
حياءَك فاحفظْه عليك فإنَّما
يدلُّ على فعلِ الكريمِ حياؤهُ
واختتم وزير الأوقاف: "نهى الإسلام عن الزنا ، ولم ينه فقط عن الزنا إنما عن مجرد القرب منه ، حفظًا للأعراض ، وحفاظًا عليها، فقال سبحانه : " وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا".