- مدينة الدواء تجعل مصر مركزا إقليميا لصناعة الدواء فى الشرق الأوسط وتضبط السوق وتنهى نقص الأدوية مع فوائض للتصدير
- مدينة الدواء مجهزة بكاميرات للتعرف على الأدوية غير المطابقة للمواصفات
- تعتمد على أعمال التنظيف الذاتى الإلكترونى ما يساعد على استمرار الإنتاج فى المصانع
-تعتمد على التعاون بين الدولة والقطاع الخاص وتستخدم أحدث التقنيات
- استراتيجية الدولة بامتلاك صناعة دواء متقدمة وقوية إحدى ركائز التأمين الصحى الشامل
على مدى عقدين تقريبا، كتبت فى قضية الصحة والعلاج والدواء، الكثير من التحقيقات والأبحاث فى هذا القطاع الحيوى والمهم، ومن هنا أشعر بحجم ما تحقق فى مدينة الدواء التى افتتحها الرئيس السيسى مؤخرا، والتى تمثل تلبية لمطالب الكثير من خبراء الدواء والمختصين بالصحة والعلاج، باعتبار أن الدواء، كصناعة وتجارة وتوزيع، إحدى أهم القضايا المتعلقة بصحة المواطن، سلعة لا يمكن استبدالها، او الاستغناء عنها.
من يتابع قضية الدواء سوف يكتشف أهمية وخطورة مدينة الدواء التى افتتحها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى القليوبية، والتى تمثل واحدة من أكبر الخطوات المتعلقة بتأمين صحة المواطن وتوفير الدواء وكسر حلقات الاحتكار الدولية، مدينة الدواء على مساحة 180 ألف متر، بطاقة إنتاجية 150 مليون عبوة سنويا، تضم مصنعين، منهما مصنع الأدوية غير العقيمة يضم 15 خط إنتاج، يوفر ما تحتاجه الدولة من أدوية، وتهدف لتوفير دواء آمن وفعال للمواطن، فضلا عن كونها تجعل مصر مركزا لإنتاج وتوزيع الدواء فى أفريقيا والشرق الأوسط.
قضية الدواء لم تظهر مع أزمة فيروس كورونا، أو قبلها، نحن ندرك خطورة هذه القضية، ولا نزال نتذكر أن مصر خلال السنوات الماضية شهدت بعض الأزمات العابرة فى توفير بعض الأصناف، وأشهرها أزمة البنسلين، ونقص بعض أدوية الأمراض الخطيرة والمزمنة، وهو ملف فات على كثيرين، لكنه شغل الدولة بشكل كبير، وقرر الرئيس عبدالفتاح السيسى فتح هذا الملف ودراسته من خلال خبراء الدواء والصحة، وقرر البدء فى مدينة الدواء العالمية، والتى تضاف إلى صناعة دواء بدأت فى القرن العشرين، وتطورت فى الستينيات، لكنها واجهت أزمات فى الثمانينيات والتسعينيات أدت لتراجعها.
واجهت مصر على مدى العقود الماضية أزمات فى الدواء، كانت تظهر مؤقتا وتكشف عن مشكلات فى إنتاج وتوزيع الدواء، وهو ما انتبه اليه الرئيس السيسى، كعادته فى التعامل مع كل الملفات فى وقت واحد، وملف الصحة بالذات واجه أزمات ومشكلات خلال العقود الماضية، ومنه الدواء، ومن شكل مدينة الدواء نكتشف أن الدولة درست الملف بشكل كامل، باعتبار الدواء من أهم قضايا الأمن القومى، وهو ما أشرت إليه على مدار سنوات، كنت أتولى تغطية الملف، ويوما ما كتبت أن الفيروس الكبدى «سى» يمثل تهديدا للأمن القومى، مثلما يفعل الإرهاب أو العدو الخارجى، لهذا شعرت بامتنان تجاه تحرك الدولة فى مشروع القضاء على فيروس «سى»، الذى أكل أكباد المصريين على مدار ثلاثين عاما، ونجحت مصر بمبادرة الرئيس السيسى فى القضاء عليه خلال ثلاث سنوات، من خلال اتفاق لتصنيع الدواء «سوفالدى» بمصر، وتقديمه بالمجان للأغلبية وبأسعار اقل من 1% من سعره فى الدول المجاورة.
كانت هذه التجربة كاشفة لاتجاه تفكير «السيسى» بقضية الدواء والعلاج، خاصة أنه تولى بينما كانت مصر تواجه مشكلات فى توافر بعض الأصناف الدوائية البسيطة، ومنها أزمة البنسلين، وهو أرخص وأبسط المضادات الحيوية، ومعه بعض الأصناف الخاصة بالأمراض الخطيرة والمزمنة والأورام، بل والمحاليل الضرورية ومستلزمات الجراحة وفلاتر أجهزة الغسيل الكلوى، فضلا عن بعض أدوية السرطان والأطفال والأمراض المزمنة، ولهذا بدأ السيسى التفكير فورا فى فتح الملف مع خبراء الدواء والصحة، ليبدأ واحدا من أكثر مشروعات الصحة طموحا.
انطلق الرئيس السيسى من نظرية أن قضية الدواء أكبر من أن تخضع للأهواء، أو للإهمال، والدولة مسؤولة بشكل مباشر عن ضمان توفر الدواء للمرضى، ولا يمكن تجاهل نقص فى أنواع ضرورية من الأدوية وارتفاع أسعار بعضها.
والواقع أن السيسى فتح ملف الصحة من كل جوانبه، وسعى لتخليصه من تراكمات عقود من الإهمال والتجاهل، وفى قلبه ملف التأمين الصحى الشامل، والذى تأخر لأسباب كثيرة، وبدأ تطبيق مرحلته الأولى، وخلال سنوات سوف يكون كل مواطن داخل منظومة التأمين الصحى ليحصل على حقه فى العلاج طبقا للدستور والمنطق العالمى. وبالتالى، فإن توفير الدواء المحلى من شأنه أن يمثل الجناح الأكبر فى نظام التأمين الصحى، وبالتالى يجب أن تمتلك الدولة عناصر التحكم، حتى لا تجد نفسها خاضعة لضغوط تجعل المرضى رهائن ولا يفترض أن تبقى قضية الدواء خارج السيطرة، وهو ما قرره الرئيس وتسير فيه الدولة، وتمثل مدينة الدواء أحد عناصره الكبرى.
حتى التسعينيات من القرن العشرين، كان الإنتاج المحلى من الدواء يكفى الاستهلاك، ويفيض منه للتصدير إلى بعض الدول العربية والأفريقية، لكن الأمر تغير بعد اتفاقية التجارة العالمية، حيث تحصل الشركة على مقابل الملكية الفكرية لمدة 20 عاما من تاريخ الإنتاج، وهو ما يرفع سعر الدواء، وهذا ينطبق على 20 إلى %30 من الأدوية الحالية، والباقى هو الأدوية القديمة التى تخطت فترات الملكية الفكرية. والإنتاج المحلى يقوم على استيراد الخامات وتقتصر عملية الإنتاج على التعبئة والتغليف، والخامات، يتم إنتاجها طبقا للدستور الأوروبى أو الأمريكى، وهناك توكيلات فى الهند والصين وشرق أوروبا، وصناعة وتجارة الدواء تأتى فى نفس مستوى صناعة وتجارة السلاح، الشركات المنتجة تنفق على الأبحاث والتجارب مليارات وتحرص على استعادتها مئات الأضعاف.
وحتى ندرك أهمية ما طرحه الرئيس فيما يتعلق بضرورة إنتاج الخامات الدوائية فى افتتاح مدينة الدواء، نكتشف كيف حول السيسى مكان شركة النصر للخامات الدوائية من مكان يعانى مشكلات إلى أكبر مركز لإنتاج الدواء فى المنطقة، أقيمت شركة النصر لصناعة الخامات الدوائية، فى الستينيات من القرن العشرين بميزانية 3 ملايين جنيه، على 120 فدانا، كانت تنتج نحو 500 مستحضر بشرى، وبيطرى ومحاليل وحقن والمسكنات وأدوية.
الشركة تعرضت لمشكلات تتعلق بعدم التحديث والتطوير، وتراكم الخسائر والمديونيات، وتعيين غير المختصين، وقبل سنوات دعا قيادات الشركة إلى توفير التحديث والتمويل، وإنشاء معامل للخامات وعمليات البلورة والترشيح والتجفيف والطحن والتعبئة والتغليف. وإمكانية التعاون مع دول مثل الصين والهند، والشركات العالمية.
لكن الرئيس عبدالفتاح السيسى أنقذ الشركة وقرر تحويلها إلى أكبر مركز لإنتاج وتصنيع الدواء والخامات الدوائية ومشتقات البلازما وأدوية الأورام، وكان يمكن أن تتحول أراضى الشركة مثل غيرها من الشركات التى تعرضت لجريمة خصخصة غير مدروسة.
قضية الدواء ليست محلية فقط، لكنها ترتبط بتحالفات ضخمة عابرة للجنسيات، وشركات تنفق مليارات على الأبحاث والأدوية والتصنيع، ومثلها على التسويق والترويج والمؤتمرات والدعاية، وبالتالى فإن مستوردى أو منتجى الدواء المحلى هم أطراف ترتبط مصالحهم بمصالح هذه الشركات، والدواء مثل السلاح، تجارة وصناعة لا علاقة لها بكون الطب والعلاج أمرا إنسانيا، ومن يستهينون بصناعة الدواء فى مصر، وأنها تتركز فى التغليف والتعبئة للخامات الدوائية، لا يعرفون أن التعبئة والتغليف، تمثل فى بعض الأصناف خارج الملكية الفكرية، ما يقرب من نصف التكلفة.
يكفى أن نعرف أن الشركات المحلية العامة ثم الخاصة، كانت تغطى حتى منتصف التسعينيات ما يقرب من 70% من احتياجات السوق الدوائية، وذهبت ضحية للخصخصة والتصفية فى نهاية التسعينيات، بل كان الدواء المصرى يصدر إلى دول عربية وأفريقية.
التفكير فى صناعة كاملة للدواء، يحتاج إلى إمكانات مادية وبشرية ضخمة، ويعد ضمن الأفكار بعيدة المدى، لكن فى الوقت الراهن فإن الشطارة فى التفاوض للحصول على أسعار أقل للخامات الدوائية، ويمكن عقد اتفاقات لتصنيع الخامات بالاشتراك مع الشركات الدولية، مثلما تفعل دول مثل الهند، أو بعض دول شرق أوروبا، والتى تنتج الخامات طبقا للدستور الأوروبى أو الأمريكى ومطابقة للمعايير الدولية، مع الأخذ فى الاعتبار أن التفاوض يتم حسب حجم السوق.
ولا بديل عن توطين عملية تصنيع الدواء، حتى ولو فى سياقات التعبئة والتغليف، مع أهمية التعاون مع دول مثل الهند لتطوير صناعات الدواء، وقد يكون الإعلان عن إنشاء مصنع للدواء يفتتح خلال هذا العام أمرا إيجابيا، لكن الأمر يستلزم تطوير الشركات العامة القائمة، وتشجيع الاستثمارات فى الدواء، خاصة فى الأصناف التى خرجت من الملكية الفكرية، وتمثل أكثر من نصف الأدوية، وقضية الدواء أكبر وأخطر من أن تترك للعشوائية، والملف مفتوح وبحاجة لتفكير شامل وليس مجرد رد فعل.
على مدى عقود، كانت صناعة الدواء مجالا لنقاشات ومعالجات ومطالب، وربما يكون ظهور فيروس كورونا، وما رافقته من تفاصيل طبية وعلمية، قد أعاد التذكير بأهمية وجود وامتلاك صناعة دواء متقدمة وقوية، وبقدرات جودة ومتابعة كبيرة، وكل من يتابع مطالب ومناقشات العقود الماضية، يعرف أهمية ما تم مع افتتاح الرئيس عبدالفتاح السيسى، لمدينة الأدوية فى الخانكة، بمحافظة القليوبية، وفق المعايير العالمية الحديثة، مع تأكيد أن هذه المدينة سوف تكون مركزا لإنتاج أدوية الأورام، والتى يتم استيرادها، فضلا عن أنها تتطلب تقنية عالية، وقدرات تصنيعية، وبنية علمية وبحثية كبيرة.
من هنا، فإن مدينة الدواء ليست فقط أكبر المدن من نوعها على مستوى الشرق الأوسط، لكنها تحقق أهدافا أهمها أن تكون مصر مركزا إقليميا لصناعة الدواء فى الشرق الأوسط، وتساهم فى ضبط سوق الدواء وإنهاء نقص الأدوية، وفوائض للتصدير، وتعتمد على التعاون بين الدولة والقطاع الخاص، لكونها تستخدم أحدث التقنيات والماكينات والوسائل التكنولوجية، ومجهزة بتكنولوجيا للتعرف على الأدوية غير المطابقة للمواصفات للوصول لأعلى مستويات الجودة، التنظيف الذاتى الإلكترونى وأعلى معايير الجودة العالمية.
تضم مركزا إقليميا لتصنيع الدواء بالتعاون مع شركات أجنبية، وتصنع أدوية متعلقة بفيروس «كورونا» والأمراض المزمنة والضغط والقلب والكلى والمخ والأعصاب، والمرحلة الثانية تدخل مجال صناعة أدوية الأورام أدوية السرطان لتوفيرها بأسعار مناسبة. المدينة تمثل إنجازا ضخما لتأمين العلاج للمصريين.