صدر حديثا كتاب "طه حسين ـ تجديد ذكرى عميد الأدب العربى" للكاتب والناقد إيهاب الملاح، الباحث فى التراث الثقافى.
يقول إيهاب الملاح عن كتابه الجديد "الكتاب ببساطة نتاج عمل وقراءة وبحث لمدة تقرب من عشر سنوات. وهو بمثابة المدخل لمشروع كبير أعمل عليه منذ سنوات طويلة عن طه حسين، وأثره العميق فى بنية الثقافة المصرية والعربية، منذ بدايات القرن العشرين وحتى الآن".
ويتابع إيهاب الملاح، أن الكتاب عن عميد الأدب العربى بقلم واحد من أحفاد أحفاده بالمعنى العلمى والثقافى والحضارى، فقد تخرجت فى كلية الآداب قسم اللغة العربية وآدابها القسم التنويرى الأهم والأعرق فى جامعاتنا المصرية والعربية على السواء، وتتلمذت على يد أساتذة عظام تتلمذوا بدورهم على تلامذة طه حسين، ممن أدركوا أهمية وقيمة الأدوار التنويرية والحضارية والثقافية التى أداها طه حسين لأبناء وطنه.
وهذا الدافع يتقاطع مع دافع آخر ربما يكون هو الدافع الأهم لإنجاز هذا الكتاب، كان طه حسين هو الشخصية الأهم والأكبر (وبعده نجيب محفوظ) من قاماتنا التنويرية التى طالها التشويه والهجوم اللا أخلاقى البشع الذى تعرض له وخصوصا بعد مماته من قبل تيار الإسلام السياسى، ومنذ منتصف السبعينيات وحتى وقتنا هذا لم يكتب كتاب واحدة يرد على هذه الاتهامات البشعة والافتراءات المكذوبة والادعاءات المفبركة وهى كلها مما تربى عليه أبناء هذا التيار لعشرات السنين، فلم يناقش واحد منهم رأيا لطه حسين ولا قرأه فى شموله ومشروعه الثقافى والحضارى العام، وطيلة ما يقرب من خمسين سنة كانت حملاتهم التنفيرية البشعة تقوم على اقتطاعات واجتزاءات بمنطق "ولا تقربوا الصلاة" حتى يتم صرف الناس عنه وعن قراءته والتعرف على أعماله ومؤلفاته التى غطت تقريبا كل مجالات المعرفة الرصينة، أدبا ولغة ونقدا وتاريخا واجتماعا وفلسفة وسياسة وترجمة.. إلخ، كان طه حسين وما زال أكبر من كل محاولاتهم الكريهة لتشويهه وتشويه سيرته والتعمية على أفكاره الناقدة المسائلة المراجعة وبصيرته النقدية والمعرفية التى لم يستطيعوا التصدى لها ولا القضاء على أثرها حتى اللحظة، ولهذا فقد خصصت فصلا كاملا فى الكتاب بعنوان (لماذا يكره الإسلاميون طه حسين؟) وآخر عن محاولات منظرهم أنور الجندى الذى خصص تقريبا جهده فى سنواته الأخيرة لاغتيال طه حسين معنويا بكل معنى الكلمة.
ويضيف إيهاب الملاح، طوال السنوات العشر الماضية، لم أكن أفوت فرصة أو مناسبة للاحتفاء والاحتفال بذكرى طه حسين. كنت أنتهز ذكرى رحيله فى 28 أكتوبر من كل عام و(15 نوفمبر ذكرى ميلاده) لإعداد موضوعات خاصة وملفات نوعية عن مناطق ومساحات لم تحظ بالاهتمام الكافى فى سيرته أو مشروعه الفكرى والثقافى أو الهزة العقلية والمنهجية التى أحدثها فى حياتنا الثقافية طيلة قرن.
وخلال هذه القراءات، توفرت الفرصة لمراجعة كل ما كتبه طه حسين (وكتب عنه أيضا) واكتشفت أن هناك فجوة كبيرة تزايدت مع الوقت بين أجيال جديدة شابة متوثبة ومتطلعة للمعرفة والبحث والسؤال، وبين تراثنا الثقافى والفكرى النهضوى القريب، وأعلامه من النهضويين الكبار، وعلى رأسهم طه حسين.
ومن هنا تولدت فكرة المشروع الذى أخذ على عاتقه إعادة تقديم طه حسين إلى الأجيال الجديدة بلغة معاصرة، وأطمح أن تكون قريبة، تجتهد فى أن تنأى عن الجفاف والعسر دون أن تسقط فى فخ التسطيح والابتذال فى عرضها لسيرة وأفكار العميد وتجديد ذكراه التى أظن أننا أحوج ما نكون إليها الآن، وأكثر من أى وقت مضى.
ومما جاء في مقدمة الكتاب:
يأتى هذا الجهد المتواضع استجابة لدعوات العديد من الأصدقاء الأعزاء على مدار الأعوام السابقة الذين كانوا يلحُّون مشكورين فى جمع ما كتبته من مواد ومقالات ودراسات عن العميد؛ نشرتها على مدى عشر سنوات أو يزيد. وفى الوقت ذاته، يأتى هذا الكتاب تلبيةً لرغبةٍ دفينة، قديمة، تجاه الرجل الذى جلب لنا شمس المعرفة ونور العلم رغم أنه عاش حياته كلها فى الظلام!
الرجل الذى كان يحلم بمصر "وقد أظلها العلم والمعرفة، وشملت الثقافة أهلها جميعًا، وشاعت فيها حياة جديدة، وأصبحت جنة الله فى أرضه حقًّا يسكنها قوم سعداء ولكنهم لا يؤثرون أنفسهم بالسعادة وإنما يشركون غيرهم فيها، وأصبحت مصر كنانة الله فى أرضه حقًّا يعتز بها أقوام أعزاء، ولكنهم لا يؤثرون أنفسهم بالعزة، وإنما يفيضون على غيرهم منها".
آمل مخلصًا عندما يظهر هذا الكتاب، أن أضعه بين يدى كلِّ مَنْ سألنى بصِدْق:
ومن يكون طه حسين؟ وماذا قدَّم لنا ولثقافتنا المصرية والعربية؟ ولماذا نتذكره الآن ونُجدِّد ذكراه؟
ويتكون الكتاب من مقدمة وثلاثة أبواب تحت كل باب عدد من الفصول، الباب الأول عن "محطات فى حياة العميد"، وهو الباب التأسيسى الذى تتكثف عبر فصوله موجز سيرة العميد وانتقالاته المفصلية فى الحياة والتعليم والجامعة والفكر، مستعرضة مراحله التكوينية الفكرية والثقافية منذ التحاقه بالأزهر وهو فى الثانية عشرة من عمره وحتى حصوله على الدكتوراه من فرنسا ورجوعه إلى مصر عام 1919 ومن أستاذيته فى الجامعة وعمادته للآداب حتى توليه حقيبة المعارف العمومية (التربية والتعليم والثقافة) فى حكومة الوفد الأخيرة (1950-1952).
ويتناول الباب الثانى المعنون "العميد فى مرايا الأجيال" صورة العميد الإنسانية والجامعية والثقافية عبر مجموعة منتقاة من الكتابات التى عالجت سيرته وأفكاره وكتاباته وتراثه العلمى والمعرفى من منظورات مختلفة؛ منها الذاتى والموضوعى والبحثى والأكاديمي..إلخ.
والباب الثالث (سجالات حول العميد.. قديما وحديثا) وهو أكبر أبواب الكتاب ويضم عشرة فصول تغطى أبرز وأهم أعمال طه حسين التى أثارت جدلا ولغطا وأشعلت المعارك والخصومات، وكذلك استعراض ما طاله من تشويه وملاحقة مجنونة من قبل تيارات الإسلام السياسى لم تتوقف حتى بعد وفاته بل استمرت وزادت عنفا وشراسة، ومن هنا جاء فصل بعنوان "لماذا يكره الإسلاميون طه حسين؟" ويحاول أن يرد هذه الكراهية إلى جذورها النقدية والمعرفية والنفسية، وفصل آخر بعنوان "أنور الجندي.. يغتال العميد حتى بعد موته" ويعالج ما تولاه منظر الإخوان الثقافى (ومنظر الإسلاميين عموما فى شؤون الثقافة والفكر والأدب) من الاضطلاع بحملات منظمة ومتتالية طيلة النصف الثانى من السبعينيات وحتى وفاته للهجوم على طه حسين وتشويه سيرته بل وصل الأمر حد اختلاق الوقائع (ليس تزييفها فقط) لتنفير قواعدهم وجماعاتهم من الرجل وفكره وصد الناس عنه بكل السبل والوسائل "المشروعة وغير المشروعة" وظلت هذه السياسة هى المتبعة فى أوساط الإسلاميين إلى أن انضم إليهم محمد عمارة وقرر أن ينتهج استراتيجية مغايرة تماما لا تقوم على السب والهجوم العنيف والتشويه والاختلاق بل بادعاء أن طه حسين قد تراجع عن أفكاره وتاب واناب واستغفر ربه عما قدم!! هكذا فيما عرف منذ أواسط التسعينيات وحتى العام 2010 بتلويت خطاب النهضة أو "استلاب النهضويين" لحساب ما يعتبرونه المشروع الإسلامى أو كما كانوا يطلقون عليه وقتها "الصحوة الإسلامية".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة