فاز الشاعر محمد غازى النجار، مؤخرا، بجائزة أفضل ديوان فصحى عن ديوانه "إنها تتراءى لى" فى مسابقة المجلس للأعلى للثقافة لعام ٢٠٢٠، الدورة الخامسة التى تحمل اسم الأديب الراحل خيرى شلبى، ونقرأ معا قصيدته:
بِتُّ ليلتَها كعادتى أفتّشُ عنها
وأفتحُ البابَ بعدَ البابْ
محبوسةً رأيتُها بينَ الخرافِ والسياجْ
ورأيتُها معزولةً معَ جذرِ نباتْ
شقَّ وجودَهُ فوقَ سطحِ عمارةٍ قديمةٍ بينَ السورِ والبلاطْ
ومنطويةً داخلَ كتابْ
لا تكشفُ نفْسَها إلا للمشتعلينَ شغفا
ورأيتُها ترتدى أقنعةً
تختفى منْ عيونِ اليائسينَ والخائفينَ والسطحيينَ والضعافِ ومحدودى الأفُقْ
ورأيتُها فى "ضوءِ القمرْ"
وكضوءِ القمرْ
مُطِلّةً منْ زجاجِ نافذةٍ فى الليلْ
ونزلتُ إلىٰ الشارعْ
علىٰ الأسفلتِ والأرصفةِ رأيتُها
مسحوقةً تحتَ عجلاتِ السياراتِ والدراجاتْ
مدهوسةً بأحذيةِ العابرينَ المسحوبينَ بخيوطٍ خفيّةْ
وابتعدتُ قليلًا فرأيتُها علىٰ التخومِ بينَ الريفِ والمدينةْ
وحينَ ابتعدتُ أكثرْ
رأيتُها تلمعُ داخلَ فقاقيعِ العرقْ
ولمّا ارتحلتُ وتغرّبتُ
رأيتُها داخلَ نفْسى كشلالٍ يتفجّرُ فى أقصاها
ومُعلَّقةً كالمصابيحِ فى صدرى والضلوعْ
سترونَها دائمًا فى عيونِكمْ حينَ تدقِّقونَ النظرَ فى المرآةْ
وفى عيونِ الرُّضَّعِ
وفى عيونِ المحتضرينَ
وفى المقاهى حينَ تكتظُّ
وفى الشوارعِ حينَ تخلو
وفى خطىٰ حيوانٍ يقاومُ غزوَ الحضارةِ ويتْبعُ فطرتَهْ
وفى ارتعاشةِ الغصنِ منتشيًا بالريحِ والربيعْ
وفى كوبِ الشاى مُلتمِعًا كالياقوتِ وقتَ الغروبِ
ينسكبُ الضوءُ الأخيرُ فيهِ فيجعلُهُ أشهىٰ
وفى قلبِ صخرةْ
حينَ تسقطُ منْ فوقْ
وتندلقُ علىٰ الأرضِ صرخةْ
وعُدْ إلىٰ الصخرة/الصرخة بعدَ فترةٍ وارفعْها
ستراها فى كائنٍ عاشَ عمرَهُ كُلَّهَ تحتَها
وقبلَ النومِ بهنيهةْ
وعندَ الصحوِ فجأةً
ستراها
وحينَ لا يراكَ أحدٌ ستراها
خلسةً تمشى أمامَكْ
فاحتضنْها بذراعِكْ
ولا تصرخْ مِثْلَ أرشميدس "وجدتُها.. وجدتُها!"
وخذْها برفقٍ إلىٰ مُنتهَىٰ الإرادةْ
ولقدْ تجلّتْ لى كأجملِ ما يكونُ النهارُ فى حديقةٍ ذاتِ طيرٍ ونهرْ
تجلّتْ علىٰ هيئةِ امرأةٍ سمّيتُها "هايدى"
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة