حدد صندوق النقد فى تقرير حديث له العديد من آليات تعافى الاقتصاد من جائحة كورونا، لافتا إلى إنه لا يزال سباق اللقاح مستمرا فى الحرب ضد كوفيد-19، ولكن وتيرة إجراء التطعيمات تتسم بالتباين الشديد عبر البلدان، مع عدم توافر اللقاحات لعدد كبير منها، والتطعيم حاجة ماسة على مستوى العالم، وبالتالى ومن شأنه أن يغطى تكاليفه من خلال ما يحققه من تعزيز التشغيل والنشاط الاقتصادى، مما يؤدى إلى زيادة الإيرادات الضريبية وتحقيق وفر كبير فى الدعم المقدم من المالية العامة.
وأشار تقرير صندوق النقد إلى أنه للسيطرة على الجائحة فى مختلف أنحاء العالم يجب أن تظل سياسة المالية العامة مرنة وداعمة لأنظمة الرعاية الصحية، والأسر، والشركات القادرة على الاستمرار، والتعافى الاقتصادي. وتتفاوت الحاجة إلى الدعم والنطاق الذى يغطيه عبر البلدان المختلفة، تبعا لتأثيرا لجائحة والفرص المتاحة للاقتراض بتكلفة منخفضة. وتقوم حكومات عديدة فى الاقتصادات المتقدمة بتنفيذ تدابير كبيرة الحجم على جانبى الإنفاق والإيرادات فى عام 2021 (6% من إجمالى الناتج المحلى، فى المتوسط). وكان الدعم فى اقتصادات الأسواق الصاعدة، ولا سيما البلدان النامية منخفضة الدخل، أقل حجما وأكثر تركزا فى البداية، كما أن نسبة كبيرة من التدابير المتخذة قد انتهى الأجل المحدد لها.
وقال صندوق النقد إنه قد حال الدعم المالى المقدم دون حدوث انكماشات اقتصادية أكثر حدة وفقدان المزيد من الوظائف. وفى الوقت نفسه، أدى هذا الدعم، مع انخفاض الإيرادات، إلى زيادة العجز والدين الحكوميين حتى بلغا مستويات غير مسبوقة عبر كل البلدان فى مختلف مجموعات الدخل. ووصل متوسط العجز الكلى كنسبة من إجمالى الناتج المحلى فى عام 2020 إلى 11,7% بالنسبة للاقتصادات المتقدمة، و9,8% بالنسبة لاقتصادات الأسواق الصاعدة، و5,5% بالنسبة للبلدان النامية منخفضة الدخل. وقد تباعدت مسارات البلدان من حيث القدرة على زيادة الإنفاق، فجاء ارتفاع العجز فى الاقتصادات المتقدمة وعدد من اقتصادات الأسواق الصاعدة نتيجة لزيادة الإنفاق وانخفاض الإيرادات بأحجام متساوية تقريبا، بينما كان السبب الرئيسى فى انهيار الإيرادات لدى العديد من اقتصادات الأسواق الصاعدة ومعظم البلدان النامية منخفضة الدخل هو فى الأساس انهيار الإيرادات الذى أحدثه الهبوط الاقتصادي. ومن المتوقع أن ينكمش عجز المالية العامة فى معظم البلدان فى عام 2021 مع انقضاء أجل الدعم المرتبط بالجائحة أو انحساره، وحدوث بعض التعافى فى الإيرادات، وانخفاض عدد طلبات الحصول على إعانات البطالة.
وأضاف أنه أدت جائحة كوفيد-19 إلى تفاقم مظاهر عدم المساواة والفقر التى كانت موجودة قبل وقوعها، كما برهنت على أهمية شبكات الأمان الاجتماعي. وكشفت الجائحة النقاب أيضا عن عدم المساواة فى الحصول على الخدمات الأساسية – كالرعاية الصحية، والتعليم عالى الجودة، والبنية التحتية الرقمية – والتى قد تتسبب بدورها فى استمرار فجوات الدخل جيلا تلو الآخر.
وفى الأشهر المقبلة ستصبح إتاحة اللقاحات للجميع وإحراز تقدم فى عمليات التطعيم عاملين حاسمين، وفى فترة التعافى وما بعدها، يتعين أن تهدف السياسات إلى إعطاء الجميع فرصة عادلة لتحقيق مكتسبات تمتد طوال الحياة، عن طريق تقليص الفجوات القائمة فى الحصول على خدمات عامة عالية الجودة، وبالنسبة لمعظم البلدان، سيتطلب هذا تعبئة إيرادات إضافية وتحسين تقديم الخدمات مع العمل فى الوقت نفسه على تعزيز النمو الاحتوائي.
وحول عدم المساواة الموجودة منذ وقت سابق أدى إلى تفاقم تأثير جائحة كوفيد-19، بينما أفضت الأزمة بدورها إلى تصاعد عدم المساواة بالمثل، فعلى سبيل المثال كانت معدلات الوفيات أقل فى البلدان التى تتيح فرصا أفضل للحصول على الرعاية الصحية، بالنظر إلى أعمار سكانها وعدد حالات الإصابة فيها. أما البلدان التى تتسم بمعدلات فقر نسبى أعلى فقد سجلت أعدادا أكبر من الإصابات، خاصة فى مناطق التوسع الحضرى الأكثر كثافة.
وقال التقرير إن هناك بعض الآثار التى ستظل باقية لفترة طويلة فى أسواق العمل، مثلما هو الحال فى مجال التعليم. فقد تسبب إغلاق المدارس على هذا النطاق غير المسبوق فى خسائر فى التعليم تعادل نحو ربع عام دراسى فى الاقتصادات المتقدمة ونصف عام فى اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية. وكانت أكبر الخسائر من نصيب الأطفال المنتمين إلى أسر أفقر وأقل حظا من التعليم، وعلاوة على ذلك فقد تشهد اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية فى عام 2021 هبوطا فى صافى معدلات الالتحاق بالتعليم يعادل نقطة مئوية واحدة (أو تسرب حوالى 6 ملايين طفل من التعليم)، وسيواجه الأطفال الذى يتسربون من التعليم خسائر تعليمية فادحة.