ودعت محافظة بورسعيد، البطل الفدائى محمد مهران – أحد أبطال المقاومة الشعبية فى المدينة الباسلة، والذى اقتلع العدو الغاشم "الاحتلال البريطاني" عينيه، بعد أسره فى غارة شنتها قوات الاحتلال على منطقة الجميل غرب بورسعيد، لعدم إدلائه بأية معلومات عن زملائه من رجال المقاومة والأسرار العسكرية عن التمركزات وقتها، فى جنازة تصدر مشيعيها المحافظ اللواء عادل الغضبان، وبحضور لفيف من القيادات التنفيذية والشعبية .
البطل الفدائي محمد مهران
توفى البطل الفدائى محمد مهران، مساء أمس الأحد، عن عمر يناهز الـ 83 سنه، بعد سنوات من الفداء والتضحية من أجل الوطن وحبه لبلده الغالى مصر، وتم الإعلان عن تشييع الجثمان من المسجد العباسي، الذى كان يتجمع فيه أبطال المقاومة الشعبية وقتها، حيث كانت هذه إحدى وصاياه كون هذا المسجد شاهداً على ذكريات المقاومة الشعبية وهو أقدم ثانى مسجد بمحافظة بورسعيد .
أقيمت صلاة الجنازة بالمسجد العباسي، وقام بإمامة المصلين الشيخ جمال عواد، وكيل وزارة الأوقاف ببورسعيد، وتقدمهم اللواء عادل الغضبان، محافظ بورسعيد، ولفيف من القيادات التنفيذية والشعبية والأمنية، وتم تشييع الجثمان إلى مثواه الأخير بمقابر بورسعيد .
وأكد محافظ بورسعيد، أن البطل محمد مهران يحظى بمكانة خاصة فى قلوب أهالى وبطولاته وتضحياته من اجل الوطن سوف يسجلها التاريخ على مر العصور، مضيفاً أن تسمية احدى مشروعات الإسكان بإسم البطل هو أقل شيئ يمكن تقديمه له عرفاناً وتقديراً لدوره البطولى والفدائى .
وأشار المحافظ، إلى أن سيرته العطرة، ستظل مصدر فخر وعزة لنا جميعًا، موضحاً أن ما قدمه " محمد مهران " وزملاؤه سيسجل بحروف من ذهب فى سجل البطولات والتضحيات، الذى تتناقلها الأجيال بكل فخر، وستظل بطولاته عالقة فى أذهاننا جميعا وأذهان أبنائنا على مرور العصور والأجيال .
المحافظ بالمقابر خلال الجنازه
وأوضح إبراهيم الديب -87 سنه، صديق البطل الفدائى محمد مهران، خلال تشييعه لجثمان البطل الفدائي، أنه كان فى اللواء 26 حرس وطني، وتدربوا بالمعسكر فى محافظة الاسماعيلية، وبالمركز التدريبى فى بورسعيد .
وأشار "الديب" إلى أنه كان عنده 22 سنه، عندما عاد مهران من الأسر على يد العدو البريطاني، وبالدموع تنهمر من عينيه ودع عم إبراهيم البطل الفدائى محمد مهران، فقيد بورسعيد .
وقال النائب السابق الحسينى أبو قمر، إنه البطل مهران ضرب مثالا للبطولة والفداء والتضحية للحفاظ على أرض الوطن، مشيراً إلى أنه كان معلماً للعديد من الأجيال، مشيراً إلى أن أبطال المقاومة الشعبية تغيرت على أيديهم موازين القوى العسكرية على مستوى العالم .
المحافظ يقدم العزاء
وأضاف شقيق البطل محمد مهران، أنه كان أخ وصديق وكان بطل فى حبه لمصر وللوطن، ودائماً يُعلى مصلحة مصر فوق الجميع، فكان حبه لوطنه أكبر من أى شيئ وهذا ما تورثناه عنه فى حياته.
وعن ذكريات عودته من الأسر، قال إن والدته استقبلته فى فندق كان موجوداً حينها يسمى "بالاس"، وكانت حينها أمه حامل فى شقيقه، حيث كان معلماً لكل الأجيال فى البطولة والفداء .
يذكر أن البطل محمد مهران، ابن حى العرب بمحافظة بورسعيد، مواليد 6 ستمبر 1938، وعمل مؤخرا فى متحف بورسعيد الحربي، حيث يقوم بالتوجيه المعنوى وتقديم المعلومات التاريخية للزائرين، متزوج وله ابنتان «أميمة» وهى طبيبة، و«نسرين» مهندسة.
جنازة محمد مهران
وتولى "مهران" تشكيل الحرس الوطنى ببورسعيد ضمن الفدائين لمواجهة العدوان الثلاثى فى 1956، حيث تولت القيادة المصرية تدريب الفدائين الشباب، للدفاع عن بورسعيد الباسلة، وانضم مهران إلى معسكر التدريب، وتولى قيادة السرية الثانية للكتيبة الأولى وكان عمره فى ذلك الوقت 18 سنة.
تم تكليف مهران ورفاقه بالدفاع عن مطار بورسعيد ومنطقة الجميل غرب المحافظة فى نوفمبر 1956، حيث كانت منطقة مستهدفة يسقط عليها جنود العدوان الثلاثى بالبراشوت لدخول بورسعيد، كما كان العدو يلقى بالقنابل والنابلم «البودرة الحارقة» وضرب الكبارى والطرق المؤدية لبورسعيد وغيرها من الطائرات عليها.
وتمكن البطل محمد مهران، ورفاقه الأبطال، من التعامل معهم بالبنادق والرشاشات من حفرة، وقتلوا العديد منهم فاكتشف العدو حفرة الأبطال فهاجموهم واستشهد البطل محمد أحمد، وقاومهم البطل مهران بطلقات متتالية وينتقل من حفرة لأخرى، حتى أصيب فى رأسه وسقط على الأرض مغشيا عليه.
صلاة الجنازة على البطل محمد مهران
وتم أسر البطل مهران، فى منطقة الجميل، وطلب منهم شربة ماء فسخروا منه «لما لم يحضرها لك عبدالناصر»، فرد عليهم الماء هو مصرى وملك لنا فركله الجندى بقدمه، وحاول مهران خطف البندقية، لكن جندى آخر ألقى عليه قنبلة فوق قدمه فأصيب.
وشكل الاحتلال الإنجليزي، محاكمة صورية للبطل مهران وخيروه بتقديم معلومات عن بورسعيد والفدائين وأماكنهم وعدد الكتائب والسرايا وأنواع الأسلحة ويتكلم فى التليفزيون، ويقول إن شعب بورسعيد سعيد جدا بوجود القوات البريطانية فوق أرضه، وإن مصر كلها تكره عبدالناصر والقيادة المصرية، أو أن يفقد عينيه، فردد «خذوا ما شئتم.. انزعوا عيني، لكن والله لن تنزعوا وطنيتي، ولن تنالوا من حبى لوطنى الذى يسرى فى دمائى ودماء كل المصريين».
تم نقل البطل محمد مهران إلى مطار لارنكا، ثم مستشفى القوات البريطانية فى قبرص، وهناك وجد فى استقباله 4 أفراد، كانت مهمتهم تعذيب البطل، وكان بين كل برنامج تعذيب يحضر طبيب ويقول للبطل «تحدث حتى ترتاح من العذاب.. لقد تعبنا من تعذيبك وأنا هنا وسيط بينك وبين القيادة البريطانية، بدلًا من أن أنزع عينيك الاثنتين، فإذا تحدثت سوف أترك لك عينًا واحدة، لكى ترى بها وآخذ العين الثانية إلى ضابط إنجليزى فقد عينيه عندكم فى بورسعيد.
صلاة الجنازة على محمد مهران
واستكمل الاحتلال تعذيب البطل مهران، وشعر أنه سيفارق الحياة ووافق بيده وأمام كاميرات التلفزيون، قال «تعيش مصر حرة كريمة ويحيا عبدالناصر سنهزمكم ونقتلكم».
غمر الارتباك كل الحاضرين وقطع الصوت وضربت الكاميرات، واستكملوا تعذيبه ثم اقتلعوا عينه دون رحمة ونقلوه إلى بورسعيد.
عرف كمال رفعت أحد الضباط الأحرار بوصول البطل مهران، مع جنود العدو بكازينو بالاس مقر القيادة البريطانية ببورسعيد، وقام باختطافه ونقله إلى المستشفى العسكرى بكوبرى القبة بمحافظة القاهرة.
زاره الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بالمستشفى، وقام بصحبة المشير عبدالحكيم عامر ونخبة من رجالات الدولة، وبعد سرد مهران القصة له وعبارة البريطانيين، أن «مهران سيكون عبرة لكل المصريين»، قال عبدالناصر بل أصبحت بطلًا ومثالًا وقدوة ليس لكل المصريين فقط، ولكن لكل العرب، فأنت مثال للبطولة والتضحية يا مهران.
ورفضت فتاة الارتباط بالضباط البريطانى الذى أخذ عين البطل مهران، واحتقرت ما قام به من عمل خسيس، وأشادت بوطنية البطل محمد مهران.
كرمه الرئيس عبدالفتاح السيسي، بإعادته لعمله بالشئون المعنوية بالمتحف الحربى تكريما له بعد استبعاده، ومنحه تأشيرة أداء فريضة الحج على نفقة القوات المسلحة، وإبقاء الحارس الشخصى المرافق له مدى الحياة، وتقديم هدية عينية له، وتسمية أحد مشروعات الإسكان مؤخرا باسمه، عرفانا وتقديرا بدوره البطولى والفدائي.
صلاة-الجنازة