روبرت بالارد، مغامر اقترن اسمه بأشهر استكشافات أعماق البحار والمحيطات فى أواخر القرن العشرين، متمثلًا فى العثور على حطام سفينة تيتانيك، التى كانت أحد أبرز اكتشافاته طوال فترة أداء مهنته على مدار أكثر من 60 عاماً، بينما نفذ المغامر روبرت بالارد، خلال هذه المدة الطويلة من العمل فى عالم المحيطات، أكثر من 150 رحلة استكشافية تحت الماء، قام خلالها باكتشافات علمية لا حصر لها.
لكن يظل "الرجل الذى اكشتف تيتانيك"، هو اللقب الأشهر للمغامر الأمريكى، وعن رحلته الاستكشافية الأشهر، يقول بالارد، إن والدته توقعت عدم تمكنه من النجاة أبدًا مما وصفته بـ"القارب القديم الصدئ" - فى إشارة لسفن الإنقاذ المستخدمة فى رحلات البحث - عندما اتصل ليخبرها أنه حدد موقع حطام السفينة الشهيرة فى 1985، وذلك وفقًا لما نشرته شبكة "CNN" الإخبارية.
المغامر الأمريكى يخطط لإنشاء متحف تحت الماء
وفى السنوات التى تلت العثور على سفينة تيتانيك، التقى "بالارد" بالعديد من الناجين من الحادث، وكثير منهم كانوا مجرد أطفال عندما غرقت، وقال إنه يشعر بالفخر لكونه "جزء من ذلك التاريخ"، وبينما يعتقد أنه يجب ترك الموقع المكتشف فى أعماق المحيط بعيدًا عن البشر، إلا أنه يتفهم سبب رغبة الناس فى رؤيته بشدة.
ولهذا السبب يخطط روبرت بالارد، لإنشاء متاحف تحت الماء لكل من سفينة تيتانيك، والسفينة بريتانيا، التى غرقت فى بحر إيجه، فى 1916، للسماح للزوار بالسفر إلى الحطام افتراضياً، وفى مذكراته الصادرة مؤخرًا، يتذكر "بالارد" دخوله العرض الأول لفيلم "تيتانيك"، عام 1997، مع مخرج الفيلم جيمس كاميرون، الذى التفت إليه، قائلاً: "اذهب أولاً.. أنت وجدته" - فى إشارة لحطام السفينة - وأوضح "عندما يسألنى الأطفال عن أعظم اكتشاف لى، أقول لهم دوماً إنه الاكتشاف الذى أنا على وشك تحقيقه".
ورغم أن بالارد قد لا يتمكن من إضافة 100 رحلة استكشافية أخرى إلى رصيد رحلاته الضخم، إلا أنه يخطط الاستمرار فى تحقيق بعضها بينما لا يزال قادراً على ذلك، ويتعمق بالارد فى مذكراته حول حياته المهنية، التى صدرت فى وقت لاحق من هذا الشهر، ويسلط الضوء على بعض أكثر اللحظات الحاسمة فى حياته الشخصية، بما فى ذلك الوفاة المأساوية لابنه.
روبرت بالارد يروى رحلة شغفه بعالم المحيطات
ويقول بالارد، عن الكتاب الذى ساعده به الصحفى الاستقصائى، كريستوفر درو من صحيفة نيويورك تايمز: "أبلغ من العمر 79 عاماً فى يونيو.. كان هذا هو الوقت المثالى لرواية قصتى"، وتجدر الإشارة هنا إلى عشق بالارد للمحيطات بدأ فى سن مبكرة، وفور بلوغه من العمر 12 عاماً، قرر رغبته فى أن يكون مثل شخصية الكابتن نيمو، التى ابتكرها الفرنسى ومؤلف الخيال العلمى، جول فيرن.
ويقول المغامر الأمريكى: "كانت تلك هى اللحظة الحاسمة عندما قررت أننى لا أريد أن أكون عالماً للمحيطات فحسب، بل ضابطاً بحرياً"، وحصل "بالارد" على درجات علمية فى الكيمياء والجيولوجيا وماجستير فى الجيوفيزياء من جامعة هاواى، وبعد استدعائه للعمل العسكرى فى 1965، انتقل إلى البحرية الأمريكية وتم تعيينه فى مجموعة الغمر العميق فى معهد وودز هول لعلوم المحيطات، حيث ساعد فى تطوير غواصة "ألفين".
وقضى "بالارد" معظم وقته وهو يستكشف المحيطات باستخدام غواصة ألفين، حيث وصل إلى 2750 متراً لاستكشاف أعراف منتصف الأطلنطى، إضافة إلى الانضمام لرحلة استكشافية كشفت عن فتحات حرارية فى منطقة جزر جالاباجوس ريفت.
روبرت بالارد يروى ذكرياته مع رحلة اكتشاف حطام تيتانيك
وبعد رحلاته الاستكشافية خلال عمله العسكرى، أصبح بالارد جاهزاً لتولى المهمة الضخمة، التى تتمثل فى تحديد موقع سفينة الركاب البريطانية "تيتانيك"، التى غرقت شمال المحيط الأطلنطى، فى 15 أبريل 1912.
ورغم أن بالارد لم يكن متحمساً تجاه تيتانيك، إلا أنه كان مهتماً بالعثور على الحطام الذى شهد عدة محاولات فاشلة من قبل المستكشفين الآخرين، وبداية، حاول تحديد موقع السفينة فى أكتوبر 1977، باستخدام سفينة الإنقاذ "Seaprobe"، وهى مزودة بمعدات سونار وكاميرات مثبتة فى نهاية أنبوب الحفر.
ومع ذلك، اعترف "بالارد" بالهزيمة فى رحلة الاستكشاف عندما انكسر أنبوب الحفر، وبمجرد عودته من الرحلة، طور المغامر الأمريكى، روبوتات يمكنها التجول فى قاع المحيط لجمع الصور والمعلومات، وكانت هذه المرة الأولى التى يستخدم فيها هذا النوع من التكنولوجيا.
وبمجرد أن وثق "بالارد" تقنية الغطس الروبوتية، عرف أنه سيكون قادراً على العودة إلى الموقع ومسح قاع المحيط لعدة ساعات دون الحاجة إلى الدخول فى الغواصة، وكانت رحلة الاستكشافية للعثور على "تيتانيك" جزءاً من مهمة عسكرية أمريكية سرية لاستعادة غواصتين نوويتين محطمتين، هما، ثريشر، وسكوربيون، اللتان غرقتا فى قاع شمال المحيط الأطلنطى.
رحلة اكتشاف "تيتانيك" غطاء لمهمة سرية
وقبل الموافقة على المهمة، التى وقعها الرئيس الأمريكى الراحل رونالد ريجان، سأل "بالارد" عما إذا كان بإمكانه البحث عن تيتانيك بمجرد استكمال هذه المهمة السرية للغاية، وبينما لم يأخذ بالارد إذناً للبحث عن حطام السفينة، قيل له إنه يستطيع فعل ما يريده بمجرد عثوره على تلك الغواصات النووية.
وأوضح بالارد: "كان الأمر صعباً بالنسبة لى لأننى لم أستطع قول الحقيقة لسنوات عديدة كثيرة حول من دفع ثمن ذلك بالفعل"، وأضاف: "كنت أقوم بمهمة سرية للغاية فى ذروة الحرب الباردة، كنا نخوضها مع الاتحاد السوفيتى وكان (بحث تيتانيك) هذا بمثابة غطاء".
وفى 1 سبتمبر 1985، أدرك الفريق أنه عثر على حطام من السفينة الغارقة التى اصطدمت بجبل جليدى قبالة ساحل نيوفاوندلاند خلال رحلتها الأولى، وبينما احتفل "بالارد" بداية بهذا الاكتشاف، إلا أنه سرعان ما تأثر بالمأساة التى تسببت فى مقتل أكثر من 1500 شخص.
ولم تتوقف الاستكشافات البحرية الهامة للمغامر الأمريكي، فبعد تيتانيك، اكتشف "بالارد" بقايا زورق دورية جون إف كينيدى، فى الحرب العالمية الثانية، والبارجة الألمانية بسمارك، وعدد من السفن القديمة فى البحر الأسود، ويقول بالارد: "إذا قمت بجمعها حقاً، فربما وجدت حطام 100 سفينة، وهو أكثر من أى شخص آخر.. لكن الأمم المتحدة تقول إن أكثر من ثلاثة ملايين حطام سفينة يتواجد فى المحيط".
مهمة البحث عن أميليا والطائرة إلكترا
وفى عام 2019، قاد بالارد برحلة استكشافية فى مهمة لحل لغز اختفاء رائدة الطيران، أميليا إيرهارت، وملاحها فريد نونان، عام 1937، وأمضى الفريق أسبوعين فى البحث عن حطام طائرة "لوكهيد إليكترا" حول نیكومارورو، وهى جزيرة غير مأهولة تشكل جزءاً من دولة كيريباتى.
وبينما لم يتمكن الفريق من الكشف عن أى علامة تدل على الطائرة، يقول "بالارد" إنه لم يستسلم، مشيراً إلى أنه لم يجد "تيتانيك" فى محاولته الأولى، ويضيف: "أنا فى انتظار تقنيات أحدث، ويوماً أكثر إشراقاً، وبحراً أكثر هدوءاً.. قد لا أكون من يجد أميليا، ربما تستطيع ابنتى إميلى العثور عليها أو أى شخص آخر فى الجيل القادم".