وقعت في السنة الرابعة عشرة من الهجرة العديد من الأحداث كانت أبرزها حرب القادسية حيت انتصر المسلمون على واحدة من أشهر حضارات الشرق.
يقول كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير تحت عنوان "سنة أربع عشرة من الهجرة":
استهلت هذه السنة والخليفة عمر بن الخطاب يحث الناس ويحرضهم على جهاد أهل العراق، وذلك لما بلغه من قتل أبى عبيد يوم الجسر، وانتظام شمل الفرس، واجتماع أمرهم على يزدجر الذى أقاموه من بيت الملك، ونقض أهل الذمة بالعراق عهودهم، ونبذهم المواثيق التى كانت عليهم، وآذوا المسلمين وأخرجوا العمال من بين أظهرهم.
وقد كتب عمر إلى من هنالك من الجيش أن يتبرزوا من بين أظهرهم إلى أطراف البلاد.
وقال ابن جرير رحمه الله: وركب عمر رضى الله عنه فى أول يوم من المحرم هذه السنة فى الجيوش من المدينة فنزل على ماء يقال له: صرار، فعسكر به عازما على غزو العراق بنفسه، واستخلف على المدينة على بن أبى طالب، واستصحب عثمان بن عفان وسادات الصحابة.
ثم عقد مجلسا لاستشارة الصحابة فيما عزم القيام به، ونودى أن الصلاة جامعة، وقد أرسل إلى على فقدم من المدينة، ثم استشارهم فكلهم وافقوه على الذهاب إلى العراق إلا عبد الرحمن بن عوف فإنه قال له: إنى أخشى إن كسرت أن تضعف المسلمون فى سائر أقطار الأرض، وإنى أرى أن تبعث رجلا وترجع أنت إلى المدينة، فارثا عمر والناس عند ذلك واستصوبوا رأى ابن عوف.
فقال عمر: فمن ترى أن نبعث إلى العراق، فقال: قد وجدته.
قال: من هو؟
قال: الأسد فى براثنه سعد بن مالك الزهري.
فاستجاد قوله، وأرسل إلى سعد فأمره على العراق وأوصاه فقال:
يا سعد بن وهيب لا يغرنك من الله أن قيل خال رسول الله ﷺ وصاحبه، فإن الله لا يمحو السىء بالسىء، ولكن يمحو السىء بالحسن، وإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا بطاعته، فالناس شريفهم ووضيعهم فى ذات الله سواء، الله ربهم، وهم عباده، يتفاضلون بالعافية ويدركون ما عند الله بالطاعة، فانظر الأمر الذى رأيت رسول الله ﷺ منذ بعث إلى أن فارقنا عليه فالزمه، فإنه أمر.
هذه عظتى إياك إن تركتها ورغبت عنها حبط عملك وكنت من الخاسرين.
ولما أراد فراقه قال له: إنك ستقدم على أمر شديد، فالصبر الصبر على ما أصابك ونابك، تجمع لك خشية الله، واعلم أن خشية الله تجتمع فى أمرين: فى طاعته، واجتناب معصيته، وإنما طاعة من أطاعه ببغض الدنيا وحب الآخرة، وإنما عصيان من عصاه بحب الدنيا وبغض الآخرة.
وللقلوب حقائق ينشئها الله إنشاء، منها: للسر، ومنها: العلانية، فأما العلانية: فأن يكون حامده وذامه فى الحق سواء، وأما السر: فيعرف بظهور الحكمة من قلبه على لسانه، وبمحبة الناس.
ومن محبة الناس فلا تزهد فى التحبب فإن النبيين قد سألوا محبتهم، وإن الله إذا أحب عبدا حببه، وإذا أبغض عبدا بغضه، فاعتبر منزلتك عند الله بمنزلتك عند الناس.