مسجد العمرى من أشهر مساجد مدينة قوص وأقدمها، وهذه التسمية لا تعنى بالضرورة أن منشأة هو عمرو بن العاص، ولكنها تعنى أنه أقدم مسجد في المدينة نسبة إلى أن الجامع العمرى بالفسطاط هو أقدم مساجد مصر، ويرجع تاريخ هذا المسجد إلى العصر الفاطمى، وقد تغير كثير من عقوده الداخلية في إيوان القبلة في العمارة التي قام بها محمد بك قهوجى سنة 1233هـ.
ويوجد في هذا الجامع منبر على جانب كبير من الأهمية، إذ أنه يعتبر من أقدم منابر مصر المؤرخة فقد أنشئ سنة 550 هـ، وهو من الخشب الساج الهندى المحفور حفرًا بارزًا والمزخرف كذلك بالحشوات المجمعة التي بدأت تظهر في أواخر العصر الفاطمى في القرن السادس الهجرى.
وقد سجل تاريخ المنبر على لوحة تذكارية فوق باب المنبر وهو مكتوبة بالخط الكوفى المزهر وتحتوى على سبعة سطور، نصها : الأول : بسم الله الرحمن الرحيم أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة أمر بعمل، الثانى : هذا المنبر المبارك الشريف مولانا وسيدنا الإمام الفائز بنصر الله أمير، الثالث: المؤمنين صوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين وأبنائه المنتظرين، الرابع : على يد فتاه وخليله السيد الأجل الملك الصالح ناصر الأئمة، الخامس: كاشف الغمة أمير الجيوش سيف الإسلام غياث الأنام كافل قضاة، السادس: المسلمين وهادى دعاة المؤمنين عضد الله به الدين، السابع : بقائه أمير المؤمنين وأدام قدرته وأعلا كلمة في سنة خمسين وخمسمائة.
وفى منتصف البائكة الثالثة في إيوان القبلة يوجد محراب يرجع تاريخه إلى العصر المملوكى، زخارت واجهته بزخارف جصية قوامها عناصر نباتية وهندسية بديعة التكوين، وتشبة زخارف هذا المحراب زاوية زين الدين يوسف بالقاهرة وكذا المحراب المملوكى في جامع عمرو بن العاص، ويحيط بالمحراب كتابة بالخط الثلث المملوكى نصها : "إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولك يخشى إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين"، وحول طاقية المحراب قوله تعالى "قد نرى تقلب وجهك في السماء".
وفى النهاية البحرية للبائكة الرابعة والخامسة من إيوان القبلة توجد مقصورة من الخشب الخرط على جانب عظيم من الأهمية، فالجانب الشرقى من المقصورة باق على صورته الأولى، ويتكون من حشوات بها زخارف محفورة حفرًا عميقًا وكذا الجانب الغربى، وكذا باب المقصورة مكون من حشوات سداسية الشكل يحيط بها من أعلى وأسفل أشرطة من خشب الخرط الذى انتشر استعماله في العصر المملوكى.
وداخل هذه المقصورة يوجد كرسى مصحف مصنوع من الخشب المصنوع بطريق الحشوات المجمعة والمطعم بالعاج والصدف، ويحيط بالكرسى شريط من الكتابة بالخط النسخ المملوكى وتتكون الكتابة من آية الكرسى والنص الآتى: امر بإنشاء هذه المصحف المبارك المقر الكريم العالى المولى الميرى الأجلى عز الدين خليل المالكى الناصرى أعز الله أنصاره بمحمد وآله"، ومن المرجح أن يكون منشئ الكرسى والمقصورة هو منشئ المحراب المملوكى بالبائكة الثالثة بإيوان القبلة أي أنها جميعها ترجع إلى أوائل القرن الثامن الهجرى.
ويوجد امام المحراب المملوكى عمود من الرخام تعلو تاجه "طبلية" خشبية عليها نصان من الكتاب الكوفية، نقلت إلى متحف الفن الإسلامي بالقاهرة، ومن الجزاء الهامة بالمسجد كذلك القبة الموجودة في الركن الشمالى الشرقى للمسجد، وتقوم القبة على أربعة عقود يعلوها في الأركان صفا من المقرنصات، مما حول المربع إلى مثمن أقيمت فوقه القبة، اما من الخارج فالبة مضلعة، ويتخلل هذه الأضلاع فتحات، وقد أنشأ هذه القبة كما جدد بعض أجزاء المسجد مقلد بن على بن نصر في العصر الأيوبى سنة 568هـ، الذى أثبت أعماله هذه في لوح رخامى ثبته في نهاية الجدار الشرقى، نصه "بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وعلى آله نبيه الطيبين الطاهرين، امر بتجديد هذا الجامع المبارك العبد الفقير إلى رحمه الله تعالى مبارك بن كامل بن مقلد بن على بن نصر بن منفذ الناصرى الفخرى في شهور سنة ثمان وستين وخمسمائة".
كما يحتوى الجامع على لوح تذكارى آخر مثبت على باب الميضأة، قد نقش في رسطه شكل مشكاة، ثم كتب تحته اسم المقرئ الشيخ الصالح جمال الدين محمد الناجى، وتاريخ وفاته سنة 717هـ.
ومن الإصلاحات التي أجريت لهذه المسجد تلك العمارة التي قام بها المير محمد كاشق سنة 1233هـ، وقد أثبت المير عمارئه للمسجد في ثلاثة مواضع، أحدها في صحن الجامع والثانى على باب الميضأة أما الثالث فقد ثبت على المدخل الرئيسى للمسجد، ويعتبر مسجد قوص أكثر مساجد الجمهورية احتواء على اللوحات التذكارية التي تثبت كل إضافة أو إصلاح أو ترميم.
أما عن المدينة التي بها المسجد قوص فهى كلمة قبطية معناها الدفن، وسميت كذلك لتخصص أناس من أهلها في دفن ملوك الفراعنة بعد تحنيطهم، وقوص مدينة هامة في محافظة قنا كان لها في العصور الوسطى شأن عظيم ليس في المحافظة فحسب بل في الصعيد كله، إذ كامت قوص عاصمة الإقليم منذ العصر الفاطمى حتى القرن التاسع عشر، ويقول عنها ابن جبير أنها مدينة حافلة بالأسواق متسعة المرافق كثيرة الخلق لكثرة الصادر والوارد من الحجاج والتجار اليمنيين والهنود والحبشة، لنها محط للرحال ومجتمع الرجال وملتقى الحجاج المغاربة والقاهريين، ويقول ابن الكندى : كان يوجد بقوص سائر أصناف التمر والحطب الكارمى الذى لا رماد له والفحم الباقى والكروم ومعادن الذهب والأحجار الكريمة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة