لا صوت يعلو هذه الأيام على "البيدوفيليا" أو ما يعرف باضطّراب الرغبة الجنسية تجاه الأطفال، ويُطلق عليه أيضًا اسم اضطراب الغلمانية، والشهوة والانجذاب جنسيا نحو الأطفال، واضطراب عشق الأطفال، حيث يُعتبر الاضطراب خللًا جنسيًا حيث يميل الشخص البالغ جنسيًا نحو الأطفال، وتعتمد شهوته الجنسية على تخيل ممارسة سلوكيات جنسيّة مع الأطفال، يُعرَف الاضطراب على أنّه توجه جنسي تجاه الأطفال دون سن البلوغ، عادةً "13" عامًا، أو من هم أصغر، وقد يُترجم هذا التوجه إلى تحرش أو اعتداء جنسيَ.
وفى الحقيقة عادة، يكون المصابون بهذا الاضطراب من الرجال، وينجذبون جنسيا للأطفال – من أحد أو كلا الجنسين- وتختلف سمات تعلّقهم بالبالغين من الجنس الآخر، ولكي تُشخَّص الحالة، يجب على الفرد إما أن يتصرف على أساس دوافعه الجنسية تجاه الأطفال، أو أن يشعر بضغطٍ نفسيّ كبير نتيجة تخيلاته، ومرتكبي فعل الاعتداءِ على الأطفال لا يُعتبرون مصابين بالاضطّراب فعليًا إلّا في حال انحصرت توجهاتهم ورغبتهم الجنسيَّة تجاه الأطفال دون سن البلوغ.
هل يعفى المصاب بالبيدوفيليا من المسئولية الجنائية؟
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على إشكالية في غاية الأهمية تعددت الجرائم بسببها تتمثل في البيدوفيليا والتعنيف المنزلي وجرائم الاستغلال، وأخطار تهدد حياة الأطفال، وذلك في الوقت الذي غالبًا يكون المعتدون من الأقارب أو أصدقاء العائلة، وتتنوع الاعتداءات الجنسيَة المرتكبة، فقد تكون مجرد النظر للطفل أو لمسه بطريقة جنسيّة، وتفيد الدراسات أن الأطفال المُهملون، والوحيدون ضمن نطاق الأسرة، هم الأكثر عٌرضةً للمضايقات، والاعتداءات الجنسية – بحسب الخبير القانوني والمحامي المتخصص في الشأن الأسرى محمد ميزار.
في البداية - وقبل الخوض في هذا الملف الشائك شديد التعقيد والحساسية لما له من تداعيات خطيره تمس أطفالنا ينبغي الوقوف علي تعريف البيدوفيليا ومن خلال عدة تعريفات لها يمكن تصنيفها علي أنها اضطّراب الرغبة الجنسيَّة تجاه الأطفال، أو البيدوفيليا "بالإنجليزية: Pedophilia"، يُطلق عليه أيضًا اسم اضطراب الغلمانية، والشهوة والانجذاب جنسيًا نحو الأطفال، واضطّراب عشق الأطفال، ومع تزايد وتصاعد جرائم الاعتداء علي الأطفال عالميًا وهو الأمر الذي دعا الحكومات والدول وكافة المنظمات المعنية بحقوق الطفل لمواجهة مثل هذه الأخطار، وسيظل الاهتمام بالتشريعات المتعلقة بجرائم الاعتداء علي النفس هي الشغل الشاغل للمجتمعات والمشرع لما لها من خطورة بالغة بالمساس بجسم الإنسان وحريته وحرمة الاعتداء علي جسده – وفقا لـ"ميزار".
جريمة اضطراب الغلمانية أو اشتهاء الأطفال وعشقهم
وتتصدر القضايا المتعلقة بالاعتداء على الأطفال قمة القضايا الأكثر بشاعة وأكثرها تحريكا لمشاعر المجتمع مع المجني عليه وقمة الغضب والاستياء والسخط على الجاني، وذلك يعود لعدة اعتبارات أهمها ضعف الأطفال وعدم قدرتهم في الدفاع عن أنفسهم وعدم إدراكهم لطبيعة التصرفات التي يرتكبها الجاني بحقهم، وبما أننا بصدد الحديث عن البيدوفيليا تلك الظاهرة الشائعة التي تهدد الأطفال أو ما يعرف بظاهرة أشتهاء الأطفال.
وعلى الرغم من تصنيف البيدوفيليا على أنها مرض نفسي إلا أن هذا لا يعني بالضرورة إعفاء الجاني من المسئولية أو اعتبار ذلك من موانع المسئولية أو العقاب على الجاني، وذلك لأن الجاني يقدم على أفعاله بوعي وادراك واختيار وتخطيط لفعله الاجرامي، وهذا لا يعني بالضرورة أن كل منحرف جنسي ينطبق عليه الاضطراب النفسي أو أن يكون مصاب بالبيدوفيليا، وقد يشمل الجرم المرتكب ضد الأطفال العديد من الأفعال والتي يصبغ عليها التكييف القانوني تحرش أو هتك العرض أو الاغتصاب وقد تصل أحياناً لجرائم التعذيب والخطف والقتل – الكلام لـ"ميزار".
عقوبات البيدوفيليا والتحرش
وتبعا لكل فعل من تلك الأفعال تتحدد عقوبة نص عليها القانون، فجرائم التحرش والعقوبات المقررة على كل من يرتكب هذه الجريمة، حيث تنص المادة 306 مكرر ( أ ) من قانون العقوبات: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وبغرامة لا تقل عن 3 آلاف جنيه ولا تزيد على 5 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من تعرض للغير فى مكان عام أو خاص أو مطروق بإتيان أمور أو إيحاءات أو تلميحات جنسية أو إباحية سواء بالإشارة أو بالقول أو بالفعل بأية وسيلة بما فى ذلك وسائل الاتصالات السلكية أو اللاسلكية".
وتكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تزيد على 10 آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين إذا تكرر الفعل من الجانى من خلال الملاحقة والتتبع للمجنى عليه، وفى حالة العودة تضاعف عقوبتا الحبس والغرامة فى حديهما الأدنى والأقصى.
-فيما نصت المادة 306 مكرر ( ب ) على : " يعد تحرشا جنسيا إذا ارتكبت الجريمة المنصوص عليها فى المادة 306 مكررا (أ) من هذا القانون بقصد حصول الجانى من المجنى عليه على منفعة ذات طبيعة جنسية، ويعاقب الجانى بالحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على عشرين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين".
-فإذا كان الجانى ممن نص عليهم فى الفقرة الثانية من المادة (267) من هذا القانون أو كانت له سلطة وظيفية أو أسرية أو دراسية على المجنى عليه أو مارس عليه أى ضغط تسمح له الظروف بممارسته عليه أو ارتكبت الجريمة من شخصين فأكثر أو كان أحدهم على الأقل يحمل سلاحا تكون العقوبة الحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين والغرامة التى لا تقل عن عشرين ألف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه.
-ونص القانون فى المادة 267 على أن من واقع أنثى بغير رضاها يُعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد.
-ويُعاقب الفاعل بالإعدام إذا كانت المجنى عليها لم يبلغ سنها ثمانى عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان الفاعل من أصول المجنى عليها أو من المتولين تربيتها أو ملاحظتها أو ممن لهم سلطة عليها أو كان خادماً بالأجر عندها أو عند من تقدم ذكرهم، أو تعدد الفاعلون للجريمة.
-وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة المذكورة لم يبلغ ثمانى عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان مرتكبها أو أحد مرتكبيها ممن نُص عليهم فى الفقرة الثانية من المادة (267) تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات، وإذا اجتمع هذان الظرفان معًا يُحكم بالسجن المؤبد".
-أما هتك العرض الذى يقع على الأقل من 18 عاما فتحدثت عنه المادة (269 ): "كل من هتك عرض صبى أو صبية لم يبلغ سن كل منهما ثمانى عشرة سنة ميلادية كاملة بغير قوة أو تهديد يُعاقب بالسجن، وإذا كان سنه لم يجاوز اثنتى عشرة سنة ميلادية كاملة أو كان من وقعت منه الجريمة ممن نُص عليهم فى الفقرة الثانية من المادة (267) تكون العقوبة السجن المشدد مدة لا تقل عن سبع سنوات".
وفيما يتعلق بجرائم التعنيف الأسري وجرائم متعلقة بالأطفال
-فقد نص قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 بإصدار قانون الطفل والمعدل بالقانون رقم 126 لسنة 2008 حيث نصت المادة (96) : يعد الطفل معرضاً للخطر ، إذا وجد في حالة تهدد سلامة التنشئة الواجب توافرها له، وذلك في أي من الأحوال الآتية :ـ
1-إذا تعرض أمنه أو أخلاقه أو صحته أو حياته للخطر .
2-إذا كانت ظروف تربيته في الأسرة أو المدرسة أو مؤسسات الرعاية أو غيرها من شأنها أن تعرضه للخطر أو كان معرضاً للإهمال أو للإساءة أو العنف أو الاستغلال أو التشرد .
3-إذا حُرم الطفل، بغير مسوغ ، من حقه و لو بصفة جزئية في حضانة أو رؤية أحد والديه أو من له الحق في ذلك .
4-إذا تخلى عنه الملتزم بالإنفاق عليه أو تعرض لفقد والديه أو أحدهما أو تخليهما أو متولي أمره عن المسئولية قبله .
5-إذا حُرم الطفل من التعليم الأساسى أو تعرض مستقبله التعليمي للخطر.
6-إذا تعرض داخل الأسرة أو المدرسة أو مؤسسات الرعاية أو غيرها للتحريض على العنف أو الأعمال المنافية للآداب أو الأعمال الإباحية أو الاستغلال التجاري أو التحرش أو الاستغلال الجنسي أو الاستعمال غير المشروع للكحوليات أو المواد المخدرة المؤثرة على الحالة العقلية.
7-إذا وجد متسولاً، و يعد من أعمال التسول عرض سلع أو خدمات تافهة أو القيام بألعاب بهلوانية و غير ذلك مما لا يصلح مورداً جدياً للعيش .
8-إذا مارس جمع أعقاب السجاير أو غيرها من الفضلات و المهملات .
9-إذا لم يكن له محل إقامة مستقر أو كان يبيت عادة في الطرقات أو في أماكن أخرى غير معدة للإقامة أو المبيت .
10-إذا خالط المنحرفين أو المشتبه فيهم أو الذين أشتهر عنهم سوء السيرة .
11-إذا كان سيئ السلوك و مارقاً من سلطة أبيه أو وليه أو وصيه أو متولي أمره ، أو من سلطة أمه في حالة وفاة وليه أو غيابه أو عدم أهليته .
و لا يجوز في هذه الحالة اتخاذ أي إجراء قبل الطفل، و لو كان من إجراءات الاستدلال، إلا بناء على شكوى من أبيه أو وليه أو وصيه أو أمه أو متولي أمره بحسب الأحوال .
12-إذا لم يكن للطفل وسيلة مشروعة للتعيش و لا عائل مؤتمن .
13-إذا كان مصاباً بمرض بدني أو عقلي أو نفسي أو ضعف عقلي و ذلك على نحو يؤثر في قدرته على الإدراك أو الاختيار بحيث يُخشى من هذا المرض أو الضعف على سلامته أو سلامة الغير .
14- إذا كان الطفل دون سن السابعة و صدرت منه واقعة تشكل جناية أو جنحة .
-وفيما عدا الحالات المنصوص عليه في البندين (3) و(4) ، يعاقب كل من عرض طفلاً لإحدى حالات الخطر بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر و بغرامة لا تقل عن ألفى جنيه و لا تجاوز خمسة آلاف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين .
أما فيما يتعلق بجرائم الأستغلال
فقد أضيفت مادة برقم 291 لقانون الطفل نصها كالاتي:
-يحظر كل مساس بحق الطفل في الحماية من الاتجار به أو الاستغلال الجنسي أو التجاري أو الاقتصادي أو استخدامه في الأبحاث والتجارب العلمية، ويكون للطفل الحق في توعيته وتمكينه من مجابهة هذه المخاطر.
-ومع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها في قانون آخر، يعاقب بالسجن المشدد مدة لا تقل عن خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائتى ألف جنيه كل من باع طفلاً أو اشتراه أو عرضه للبيع، وكذلك من سلمه أو تسلمه أو نقله باعتباره رقيقاً، أو تحرش به أو استغله جنسياً أو تجارياً، أو استخدمه في العمل القسرى، أو في غير ذلك من الأغراض غير المشروعة، ولو وقعت الجريمة في الخارج.
-ويعاقب بذات العقوبة من سهل فعلاً من الأفعال المذكورة في الفقرة السابقة أو حرض عليه ولو لم تقع الجريمة بناء على ذلك.
-ومع عدم الإخلال بأحكام المادة 116 مكرراً من قانون الطفل، تضاعف العقوبة إذا ارتكبت من قبل جماعة إجرامية منظمة عبر الحدود الوطنية.
وبالرغم من كثرة التشريعات التي نصت علي عقوبات لمثل تلك الجرائم الا أن المجتمع يري مع كل جريمة جنسية ضد الأطفال تتصدر المشهد وتصبح حديث الرأي العام أن العقوبات المقررة قاصره عن حد الكفاية ولا تحقق الردع العام، مما استدعي العديد من نواب البرلمان في الفترة الأخيرة إلى التقدم بمشاريع قوانين لتشمل جرائم جديدة ومنها التنمر والاستغلال الجنسي والتجاري للأطفال وتغليظ العقوبات المقررة للجرائم التي ترتكب بحق الأطفال، فضلاً عن توجهات الأعلام ومنظمات المجتمع المدني ودور الأسرة في مواجهة مثل تلك الجرائم.