تشققت أيديهم فى مهنة تعبر عن تاريخ مصر ورثها المصريون عن أجدادهم الفراعنة، تمسكوا بها رغم مشقتها وأتقنوها حرفة من العمل اليدوى المتقن، وإنهم صناع الفخار فى قرية المشهدى التابعة لمركز الزقازيق بمحافظة الشرقية، التى تعد فخر صناعة الفخار الأسمر، وتضم أقدم صانعى الفخار بمصر والذين توارثوا المهنة عن أجدادهم يورثونها لأبنائهم حفاظا على مهنتهم من الضياع.
داخل مكان قديم من الطوب اللبن تطل منه عبق الحضارة، تشعر فيه بروعة الصناعة المصرية، تفتخر بكونك مصريا، حيث تعتبر قرية المشهدى، فخر صناعة الفخار فى مصر، وإنتاج هذه المنتجات اليدوية لم يكن بالسهولة المتصورة بل ورائها قصص كفاح عمال "الفواخير" الذين يحولون الطين إلى إبداعات فنية عالمية تقاوم الاندثار.
ويروى "زكريا عبد العزيز محمد"، 57 عاما قصة حرفته اليدوية، قائلا: "صناعة الفخار من أقدم الصناعات اليدوية على وجه الأرض ويعود تاريخها إلى العصر الفرعونى، وتعتمد فى الأساس على الإبداع والحساسية الفنية للصانع الذى يمكث ساعات متواصلة لإنتاج أشكال فنية مختلفة، وتعلم المهنة من والده منذ كان عمره 7 سنوات، وفى سن العاشرة تعلم كافة أسرار المهنة، حتى أتقن المهنة التى ورثها عن جدوده وعلمها لأبنائه.
وتابع " أحمد محمود بكير"، 65 عاما صانع فخار، يعمل بالصناعة فى بداية العاشر من عمره، وعندما احترف المهنة سافر إلى العديد من الدول العربية للعمل فى الفخار وكان شغله يصدر للدول الأوروبية، لكن حاليا لم يتمكن من القيام بمهام المهنة مثل زمان، بحكم التقدم بالسن لأنها مهنة تتطلب مجهود كبير.
فيما لا يزال العم "محمد عبد الرحمن" 69 عاما، يعمل فى صناعة الفخار منذ 60 عاما تعلمها من عائلته، وأن الفخار هو أفضل شيء للطهى وشرب المياه لأنه صحى ونقى ومصنوع من الطين، والمياه التى تودع بالفخار تكون أنقى من الفلتر، ويرى أن صناعة الفخار فن يجب الحفاظ عليه.
فيما يفتخر "عبد العظيم لطفى محمد" 50 عاما، معلم خبير علوم بمدرسة المشهدى، بمهنة أجداده، وتعلمها منذ الطفولة، وأنه حريص على أهمية تطوير الفخار وذلك للحفاظ على التراث المصرى الأصيل ومقاومة الاندثار، فالفخار بالنسبة له ليس أكل عيش وبس لكنه يعبر عن حضارة الأجداد التى تقاوم الزمن.
وعن المراحل التى يمر بها الفخار، قال العم "زكريا "، إن المرحلة الأولى هى تحضير "التراب" لازم يكون تراب أصفر، والمرحلة الثانية هى تصفية التراب من الشوائب العالقة به عن طريق تخميره فى أحواض تسمى ( مبلة ) وخلطه بالماء ومزجه بالماء جيدا، ثم تصفيته بغربال مخصص لذلك ويتم تصفيته فى حوض واسع قليلا يسمى "المصطاح"، ويترك أيام على حسب طبيعة الجو لتجفيف الماء منه ويصبح صلبا بعض الشيء حتى نستطيع حمله ووضعه داخل الفاخورة ليكون فى الظل، والمرحلة الثالثة وتسمى مرحلة "اللف"، وهى عبارة عن تليين الطين ودخوله فى بعضه عن طريق الضغط عليه بواسطة اليد لأن الطين يحتوى قطع طرية وأخرى جامدة ويتم مزجهم فى بعض ليكون كتلة واحدة متجانسة، ويتم عمل الطين على هيئة اسطوانات طويلة تسمى "عمدان" لتبدأ المرحلة الأهم وهى مرحلة العمل والتشكيل، ويتم عمل أشكال متعددة منه مثل " القلة الأبريق، وقصرية الزرع، وقادوس الارانب والحمام".
وتابع زكريا، مرحلة تقطيع القلة ويتم فيها عمل كعب القلة التى يوجد أسفلها وتترك فترة لا تقل عن يوم لتأتى المرحلة الثانية، وهى مرحلة الفتح وهى عمل جسم القلة الكبير الذى يملأ بالماء فيه وتترك فترة بالداخل لا تقل عن يوم وممكن توضع فى الشمس قليلا ليتم الدخول فى مرحلة ثالثة وهى تركيب رأس القلة وعمل ليها الرسومات، كما توجد القلة المشربية بتزيد مرحلة عمل ودان لها، وبعد فترة يتم تخريف القلة بسيخ حديد صغير وتترك لتجف تترك القلة أو القطعة بالداخل لمدة أيام حتى تجف نهائى من كل نقطة ماء.
واستكمل زكريا، ثم توضع فى الفرن ويسمى" قمينة" ويتم تحميصها يوم أو يومين بنار هادئة جدا جدا لكى يتم تبخير أى ماء بها ليتم بعد ذلك مرحلة الحريق، تتم تدريجيا لكى لا ينكسر الفخار تبدأ من درجة بسيطة حتى 900 درجة مئوية ويتم معرفة درجة الحرارة بالممارسة من خلال لون طوب الفرن أو لون الفخار.
وأردف العم " زكريا"، بعد التأكد من الحريق الجيد يتم طرق الفرن أيام ليبرد ويستخرج الفخار الحجر بكل المراحل الأولى لحد تجهيز وتلين الطين، ثم يتم عمل الحجر على مرحلة واحدة تقطيع وفتح ويتم نقله على ألواح خشب ويجفف فى الشمس ويترك ليجف ثم يوضع فى الفرن كما الفخار ونسبة المخاطر فيه قليلة جدا عن الفخار لصغر حجمه، وهذه المراحل دى بالنسبة للشغل الأحمر، أمام الشغل الأسمر يزيد مرحلة وهى قمر الشغل ويتم بطريقة فنية لا يعرفها سوى أرباب المهنة وهو سر من أسرارها، حيث تعد القرية هى القرية الوحيدة التى تنتج الفخار الأسمر على مستوى الجمهورية.