جسد شخصية صلاح الدين فى السينما المصرية والعالمية العديد من النجوم، لعل من أشهرهم الفنان المصرى الكبير أحمد مظهر، الذى جسده فى فيلمه الشهير "الناصر صلاح الدين" إنتاج عام 1963، وإخراج المخرج العالمى يوسف شاهين، حيث جسده حين كان يبلغ من العمر 46 عاما حينها، صلاح الدين الإيوبى ويعتبر هذا الفيلم أول عمل سينمائي يركز بشكل أساسي على شخصية صلاح الدين، كما أظهره في شكل طبيعي وليس أسطورى، يمرض ويعانى ويحزن لفقد الأحبة ويبكي من فرط الشعور بالضعف، إلا أنه أيضا تمسك بالشكل البطولي للرجل، حيث أظهره فارسا قادرا على امتطاء جواده وخوض غمار الحرب والقتال.
وتمر اليوم الذكرى الـ19 على رحيل الفنان الكبير أحمد مظهر، إذ غاب عن عالمنا فى 8 مايو عام 2002، عن عمرٍ ناهز الـ 84 عاما على إثر التهاب رئوي حاد للغاية، وقد شيعت جنازته بشكل مهيب من مسجد عمر مكرم بميدان التحرير، ودفن بمقابر باب الوزير قرب قلعة صلاح الدين الأيوبي.
وكانت شخصية القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي، واحدة من الشخصيات التي اهتمت بها السينما منذ بداياتها الأولى في مطلع القرن الماضي، حيث ظهر في العديد من الأفلام الغربية قبل أن يصل إلى السينما العربية، بحكم ارتباط تاريخه مع الحروب الصليبية وبالأخص مع الملك ريتشارد قلب الأسد، حتى باتت واحدة من أكثر الشخصيات التاريخية المسلمة التي تم تجسيدها في الأعمال السينمائية العالمية، لكن هل حقا استطاعت السينما أن تصل من مواصفات شكل القائد المسلم الحقيقية؟
فى البداية أن نشير إلى صعوبة التوصل إلى الشبه الحقيقى للقائد المسلم، وقائد معركة "حطين" الذى انتصر فيه على الحملة الصليبية بقيادة ملك الإنجليز ريتشارد قلب الأسد، حيث أن العديد من مؤرخى هذا العصر لم يتناولوا جزئية المواصفات الشكلية للقائد العظيم، فالقاضي بها الدين ابن شداد لم يتناول هذه الجزئية في كتابه الشهير "النوادر السلطانية والمحاسن اليوسفية" بينما أقصى ما أورده هو الحديث عن أمراض السلطان في سنواته الأخيرة، كما تجاهل ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ" هذه المسألة أيضا واهتم أكثر بنقد قرارات صلاح الدين، نفس الأمر في مؤلفات ابن مماتي ورسائل القاضي الفاضل، حتى المقريزي في كتابه "السلوك" وابن تغري بردي في "النجوم الزاهرة" لم يذكرا شيئا عن الهيئة التي كان عليها صلاح الدين في حياته.
واستناذا إلى دراسة دراسة بحثية للكاتب والباحث عبد المجيد عبد العزيز، نشرت بعنوان "الشكل الحقيقي لـ صلاح الدين" في النهاية يمكننا أن نستنتج حجم الاختلاف الكبير بين الصورة التي ظهر عليها صلاح الدين الأيوبي في السينما، والتي كانت سببا مباشرا في رسم صورة استثنائية له بالمخيلة الجمعية، وبين الواقع الذي يكشفه لنا التاريخ عن هذا الرجل، خاصة فى سنواته الأخيرة.
فلم تجسد أغلب هذه الأعمال السينمائية صلاح الدين في سنه الحقيقية، خاصة فى سنواته الأخيرة التى شهدت أهم إنجازاته، حيث كان قد تجاوز الخمسين، وتعرض لعدة وعكات صحية بعضها كان مميتا، وفي بعض الأحداث الهامة من تاريخه عانى لدرجة أنه كان غير قادر على الجلوس أو امتطاء الفرس.
ويوضح "عبد العزيز" أضف إلى ذلك كثرة أسفاره وهو في هذه الحالة وهذه السن التي زادت من معاناته الجسدية وأثرت على صورته، بخلاف تعرضه لأكثر من محاولة اغتيال على أيدي عناصر فرقة الحشاشين، بحسب ما يكشف برنارد لويس في كتابه «الحشاشون»، ما جعله دائم القلق، ولا ينعم بنوم عميق، وفي وسط كل ذلك، عانى من عرج بإحدى قدميه، ربما لم يؤثر على حركته بشكل واضح إلا أنه ترك في نفسه شيئا ما من الإحساس بالإعاقة.
لقد كان صلاح الدين شخصا أسطوريا له سمات كاريزمية أثارت إعجاب كل المحيطين به، ولكنه كان شخصا مرهقا مريضا، كان صلاح الدين بطلا قاد الجيوش وحقق انتصارات تاريخية لم تتكرر، ولكنه عانى من الإعاقة والقلق الدائم من الاغتيال، هذا ما لم نره أبدا على شاشة السينما، وربما لن نره، فكثيرا ما تكون الحقيقة صعبة القبول.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة