التاريخ ملىء بالروايات المختلفة، فهناك شخصيات عظيمة تاريخ وسيرة، لكن على الجانب الآخر يظهر مؤرخون يكيلون الاتهامات لهذه الشخصيات ويصفونها بصفات لا يصدقها العامة الذين اعتدوا على تبجيلها، ويبدو من بين هؤلاء الحاكم المملوكى على بك الكبير.
كتب التاريخ اختلفت على شخصية على بك الكبير، فبينما وجدته بعضهم بطلا كون أن فساد الدولة العثمانية وولاتها فى مصر بشكل عام، حولوا على بك الكبير إلى بطل لمحاولته الاستقلال عن تلك الدولة، لكن بعضها برز الجانب الخفى لدى الأمير المملوكى وأطماعه الشخصية فى حكم بعيدا عن مصلحة المصريين.
وبحسب الباحث وسيم عفيفى، الأصل المملوكى فى حقيقة على بك الكبير منعدم، فهو من المماليك صفةً لا نسبًا وبالتالى محاولة مباركة حركته للاستقلال على أنها حق من حقوقه كون أن مصر مملوكية منذ أيام قطز وبيبرس وخلفاءهما، هى محاولة يائسة، لافتا إلى أنه لم يكن الهدف الرئيسى من حركة على بك الكبير هو الاستقلال المصرى عن الدولة العثمانية، هو فى الأساس كان يريد البقاء فى حكم مصر بأى شكل، نظرًا للصراعات الدموية حول السلطة، وبالتالى فإن فكرة الاستقلال عن الدولة العثمانية جاءت كتحصيل حاصل وليس كهدف حلم به يومًا.
شجع فساد تركيا وانهيار دولة بنى عثمان على أن يستقل على بك الكبير بمصر بتحالف مع روسيا التى هزمت الدولة العثمانية فى حربها، يضاف إلى ذلك أن ما كان يفعله ولاة الدولة العثمانية من مظالم فعلها على بك الكبير نفسه لدرجة أن الجبرتى حكم عليه بأنه صاحب فكرة سلب الأموال ونهب الدور على الطريقة المملوكية.
وواصل الباحث فى دراسته بعنوان "حقيقة على بك الكبير" يبقى شىء فى حقيقة على بك الكبير وهو أنه لم يرتكن إلى الشعب المظلوم من ولاة العثمانيين، وإنما قوى ظهره بالروس من خلال معاهدة التحالف التى أبرمها مع البارون كندراتى فون تونوس، وكان هذا هو الفرق بين محمد على باشا وعلى بك الكبير فى محاولة الاستقلال بحكم مصر عن العثمانيين.
بينما على الجانب المقابل يصف عدد من المؤرخين على بك الكبير بأنه كان شديد المراس عظيم الهمة، قوى الشكيمة لا يميل إلى الهزل ولا إلى المزاح، معتدا بنفسه يطالع كتب التاريخ، وأنه سلك فى بداية أمره مع خصومه سياسة عنيفة لا تعرف الرحمة والشفقة، لكنه بعد أن استتب له الأمر فى البلاد جعل من مصر بلدا آمنا ينعم بالرخاء والسلام.
فذكر الكاتب محمود السعدنى فى كتابه "مصر من تانى"، بأن على بك الكبير أول من من حاول بناء الدولة المصرية الحديثة، حيث شرع فى اتخاذ إجراءات اجتماعية حاسمة، فأمم الأرض الزراعية، وصادر الثروات التى تراكمت نتيجة احتكار السلع والاتجار فى السوق السوداء، وأسس جيشا وطنيا، وأقام أول مصانع للسلاح، وشهدت مصر فى عهده حالة من الاستقرار والرخاء دفعته إلى التفكير فى غزو تركيا نفسها وهدم الخلافة العثمانية.
فيما ذكرت الدكتورة نادية محمود مصطفى فى كتابها "العصر العثمانى من القوة والهيمنة إلى بداية المسألة الشرقية" بأن على بك الكبير، قام بتأمين طريق التجارة فى البحر الأحمر لتصبح جدة مركزا وسطا للتجارة بين الهند وبين أوروبا، وكان إعادة فتح هذا الطريق يمكن أن تحقق هدفا أساسيا لعلى بك الكبير وهو دعم قدرة مصر الاقتصادية والمالية فى مواجهة الدولة العثمانية بعد أن تدهورت نتيجة خروج مصر من مجال التجارة العالمية بسبب فصل الشام (فى ظل الحكم العثمانى) كوحدة تجارية وادارية عن مصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة