شهدت الدراما الرمضانية موسمًا استثنائيًا بوجود 3 أعمال درامية تناقش قضايا الإرهاب والتطرف واختراق الإخوان لمنظمات المجتمع المدنى، واستخدامها فى إسقاط الدولة المصرية خلال أحداث يناير 2011.
وفى دراسة أعدها المركز المصرى للفكر والدراسات إننا بصدد موجة جديدة من موجات تجديد الفن المصرى المرتبط بمعركة الوعى فى ظل الهجمات الدرامية الحاصلة من دول أخرى تحاول فرض مشاريعها السياسية باستخدام الدراما، وهى موجة تعتمد على الدراسة العميقة لخطاب الجماعات المتشددة والمتطرفة دينيًا، وربما هى المرة الأولى التى نرى فيها المجادلات الفقهية داخل غرف التحقيقات بين ضباط مكافحة التطرف الدينى بجهاز الأمن الوطنى والعناصر الإرهابية، وهو ما أدى إلى انهيار الصورة النمطية عن تلك التحقيقات، ويكشف زيف ما كانت تروجه عناصر جماعة الإخوان وغيرها من التنظيمات الإرهابية عن ما يجرى فيها.
وتابعت الدراسة أنه اقتربت دراما “الاختيار 2″ و”هجمة مرتدة” من الحياة الإنسانية لضباط جهازى الأمن الوطنى والمخابرات العامة، وألقت الضوء على حجم التضحيات الجسيمة التى تقدمها أسرهم بسبب انشغالهم الشديد فى العمل، بل والتضحية بفكرة الزواج نفسها لما فيها من مشقة على الطرفين، وهو اقتراب إنسانى نادر من جوانب الحياة المخفية لضباط الأمن المصريين.
وأوضحت الدراسة أنه رغم الهجوم الضارى من القنوات المعادية على تلك الأعمال بهدف تشويهها وصرف الناس عن متابعتها، كانت النتيجة التفاف الناس أكثر حول تلك الأعمال؛ لترى ما كان مخفيًا عنها منذ عام 2007 فى كواليس التآمر بين أجهزة استخبارات تحالفت مع تنظيمات إرهابية لإشعال المنطقة فى افتتاح حروب خطوط الغاز والمعارك على المياه، وهو ما تطلب هدم الدول وتمكين الإخوان من حكم تلك الدول ليصبحوا حكامًا بالوكالة عن القوى الراغبة فى السيطرة على ثروات مصر وباقى الدول من الغاز.
هجمة مرتدة
قدم مسلسل “هجمة مرتدة” المأخوذ عن قصة حقيقية لإحدى عمليات المخابرات العامة المصرية مجموعة من رسائل القوة؛ أهمها هى قدرات مصر العالية فى حروب المعرفة، وكيف تدير معارك المعلومات خارج مصر باحترافية شديدة مستمدة من تاريخ ورصيد طويل من العمليات القوية والناجحة جسدتها شخصية “الكومندان فاروق السوهاجي” أو “الشبح” وقام بدوره الممثل القدير أحمد فؤاد سليم، والذى خرج من الخدمة وعاد مرة أخرى لتدريب عنصرين من عناصر المخابرات المكلفين بمهام خارج مصر، وإلى أى مدى كان مهتمًا بالتفاصيل الدقيقة فى التدريب والقوة فى الانضباط والالتزام بالعمل، وكيف يقدم مصلحة المهمة والوطن على حياته الشخصية.
هذا الربط بين القديم والحديث فى علم الاستخبارات يقودنا إلى أن نجاح عمل المخابرات المصرية هو استكمال لمسيرة طويلة من عمل الجهاز على الملفات الخارجية، وقدرته على التكيف مع كافة التحديات دون أن تغفل عينه عن أهدافه الرئيسة، ومن بينها القضية الفلسطينية، وظهور شخصية “عمار” العميل الفلسطينى المتعاون مع المخابرات المصرية، وهى إشارة درامية بالغه الدلالة على تمسك المخابرات المصرية بدعم القضية الفلسطينية رغم كل ما شاب تلك العلاقة القديمة والوطيدة بين مصر وفلسطين من توترات، إلا أن مصر تؤكد أنها تعلم جيدًا من هو الصديق ومن هو العدو مهما تشوشت الصورة.
الملمح الأهم فى هجمة مرتدة أنه كسر الصورة النمطية للعاملين فى الجهاز، واقترب من عمل السيدات فى الجهاز، والاعتماد عليهن فى عمليات كبيرة وأدوار معقدة، وربما هى المرة الأولى التى تظهر فيها ضابطات الجهاز فى الدراما المصرية، وأنهن يقمن بأدوار لا تقل عن الضباط الرجال، وإلى أى مدى تشارك المرأة المصرية فى مهام الدفاع عن بلدها وفى قلب أكثر الأجهزة الأمنية حساسية وخطورة.
فى حروب المعلومات، الأقوى هو من يكشف تحركات خصمه أولا، لكن الصعوبة تكمن فى تحذير الرأى العام من استخدام الخصم لعناصر وأدوات تعيش بيننا لأن الجهاز لن يضحى بكشف عملياته، وهو ما يفرض عليك احتمال النتائج الصعبة، وهو ما حدث فى 25 يناير؛ كانت الدولة ترى وتوثق عملية هدمها ومع ذلك تعمل على احتواء الهجوم والخروج منه بأقل الخسائر ثم القيام بالهجمة المرتدة لتحقيق الفوز دون أن يتمكن الخصم من وقفه.
قدم مسلسل هجمة مرتدة رسالة ردع واضحة لكل من يتآمر على الدولة المصرية، وأنها تملك جهازًا استخباراتيًا بالغ القوة والاحترافية والصرامة فى اتباع التعليمات، وأنه قادر على تحقيق المكسب فى أشد لحظات الهجوم خطورة بفضل تضحيات أفراده والتى تجلت فى كلمه “الكومندان السوهاجي” “احنا هنفضل نخدم البلد دى لغاية ما نموت “.
الاختيار 2
فى “الاختيار 2” يتابع الملايين بطولات رجال الظل من ضباط جهاز الأمن الوطنى وتضحيات رجال العمليات الخاصة فى وزارة الداخلية، وبدأ سرد الحكايات من نقطة المعركة المشتركة لقوات الجيش والشرطة عقب نجاح ثورة 30 يونيو وهى اللقطات التى أدارها المخرج “بيتر ميمي” باحترافية شديدة بدمج مشاهد من الجزء الأول لقصة الشهيد البطل “أحمد المنسي” مع زملائه من قوات الجيش مع قوات العمليات الخاصة من الشرطة المدنية فى العريش لوقف هجوم العناصر الإرهابية الانتقامى وهى إشارة لوحدة المعركة التى تواجهها مصر، وأن البطل فيها هو التنسيق الكامل بين كل أجهزة الدولة لردع تلك الهجمات المستمرة، وهى سردية تفضح سردية الجماعة التى تسعى لشق الصف والترويج للانقسام.
وتحولت الدراما فى مشاهد فض اعتصام رابعة المسلح إلى مزج ما بين العمل الدرامى والوثائقى، وقدم المسلسل القصة الحقيقة لفض الاعتصام بما تم على أرض الواقع فى حينها، وبما نقله الخصوم وأذاعته القنوات المعادية، لقد حاولت الدولة فض الاعتصام دون نقطة دم واحدة عبر فتح الممرات الآمنة أمام الموجودين فى الاعتصام للخروج، ولكن المجموعات القتالية الموجودة بداخله والمسلحة حولته لمعركة مع رجال الأمن بسقوط شهداء من قوات الفض خلال مطالبة المعتصمين بالخروج، ثم معركة “عمارة المنايفة” وما كشفته من تصميم قيادات الإخوان على تحويل فض الاعتصام إلى معركة دموية ثم هروبهم مع نجاح قوات الأمن وتركهم للمغيبين ليلاقوا مصيرهم.
منذ فض رابعة تحول “الاختيار 2” إلى عمل وثائقى متكامل تتخلله الدراما الإنسانية لأبطال العمل وتضحياتهم الأسرية، وهو ما ظهر فى سيرة الشهيد “محمد مبروك” بطل قضية التخابر الذى كشف عن علاقة الإخوان بأجهزة استخبارات أجنبية، وكان الشخص الوحيد الذى أمسك بطرف الخيط وفتح الطريق لكشف علاقتهم بأجهزة الاستخبارات الدولية متتبعا كل خطواتهم القذرة وموثقًا لكل أدلة الخيانة حتى فى أقسى لحظات الوطن عقب وصول أحد الخونة إلى كرسى الرئاسة.
وهنا يأتى التماس بين “الاختيار 2” وهجمة مرتدة، فما قدمه الشهيد مبروك هو نفس ما توصلت له المخابرات العامة دون أن تتمكن من روايته للناس لظروف عملياتها، وهو ما يستكمل قصة القاهرة كابول؛ فمن يحرك الإرهاب ويستخدم تيارات الاسلام واحد، وهو يوظفهم لهدم دولهم حتى يتمكن من السيطرة على ثرواتهم الغازية دون النظر إلى ما يمثله انهيار الدولة من تهديد لحقهم فى الحياة والأمن.
ويكشف مشهد تصفية الإرهابى “همام عطية” عن درجة احترافية قوات عناصر مكافحة الإرهاب بوزارة الداخلية فى اقتناص العنصر الخطر دون المساس بأسرته أو الإضرار بجيرانه، وهو ما ظهر أيضا خلال مداهمة ممول عملية اغتيال الشهيد “محمد مبروك” وأيضا القبض على الضابط الخائن “محمد عويس”.
وقدم المسلسل سردًا واقعيًا لقصة الضباط المنشقين، وكشف عن اختراق الفكر التكفيرى للمجتمع المصرى حتى وصل إلى الجزء الصلب منه ونجح فى استمالة ضعاف العقول بخطاب العقيدة الفاسدة وتكفير الحاكم والمجتمع ليتماس المسلسل مرة أخرى مع القاهرة كابول بمشهد إجبار الضباط المنشقين على قتل أسرى عُزّل داخل الكيان الإرهابى كدليل على طاعتهم لأمير الجماعة الإرهابية، وهو ما يمكن أن نطلق عليه توطين التوحش داخل تلك التنظيمات عبر تحريف معانى آيات القرآن والأحاديث النبوية، بينما فى القاهرة كابول قتل الأمير من عارضه وهو خال أولاده، ثم أقنع أولاده بأن ذلك كان لحماية الدين، وتأكيدًا لأهمية الولاء داخل الجماعة.
القاهرة – كابول
اقتربت دراما القاهرة كابول من أساس الفكر التكفيرى، وقدم المسلسل أنواعًا كثيرة من الجدل مع أفكار ومنطلقات الجماعات الإرهابية، إلا أنه توقف أمام فكرة الولاء، وهى نقطة محورية فى نقاش المسلسلات الثلاثة الدرامى، فطاعة أتباع الجماعة الإرهابية لقادتهم تحولت إلى دماء وانقسام وإرهاب يسعى للانتقام من الأبرياء وطاقة قتل رهيبة موجهة ضد الناس العادية، فمن يفجر لا يعبأ بحياة الناس.
حينما تشوشت أفكار الضباط المنشقين انتقلوا من الدفاع عن الوطن إلى تدميره بأمر من أمير جماعة إرهابية، وأصبح القتل مهنتهم بعدما كانوا يحملون شرف الدفاع عن أفراد الشعب، وهو ما يشير إلى مدى خطورة غسيل العقول واستخدام الدين.
وتحول الشاعر العاطفى إلى زعيم إرهابى يقطع رؤوس مخالفيه، ولا يتحرك لإنقاذ صديق عمره لمجرد الشك فيما قدمه فيلمه السينمائى لمجرد أنه تناول الإرهاب والإتجار بالدين من زاوية نقدية، واعترافه بالحصول على دعم وسلاح من دولة لمقاتله دول أخرى بالوكالة، وكيف حلل ذلك بأن الدولة الأولى من أهل الكتاب، فكان رد الضابط صديقه القديم وهل “الدولة الأخرى أهل كراسة”، وهو الحوار الجدلى الذى كشف زيف أفكار تلك الجماعات وأنهم مجموعة من المرتزقة الذين ينفذون أجندات من يرسل لهم السلاح والمال.
واختتمت الدراسة الحقيقة أن دراما 2021 من إنتاج المتحدة غيرت الشكل النمطى للأعمال الدرامية فى رمضان واستعادت ذاكرة الأعمال الدرامية المصرية الرمضانية الخالدة صاحبة الرسالة الفنية العابرة للأجيال وصاحبة المشاهدة الكثيفة فى كل الدول العربية من المحيط إلى الخليج، والتى ميزت حقبة الثمانينات مثل “دموع فى عيون وقحة ” و”رأفت الهجان ” و”ليالى الحلمية” وذلك عبر أعمال درامية تخللتها مباريات تمثيلية شديدة الإبداع بين نجوم أعادوا اكتشاف مواهبهم وإمكانيتهم فى أدوار قوية تروى القصص الخفية لاستخدام الخصوم والأجهزة المعادية لجماعات الإسلام السياسى فى تدمير الدول من الداخل لحساب معارك أكبر غير منظورة مثل حروب الغاز والمياه وغيرها لتظهر الدولة المصرية قوتها فى حرب العقول وترسل رسائل القوة لكل الأطراف عبر سلاح الردع الدرامي.