ظهرت الرقابة على الأعمال الفنية منذ زمن بعيد لأهداف كثيرة تختلف من فترة لأخرى، وكانت تتفاوت درجة التقييد بحسب هذه الفترات، وكثيرًا ما تم منع بعض الاعمال الفنية لأسباب سياسية أو اجتماعية أو دينية، حيث قد يرى الرقيب أن بها ما يخدش الحياء أو يتنافى مع قيم المجتمع أو يسيء إلى الأديان ويتعارض معها أو يعكر صفو الحاكم ويهدد بقائه وغيرها من أسباب.
ولكن هل تعرف عزيزى القارئ كيف ولماذا ظهرت الرقابة وأى الأعمال التى تسببت فى ظهورها لأول مرة؟
وهل تعرف أن "الشيخ جونسون العايق" كان السبب فى ظهورها لأول مرة؟
تفاصيل هذه الحكاية نشرتها مجلة الكواكب فى عدد نادر صدر عام 1952، وفى مقال كتبه المونولوجست والفنان سيد سليمان المولود عام 1901 فى النوبة والذى عمل فى السينما الصامتة وعدد من الفرق المسرحية ومنها فرقة نجيب الريحانى.
وكتب الفنان سيد سليمان مقالاً للكواكب تحت عنوان "المونولوج الذى خلق الرقابة"، يحكى فيه كيف تسبب مونولوج غناه فى إنشاء الرقابة.
وقال سيد سليمان إنه كان يقدم أحد المونولوجات على مسرح روض الفرج عام 1927 وكان المونود اسمه "الشيخ جونسون"، وتقول كلماته:
محسوبكم جونسون العايق قوى فى الأبهة لايق
ماشى أتمتختر بلطافة للنزهة فكرى رايق
بصيت لقيت قدامى حاجة حلوة وزى البطة
قربت عليها بخفة وغمزتها راحت نطة
قال لى هى هى هىء قلت ياحوستى
أنا أموت أنا أدوب انتى عروستى
وهكذا حتى ينتهى المونولوج بأن الشيخ جونسون تحدث مع السيدة التى يعاكسها حتى استدرجته إلى بيتها وهناك أخبرت زوجها الذى ضربه علقة موت.
وأشار الفنان سيد سليمان إلى أنه كان يرتدى بنطلون وقميص وصديرى بدلة اسموكن وفوقها جبة حرير وعلى رأسه عمامة ووضع "مونوكل" على إحدى عينيه – المونوكل عدسة زجاجية كانت تستخدم للمساعدة فى الرؤية-، مؤكدًا أنه كان يهدف من المونولوج محاربة المعاكسات فى الشوارع.
وذاع هذا المونولوج وانتشر وسمع به رجال الأزهر فغضبوا وشعروا بأنه يمثل إهانة وتعريضًا بهم فكتبوا مقالات فى الصحف يهاجمونه.
وتابع سليمان قائلاً: "ذات ليلة كنت فى طريقى إلى داخل المسرح ورأيت ثلاثة من طلبة الأزهر يقفون وأحدهم يقول للآخر: "ده صنف مينفعش معاه غير القوة"، ورفعت الستار وأنا أشعر بالخطر وبدأت فى إلقاء المونولوجات، ولكن هتف الجمهور "عاوزين جونسون"، فاضطررت لغناء المونولوج"
واستكمل المونولوجست باقى الحكاية قائلاً: "بعد إسدال الستارة جائنى طلبة الأزهر وحاولت إقناعهم بالهدف من المونولوج وأنه لا يحوى أى تعريض بهمن ولكنه نقد فكاهى لما يحدث فى الواقع، وأن الملابس التى أرتديها ماهى إلا كاريكاتير مجسم لا أقصد بها الإساءة لهم، ولكنهم لم يقتنعوا"
وأضاف: "توالت البلاغات إلى وزارة الداخلية تشتكى مونولوج الشيخ جونسون، وفى هذا الوقت ذاعت بعض الأغانى الخليعة ومنها مونولوج "ارخى الستارة اللى فى ريحنا"، وهو ما ساعد فى أن تستجيب وزارة الداخلية لطلب الأزهر فى إيجاد رقابة على الأغانى، وأرسلوا لى إنذارًا بعد إلقاء أى مونولوج قبل عرضه على الرقابة، وأمراً بالامتناع عن إلقاء مونولوج الشيخ جونسون سبب الأزمة"