كانت الساعة العاشرة صباح يوم 9 مايو، مثل هذا اليوم 1966، حين بدأت الدائرة الأولى بمحكمة أمن الدولة العليا، برئاسة الفريق أول محمد فؤاد الدجوى، جلستها للاستماع إلى مرافعة النيابة فى قضية «قيادة تنظيم الإخوان الإرهابى»، والمتهم الأول فيها سيد قطب، وذلك بعد أن انتهت المحكمة قبل أيام من الاستماع إلى مرافعات الدفاع عن المتهمين، حسبما جاء فى جريدتى «الأخبار» و«الأهرام» يوم 10 مايو 1966.
على مدى أربع ساعات، قدم سمير ناجى وكيل أول نيابة أمن الدولة العليا مرافعته، ووفقا لجريدة«الأخبار»:«كان سيد قطب يستمع إلى المرافعة فى ذهول، وكان باقى المتهمين فى وجوم تام.. بدأ «ناجى» مرافعته بالقول:«إن الماثلين أمامكم لا يصح أن يسموا إخوانا ولا أن يسموا مسلمين.. إن مصر تستصرخكم أن تسموهم ما شئتم، إلا أن يكونوا إخوانا مسلمين، هم الآثمون فى حق البشرية، فكيف لهم أن يتخذوا من أسمى معانيها اسما وشعارا، هم المعتدون على الإسلام، المخربون فيه، الذين أحلوا دم المسلمين، وأهدروا دم المؤمنين، فكيف يتصفون به، أليسوا هم المكفرين لجميع المسلمين ماعداهم، أليسوا هم القائلين باستحلال قتال الأطفال والنساء ما داموا ليسوا من مذهبهم، إن المرحوم أحمد أمين يقول فى كتابه «فجر الإسلام» عن الخوارج:«نذكر أن من أشهر فرقهم الأزارقة أتباع نافع بن الأزرق، وقد كفر جميع المسلمين ماعداهم، ودارهم دار حرب، واستحل الغدر بمن خالفه، وكفر الذين لا يحاربون عنه، وهذا هو ما قاله قطبهم الأغر فى «معالم فى الطريق»: نحن اليوم فى جاهلية كالجاهلية التى عاصرها الإسلام أو أظلم، كل ما حولنا جاهلية، تصورات الناس وعقائدهم وتقاليدهم، وثقافتهم، يقول فى صفحة 33: لا بد لنا من التخلص من ضغط المجتمع الجاهلى، وبلغ به الفجر مداه حتى جدد دعوة الأزارقة فى التنكر لأهلهم وذويهم ولأوطانهم، ما دام الأهل ليسوا فى ملعبهم، وليس لهم فى رقعة الوطن سيادة».
أضاف «ناجى»:«تلك مقارنة عقدناها بين قوم مذهب «الخوارج الأزارقة»، كما ورد فى كتب التاريخ الصادقة، وبين مذهب الأزارقة المتأخرين كما ورد فى دستور قطبهم الأغر، فإن كان نافع بن الأزرق قد كفر جميع المسلمين ماعداهم، ورتب على ذلك ما رتب، فقد تمثل كل ذلك فى القطب الأغر وسار على هديه، ولكن الخوارج لم يكونوا عملاء مثل هؤلاء».
ذكر«ناجى» أنه فى عام 1960 صدر قانون رقم 176 بعودتهم إلى سابق عملهم، «المتهمون فى قضية محاولة اغتيال جمال عبدالناصر عام 1954»، أضاف:«لكن شتان بين قلبين، قلب كبير أضاء النور جوانبه، وقلب امتلأ بالكره حتى طفح منه قبح متغول».
استشهد «ناجى» بما ذكره عبدالفتاح الشريف، أحد قيادات التنظيم، قائلا:«يقول كل اجتماع بيننا كإخوان فى التنظيم يدور فيه مثل هذه الأبحاث عن الاغتيالات وقلب نظام الحكم، ولم يكن فيه ثمة خلاف إلا على خطة العمل، وتعددت الأحزاب، فكان عبدالفتاح الشريف ينطلق فى ركبه عبدالمجيد الشاذلى وعباس السيسى ومجدى متولى، وكان عبدالفتاح إسماعيل ينطلق فى ركبه فتحى رفاعى وصبرى عرفة، وكان هناك على عشماوى وفى ركابه أحمد عبدالمجيد وأمين شاهين، وفى قبة ظلمتهم الحالكة انطلقوا، كل يبحث عن الأتباع، والتقى «الشريف» بعبدالفتاح إسماعيل فى تنظيمه المسلح، لقد بسط أمامكم الشريف كيف التقى التنظيمان، وانتخب هو وعبدالفتاح إسماعيل ومجدى متولى إدارة التنظيم الجديد، وسارت الأيام، فإذا بالتنظيم يكتنز كل ما يحصل عليه من ذخيرة.
وتناول سمير ناجى، الشق القانونى فى الدعوى، وقال: إن القانون فرض عقابا على الشروع فى قلب نظام الحكم، وعلى المحاولة، وأن المحاولة هى الأفعال الدائمة على الجريمة التى تسبق الشروع، ورتب عليها القانون العقاب، والقضية التى أمامنا هى صورة مثالية للمحاولة، وقال: إن المتهمين توافقوا واتفقوا على قلب نظام الحكم، وفكروا ودبروا اغتيال رئيس الجمهورية والقائمين على الحكم وتخريب المنشآت بالذخائر والمفرقعات، وصدرت أوامر قياداتهم بالتنفيذ الفعلى، لكن تساقطهم فى أيدى رجال الأمن هو الذى حال دون ذلك.
أضاف ناجى:«سمعنا منهم من يتصايح بأنه يريد أن يحاكم بكتاب الله لا بقانون وضعى، فليكن: «إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق»، «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون فى الأرض فسادا أن يقتلوا أويصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم»، فباسم الله وبحق كتاب الله، وباسم القانون، نطلب القصاص، وأى قانون يطالبون المحاكمة به سينالون منه القصاص، وقررت المحكمة استئناف جلستها فى اليوم التالى لاستكمال المرافعة.