ألقى الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، اليوم، كلمة أمام المنتدى الأول لرؤساء هيئات ترويج الاستثمار الأفريقية، الذى تُنظمه الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، تحت شعار "التكامل من أجل النمو"، خلال الفترة من 11 إلى 14 يونيو الجارى بمدينة شرم الشيخ، تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء، وبحضور عدد من الوزراء فى الحكومة المصرية، ووزراء ورؤساء هيئات الاستثمار فى 34 دولة أفريقية بالإضافة إلى ممثلى كُبرى المؤسسات والتكتلات الاقتصادية، وعلى رأسهم السيد وامكيلى مين، الأمين العام لمنطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، والسيد فهد القرقاوى، رئيس الرابطة العالمية لوكالات ترويج الاستثمار WAIPA، ومفوض الاتحاد الأفريقى للبنية التحتية والطاقة، وكبار رجال الأعمال المصريين أصحاب التجارب الناجحة بالسوق الأفريقى.
واستهل رئيس الوزراء كلمته أمام المنتدى بنقل تحيات الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، للحضور وخالص تمنياته بأن يُكلل الله جهود القائمين على منتدى رؤساء هيئات ترويج الاستثمار الأفريقية بالنجاح.
وخلال كلمته، أشار الدكتور مصطفى مدبولى إلى أن هذا المنتدى، الذى يتخذ فى أول دورة سنوية له شعار "التكامل من أجل النمو"، ويقام فى مدينة السلام شرم الشيخ، يأتى بعد أيام من احتفاء العالم بقارتنا السمراء فى "يوم أفريقيا"، الذى يتم الاحتفال به فى الخامس والعشرين من مايو من كل عام، باعتباره عيدا للتحرير الأفريقى الذى يُواكب ذكرى تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية، المعروفة حاليًا باسم "الاتحاد الأفريقي".
وقال الدكتور مصطفى مدبولى: لعلكم تتفقون معنا أن يوم أفريقيا هذا العام وما سبقه يأتى مُغايرًا لكل السنوات الماضية، لأنه يأتى فى ظل ظروف وتحديات غير مسبوقة عالميًا وإقليميًا، تتطلب منا جميعاً المزيد من التضافر لتعبئة قدرات قارتنا، وإطلاق إمكاناتها؛ لتلبية طموحات شعوبنا فى الترقى والازدهار.
وأضاف رئيس الوزراء: نواجه اليوم مع سائر دول العالم أربعة تحديات رئيسة على الأقل، يتمثل التحدى الأول فى "كوفيد-19"، الذى يواصل انتشاره، لا سيما فى العديد من الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، فى ظل توزيعات غير متكافئة للقاحاته لصالح البلدان الغنية، بينما يتعلق التحدى الثانى بالاختناقات التى يعانى منها جانب العرض العالمى، والقيود المفروضة على السفر، مما يُقوّض وتيرة انتعاش التجارة العالمية، حتى يعود النظام الاقتصادى العالمى إلى سابق عهده، لافتا إلى أن التحدى الثالث فيتمثَّل فى معدلات التضخم التى تتزايد عالمياً بوتيرة لم نعتدها منذ أكثر من عقد من الزمان، فى ظل ماليات عامة مُنْهَكة من تمويل حِزَم التحفيز الاقتصادى لمواجهة "كوفيد-19"، ومستويات دُخول تراجعت فى خِضَم تدنى معدلات التشغيل، وهو الأمر الذى يزداد سوءًا مع ارتفاع حجم العمالة غير المنتظمة، بينما يتمثل التحدى الرابع فى النزاعات التجارية التى تتسارع أحداثها يومًا بعد يومٍ، وترفع من حالة عدم اليقين التى كثيراً ما عانى منها النظام الجيو- سياسى العالمى، وتُعيد تشكيل التكتلات الاقتصادية وتوازناتها الرئيسة.
وخلال كلمته، أشار الدكتور مصطفى مدبولى إلى أنه بالإضافة إلى هذه التحديات ذات الصبغة العالمية، فإن قارتنا السمراء تعانى أيضًا من تحديات ذاتية؛ قائلا: بالرغم من أنها ثانى أكبر قارة عالميًا من حيث المساحة، وتضم بين أحضانها مزيجًا فريدًا من الخصائص والموارد الطبيعية، فإنها لا تزال الأكثر فقرًا بين قارات العالم؛ حيث يعيش فيها 70% من فقراء العالم. وهذه النسبة مُرشحة للزيادة بحلول عام 2030.
كما لفت رئيس الوزراء إلى أنه على الرغم من أن الله حبا القارة الأفريقية بسكان يزيد عددهم عن 1.5 مليار نسمة، أكثر من 60% منهم من الشباب فى عُمر أقل من 25 عامًا، وهو ما يُمكن ترجمته لقوة منتجة ومستهلكة هائلة، إلا أن مساهمة أفريقيا لا تتعدى 2% من إجمالى الناتج الاقتصادى العالمى، بقيمة 2.6 تريليون دولار أمريكى من إجمالى العالم الذى يبلغ 131 تريليون دولار أمريكى.
وفى الوقت نفسه، أشار الدكتور مصطفى مدبولى إلى أن اقتصادات إفريقيا لا تزال تعتمد على السلع الأولية، ما يجعلها أقل مرونة وصُموداً فى مواجهة الصدمات الاقتصادية وتقلبات الأسعار العالمية، فضلاً عن تواضع دورها فى سلسلة القيمة العالمية والإنتاج الصناعى كثيف التكنولوجيا، موضحا أن صادرات قارتنا من المنتجات المُصنعة لا تتجاوز 20% من إجمالى صادرات القارة، لافتا كذلك إلى الصراعات والنزاعات الداخلية، والعمليات الإرهابية، التى تُقَوِّض، بل وتهدم، أية جهود تنموية رامية إلى ترسيخ الازدهار فى ربوع القارة.
وقال الدكتور مصطفى مدبولى: مع تعدد التحديات والصعاب، فإن مهمتنا الرئيسة تتمثل فى تحويل هذه المحن إلى منح لصالح قارتنا الأفريقية، لافتا إلى أنه لذلك يفتح لنا شعار المنتدى هذا العام "التكامل من أجل النمو" آفاقا رحبة لواحد من أهم الدروس المستفادة من جائحة "كوفيد-19"، الذى أيقنته أفريقيا قبل سنوات عديدة، ليُثبت أن فى الاتحاد قوة، وفى تعزيز قنوات التعاون المشترك صلابة، والتحلى بالنظرة الإيجابية والاستباقية مرونة لخلق مستقبل أفضل، ولبلوغ المستقبل الذى نصبو إليه، مؤكداً أنه بإمكان البلدان الأفريقية البناء على العديد من الأطر التنموية والبنية المؤسسية التمكينية القائمة التى تحتضنها القارة.
وقال مدبولي: لدينا "أجندة أفريقيا 2063" بما تُمثله من وحدة ورخاء مشترك وسلام.. وبدأنا معًا خُطى "اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية"، التى أشار البنك الدولى إلى أنها قادرة على رفع دخل القارة بنسبة 7% ؛ أى 450 مليار دولار أمريكى، والتسريع من نمو أجور النساء، وانتشال 30 مليون شخص من براثن الفقر المدقع بحلول عام 2035.. كما تعزز من خُطَانا مجموعة البنك الأفريقى للتنمية، التى تَصْبو إلى إحداث عملية تحوّل اقتصادى لإنجاز نمو قوى ومُستدام، يتسم بأنه احتوائى وأخضر.. وهذه المقومات مُجتمعة، وَغَيُرها، تؤهلنا لأن نضع أفريقيا فى طليعة التنمية، طالما توحدت جهودنا لتعزيز خطى التوسع الحضرى، وتعميق عمليات التصنيع الإقليمى، وخلق فرص عمل تُكافح الفقر والحروب وتزرع الرخاء والسلام.
وأضاف رئيس الوزراء: فى ظل جائحة "كوفيد-19" التى تقود الإنتاج العالمى إلى التحول تجاه سلاسل قيمة أقصر طولا، مع التركيز أكثر على المحيط الإقليمى وليس الدولى، ومع تسارع الاتجاه نحو إحياء السياسات الصناعية المستندة إلى القدرات المحلية؛ فإن لدينا فرصًا غير محدودة لتوطين عمليات التصنيع، وخلق سلاسل توريد أفريقية، لتصبح قارة أفريقيا مستقبلًا "مصنع العالم"، والتى طالما كانت "سلة غذاء العالم".
وأشار الدكتور مصطفى مدبولى إلى أن ذلك التوجه يأتى مواكبًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الذى أعلن الفترة من 2016 وحتى 2025، عقد التنمية الصناعية الثالث فى أفريقيا، بالإضافة إلى ما أكده مسار أجندة الاتحاد الأفريقى 2063، التى تصبو لأن تصبح قارتنا السمراء مزدهرة بمصانعها ومنتجاتها، لافتا إلى أنه لبلوغ ذلك المستقبل المُشرق، فإننا بحاجة إلى إحداث تحولات صناعية جذرية، وضمان توطين تحسينات متتالية فى هيكل الاقتصاد الأفريقي؛ حتى نخلق بنية اقتصادية مُبدعة ومتجددة.
وقال مدبولي: إنه فى هذه اللحظة يُصبح "رواد الأعمال" و"المستثمرون" قادة هذه المسيرة ووقودها، حيث يحملون على عاتقهم مسئولية تعزيز التقدم التقنى والابتكار والابداع الخلاق، ومهمتنا كحكومات أن نُهيئ لهم بيئة الاستثمار الناجزة والمُلهمة للأداء الفعَّال، حتى نُيسر لهم الإنجاز المأمول.
كما أكد الدكتور مصطفى مدبولى أن المنتدى الأول لرؤساء هيئات ترويج الاستثمار الأفريقية 2021، تحت شعار "التكامل من أجل النمو"، يأتى بدعوة صادقة وطموحة لتتكامل جهودنا التى بدأناها منذ سنوات، ولتوحيد الرؤى والجهود فيما هو قادم، فى سبيل تحقيق أهداف التنمية الشاملة والمستدامة، مشيرا إلى أن النهوض بقارتنا عريقة المنشأ، شابة الحاضر والمستقبل، يرتكز فى الأساس على تعاون الجميع، مواطنين وشركات أعمال، ومؤسسات مجتمع مدنى وحكومات، فالكل مسئول والكل مُشارك من أجل النمو.
وفى ختام كلمته، أعرب رئيس الوزراء عن خالص تمنياته بالتوفيق لأعمال الدورة الأولى من هذا المنتدى، لافتا إلى أن الأمل يحدوه بأن تنسج المناقشات خارطة طريق أفريقية، نهتدى بها خلال الفترة المقبلة، على أن نلتقى فى عامنا القادم لنحتفى بما حققناه من إنجاز، ونتبادل خبراتنا وتجاربنا، التى ستقودنا حتمًا إلى مزيد من الازدهار الأفريقى.