مازالت التداعيات الكبيرة للاجتماعات الوزارية التى عقدت فى العاصمة القطرية الدوحة قائمة خاصة تلك المتعلقة، بقضية سد النهضة، والتى كانت محور الاجتماع غير العادى، والذى جاء بناء على طلب من مصر والسودان، والذى انتهى إلى حالة من الإجماع العربى، حول ضرورة احترام حقوق لدولتى المصب، على اعتبار أن امنهما المائى هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومى العربى.
الموقف العربى الموحد ربما أثار العديد من علامات الاستفهام، حول الخطوات التى أعلنتها جامعة الدول العربية، وما سوف تؤول إليه فى المستقبل القريب، خاصة مع مطالبة مجلس الأمن بالتدخل، ناهيك عن حالة التعنت التى تتبناها الحكومة الإثيوبية، وإصرارها على التحرك بأحادية، تجاه مسألة ملء سد النهضة.
وفى هذا الإطار، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، إن اجتماع الدوحة أثار نقاط هامة، وأولها أن الأمن المائى لمصر والسودان هو جزء من الأمن القومى العربى، موضحا أنها المرة الأولى التى يعلن فيها هذا الأمر، أما الثانية، فهى مطالبة مجلس الأمن بعقد اجتماع حول هذه القضية.
وأضاف، خلال حوار أجراه مع الإعلامى أحمد موسى، فى برنامج "على مسئوليتى"، أن مجلس الأمن لن يعقد اجتماعا بناء على طلب الجامعة العربية، وبالتالى هناك انتظار لتحرك تالى، على غرار طلب تتقدم به أحد الدول لعقد جلسة حول قضية سد النهضة.
وأشار أن تدخل الجامعة العربية فى قضية سد النهضة ليس جديدا، حيث سبق لها وأن شكلت لجنة مكونة من عدة دول، بالإضافة إلى مبعوث الجامعة فى الأمم المتحدة، لمتابعة هذه القضية، موضحا أن هناك حاجة ملحة لكى تتبنى دولة عضو فى مجلس الأمن مطلب عقد جلسة حول القضية، على غرار تونس، موضحا أن الأمر سيأتى بناء على طلب مصر أو السودان.
وأوضح أن القرار العربى يتضمن احتجاجا على أى خطوة من شأنها ملء السد بشكل غير قانونى، يمثل تهديدا للأمن المائى لمصر والسودان.
وعن رد الفعل الإثيوبى، قال أبو الغيط: إن هناك محاولة إثيوبية للإدعاء بأن هناك صدام عربى إفريقى، موضحا أن الأمر ليس كذلك إطلاقا، خاصة وأن مصر والسودان، هما جزء من إفريقيا، كما أن ثلثى العرب يسكنون فى إفريقيا.
أضاف أن الإدعاء الإثيوبى يهدف فى الأساس إلى الفوز بدعم إفريقيا، فيما يتعلق بمسألة سد النهضة على حساب دولتى المصب، موضحا أن العرب الأفارقة، وعلى رأسهم مصر، دائما ما يقدمون الدعم لقارتهم.
وأشار الأمين العام أن التعاون بين الجامعة العربية والاتحاد الإفريقى واضح، حيث إن الجامعة تشارك فى اجتماعات الاتحاد الإفريقى والعكس صحيح، موضحا أن إثيوبيا لديها الحق فى رفض ما تراه، ولكن يحق الجامعة العربية كذلك أن تدعم حقوق دولها.
وبعيدا عن رد الفعل الإثيوبى، والذى اتسم بهجوميته الشديدة على دور الجامعة العربية، يبقى احترام قواعد القانون الدولى ضرورة قصوى لا تقبل النقاش، وهو الأمر الذى ينبغى الإلتزام به، فى المرحلة المقبلة
يقول أبو الغيط، إن هناك التزاما قانونيا يواجه الحكومة الإثيوبية، وهو احترام حقوق كل الدول المتشاطئة، وعدم إحداث أى ضرر بدول المصب، موضحا أن مسألة حدوث ضرر من عدمه، يخضع فى الأساس لتقدير دولتى المصب، فى حالة نهر النيل.
وأوضح أنه يجب على إثيوبيا مراعاة كل مظاهر القلق التى تلاحق دولتى المصب، موضحا أن المسائل ينبغى أن تتم فى إطار الحوار والتشاور بين الدول الثلاثة.
وأضاف الأمين العام لجامعة الدول العربية، أن الأمر يحتاج إلى دور فاعل من قبل الاتحاد الإفريقى والاتحاد الأوروبى، موضحا أنه يرى أن المجتمع الدولى لن يقبل بأن يهتز الاستقرار فى منطقة القرن الإفريقى، أو فيما يتعلق بالعلاقة بين الدول المتشاطئة للنهر.
وشدد أبو الغيط على ضرورة الضغط فى اتجاه التفاوض، من أجل الوصول إلى اتفاق ملزم فيما يتعلق بملء سد النهضة.
وحذر أبو الغيط جراء استمرار التعنت الإثيوبى، موضحا أنه سيؤدى إلى موقف "خطير" للغاية، خاصة وأن مثل هذه السياسة تعرض شعوبا للموت، موضحا أن القرار الوزارى الذى اتخذه الاجتماع الذى عقد بالدوحة، جاء بالإجماع، وأن كافة الدول أعلنت دعمهم لدول المصب.
وأما القضية الفلسطينية، فكانت محورا مهما للدور الكبير الذى لعبته الجامعة العربية فى الآونة الأخيرة، خاصة بعد التصعيد الكبير لدولة الاحتلال، سواء فى الضفة الغربية أو قطاع غزة، بالإضافة إلى ممارساته فى القدس، والتى استهدفت تغيير هوية المدينة، وانتهاك مقدساتها الإسلامية والمسيحية.
يقول أبو الغيط إن الفلسطينيين لن ينسوا العلم أو النشيد، فى إشارة إلى ضرورة تأسيس الدولة الفلسطينية، موضحا أن وقف إطلاق النار لا يعنى هدوء دائم، وهو ما ينبغى أن يعيه المجتمع الدولى.
وأوضح أنه ليس قلقا على الإطلاق تجاه الشعب الفلسطينى، موضحا أنه على قدر كبير من التعليم والثقافة، بينما يبقى من المتوقع أن يتزايد أعداد الفلسطينيين بصورة كبيرة، ليصبح التساؤل عن الكيفية التى سوف تدير بها إسرائيل الأمور بعد 20 عاما فقط.
وأضاف الأمين العام للجامعة العربية أن الشعوب لا يمكن أن ينسوا أرضهم، موضحا أنه "لا خشية على الفلسطينيين".
وعن رؤيته للوضع الدولى الراهن، قال أبو الغيط إن الولايات المتحدة عملت على إعادة توزيع قواتها، وذلك للتركيز على منطقة المحيط الهادئ، فى ظل صدام مع الصين، والتى أصبحت قوى صاعدة بقوة.
وأوضح أبو الغيط أن البعض يرى أن الشرق الأوسط يفقد أهميته، إلا أن الحقيقة ربما تخالف ذلك، حيث تبقى حماية إسرائيل أمر مهم للولايات المتحدة، وإسرائيل جزء من الشرق الأوسط، بالإضافة إلى مسألة النفط والبترول، وهو الأمر الذى يحظى باهتمام واشنطن.
وأضاف الأمين العام أن الشرق الأوسط سيكون محلا للتنافس مع الصين، والتى تستهدف المنطقة عبر مبادرة الحزام والطريق، كما أن روسيا أصبحت متواجدة كذلك عبر البوابة السورية.
وأوضح أبو الغيط أن أمريكا مازالت موجودة فى بعض الدول، على غرار جيبوتى، كما أنها متواجدة فى بحر العرب.
وأضاف أن الخطر الحقيقى هو الانزلاق فى مواجهة بين الصين والولايات المتحدة وهو ما قد يؤدى إلى الوصول إلى وضع مشابه بالأوضاع إبان الحرب الباردة، موضحا أن هناك تحفظات أوروبية على التوجه الأمريكى المعادى للصين.