لا يكتب محمد على إبراهيم والسلام، فدائما لديه ما يقوله، خاصة أنه جرب جميع الحقول الإبداعية، ففى الرواية صدر له "الجدار الأخير، الولد كوريا، أعلمها اللمس، حجر بيت خلاف"، كما صدرت له العديد من المجموعات القصصية منها "تأريخ لا يروق لكم"، "طعم البوسة"، "متتالية أنت حر ما دمت عبدى"، "أغنية حب جديدة"، كما صدرت له دواوين شعر"مواويل الثرى"، "صحاب".، وهو يستعد حاليا لروايته "روح" التي تشارك في معرض القاهرة الدولى للكتاب في دوته الـ 52 التي تنطلق يوم 30 يونيو الجارى.. وكان لنا معه هذا الحوار..
حققت روايتك السابقة "بيت خلاف" نجاحًا كبيرًا، وحازت تقديرًا وجوائز، ومقروئية، هل تعمل على استثمارها فى عملك الجديد "روح" أم تبتعد عنها؟
إن كان الاستثمار على مستوى الفكرة أو طريقة البناء وإعادة الكتابة بتنويعة أخرى فهذا مرفوض بالنسبة لى كقارئ قبل أن أكون مبدعا، وإن كنت تقصد استثمار الجمهور فأنا أرى نفسى كاتبا بلا جمهور، الرواية هى من تصنع جمهورها، لكن أحاول أن تكون هناك بصمة قد تتشكل عندما أتوقف عن الكتابة وتجد رواياتى قارئا يحاول رصد تلك البصمة، سأكون صريحا معك، روح رواية خاصة، قد تكون سببا فى انقطاع جمهور الروايات السابقة عن متابعة اللاحق، وربما تصنع جمهورها غير المتوقع.
هل يمكن أن تحدثنا عن التجربة؟
يمكن أن تغير رواية أو تساعد على الأقل القارئ على تغيير بعض أفكاره، هذه الرواية غيرت كاتبها نفسه، لقد صدقتها فمنحتنى سلاما داخليا بديعا، أنا أغار عليها لدرجة رفضى لنشرها، كتبتها ثم كتبت اسمى سرطان وأكتب الآن رواية أخرى وكنت أؤجل نشرها، قلت لصديق لى سأجعلها متاحة للنشر بعد أن أتوقف عن الكتابة، لكن للطبيعة أحكامها، فصدرت رغما عنى، هى رواية يمكن تصنيفها بالفانتازى لنظل بمأمن نسبى، وفى هامش متنها قصة تقليدية، ما بين الحياة بمعناها التقليدى والأبدية، رواية مكانها ثابت و زمنها صفر، اضطررت لاستدعاء شخصية حقيقية هى عالم الفيزياء بول ديفيز ليصاحب بطل الرواية ويبسط مفهوم الزمن وادراكه، أتمنى قراءة الرواية بقليل من الصبر وكثير من ادراك قيم الحرية.
الصعيد أرض جيدة للعديد من الأعمال الروائية.. وأنت كتبت عنه وهنا أسألك عن اللغة، هل وصلت لحل لغوى خاص بك؟
أنا ابن الصعيد، أعرفه ويعرفنى، بدأت الحكاية فى رواية أعلمها اللمس، ثم بيت خلاف، بينما "روح" رواية مختلفة بلا مكان أو زمان، وقد عدت إلى الصعيد فى رواية "اسمى سرطان" التى كتبتها بعد روح، ويظل الصعيد متواجدا فى أوراق التحضير لروايتى التى أعكف على التحضير لها، خلال تلك الروايات تنقلت بين قرى ومدن أسوان وسوهاج وأسيوط، ثم قنا والآن فى المنيا، كل مكان له لهجته وعاداته، التى عليك أن تدرسها جيدا، واللغة هى أحد أكبر البراجماتيين العظماء، عليك مصاحبتها لتكشف لك أسرارها، أنا لم أصل لحل لغوى، أنا أصاحب شخصيات الرواية وعليهم أن يمنحونى السر لتكتمل الرواية.
فيما كتبته عن الصعيد وناسه.. هل صرت تمسك بـ "روح" المكان هناك؟
ويسألونك عن الروح، الصعيد لكل مكان فيه روح تخصه، كلما زرت بيتا جديدا فى الصعيد، أضحك فى وجه الروح التى تتشكل كالمطاط، ومطاط من هواء، نحن نحاول فقط استشراف المكان.
الدمج بين الواقعية والفانتازية.. هل هذه طريقتك فى الكتابة أم مجرد تكنيك مؤقت؟
ليست فكرة تكنيك مؤقت، كل رواية كتابة مؤقتة، إذا كنت تبحث عن الإبداع فيجب أن تكون كل رواية عملا بنائيا مؤقتا، فى بيت خلاف كان الرهان أن يصدق القارئ بعودة الحياة للجيوكندا، فكان دمج الواقعى بالفانتازى هو حيلتى فى السطو على ذهنية القارئ.
بعدما كتبت الشعر والرواية والقصة.. هل امتلكت "بصمتك" الخاصة؟
دعنا نفصل بين الأنواع أولا، أنا لا أتبرأ من كل كتبى، لكن لا أستطيع منذ أعوام وضع لقب شاعر قبل اسمى، لم تعد لدى رغبة وأيضا مقدرة على إنتاج نص شعرى، والت ويتمان عبأنى تماما، محمود درويش يطاردنى بجداريته، تركت لهما اللقب بكل طمأنينة، أما القصة القصيرة فبعد تجربتين بحجم "تأريخ لا يروق لكم" ومتتالية "أنت حر ما دمت عبدى"، شعرت بالامتلاء، لم أجد بعد تجربة قصصية جديدة قادرة على إغوائى للعودة مجددا لكتابة القصص القصيرة، الرواية مازالت تلاعبنى وألاعبها، البصمة قد يجدها أحد بعدما أتوقف عن الكتابة.
دعنا نتحدث عن مفهوم الكتابة عند محمد على إبراهيم؟.. بصيغة أخرى ما الذى يستحق أن تكتب عنه؟
الإنسان بالطبع، وهل هناك من يستحق أكثر منه، والإنسان يستدعى الحديث عن الروح والخلود، سيجذبك الإنسان للحديث عن الطبيعة بكاملها.
أما مفهوم الكتابة، فالنص الإبداعى فى ذهنى يستدعى القداسة، لا بد من استدعاء ضميرك الإنسانى وأنت تكتب، حتى وإن كتبت بدافع المتعة فقط - وهو أمر عظيم- لا بد أن تعى أن هناك من سيقرأ، فعليك احترام ما سينفقه من وقت ليقرأك.
ماذا عن النقد.. هل فقد دوره تماما فى زمن السوشيال ميديا؟
النقد!!، لقد تحولت الجوائز لتقوم بدور الناقد، وقراءات قليلة نقدية هى الملفتة، أنا لا أبحث عن النقد الأكاديمى الذى يحدثنا عن التفكيكية والبنيوية ويفرد ثلاث أرباع مساحته للاستشهاد بمقولات تاريخية، أنا أفتقد جلسات نادى الأدب فى التسعينات، هناك كنا نستمتع بالنقد.
إلى أين نتجه إبداعيا.. هل هناك مدارس تتشكل الآن أم أننا ننزف ما فعلناه؟
لكى تحصل على منتج إبداعى مميز، لابد أن تغلق حنفية المطبعجية الذين يطلقون على أنفسهم لقب ناشرين، كم كبير من الحبر بلا مراجعة ولا جودة، هناك مبدعين يكتبون بخفة، اتابع ابداعاتهم بتركيز شديد، على قلتهم فهم من سيضمنون البقاء، جيل يناير سيفرز مبدعيه قريبا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة