قنابل موقوتة وروايات متباينة ربما تختلف فى تفاصيلها، إلا أن القاسم المشترك هو الميلاد داخل أسوار المخيم، والإقامة وسط دواعش تائبين أو إرهابيين سقطوا فى الآسر بعد انهيار التنظيم فى عامى 2017 و2018، بعد الانتصارات المدوية التى أحرزتها القوات العراقية والسورية فى الأراضى المنهوبة، بدعم من قوات التحالف الدولى لمكافحة داعش.
وعلى هامش المحاولات الفاشلة التى يقدم عليها داعش للعودة مجدداً فى ميادين القتال داخل الشرق الأوسط، تفاقمت بمرور الزمن أزمة "أطفال داعش".. أولئك الذين ولدوا داخل المخيمات المنتشرة على الحدود المشتركة بين سوريا والعراق وتركيا، أو الذين دخلوا الأراضى السورية والعراقية فى عمر الزهور، رفقة أبوين اختاروا الانضمام لمعسكرات الدم والنار، والذين تقدر أعدادهم بما يزيد 27 ألف من 60 جنسية.
وقبل أيام، أثار ظهور البريطانية شميمة بيخوم (21 عاما) وإعلانها توبتها عن أفكار التنظيم، ومناشدتها السلطات البريطانية للعودة إلى بلادها، ملف أطفال ومراهقى داعش الأوروبيين والذين ترفض دولتهم استعادتهم أو الانخراط فى ملف إعادة تأهيلهم للعودة إلى الحياة الطبيعية.
قصة شميمة بيخوم التي اشتهرت قبل سنوات باسم "عروس داعش"، جسدت معاناة آلاف الأطفال والمراهقين الذين تورطوا بالانضمام لتنظيم داعش الإرهابي، والذين يحلمون بالحصول علي فرصة جديدة لحياة طبيعية بعد العدول عن الأفكار الإرهابية. ففى تصريح سابق، كشف فلاديمير فوروكوف، المدير التنفيذي لمركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، عن وجود ما لا يقل عن 27 ألف طفل ومراهق داخل مراكز الاحتجاز والمخيمات شمال شرق سوريا، من 60 دولة مختلفة، من أبناء مقاتلي التنظيم، في وقت ترفض فيه غالبية الدول الأوروبية عودتهم مرة آخرى سواء لإعادة تأهيلهم أو لاستئناف مدد العقوبة لمن تمت إدانتهم.
وفي تقرير لها هذا الشهر، قالت وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية إنه رغم مرور أكثر من عامين على إسقاط دولة داعش فى سوريا والعراق، فإن أكثر من آلاف الأطفال قد تركوا يقاسون فى مخيم الحول الذى يأوى عائلات أعضاء التنظيم.
ومعظم هؤلاء الأطفال لم يبلغ سن المراهقة بعد، ويقضون طفولتهم فى ظروف بائسة مع عدم وجود مدارس ولا مكان للعب أو التطور، ويبدو أنهم لا يجدون اهتماما دوليا بحل لوضعهم. ولم يتبق سوء جهة واحدة تشكل هؤلاء الأطفال، وهى فلول تنظيم داعش، بحسب الوكالة. فعناصر التنظيم الإرهابى والمتعاطفون معه لهم شبكات داخل المخيم، ولدى الجماعة خلايا نائمة حول شرق سوريا تواصل شن تمرد منخفض المستوى فى انتظار الفرصة للظهور بقوة.
ويخشى المسئولون الأكراد وجماعات الإغاثة أن المعسكر سيخلق جيلا جديدا من المسلحين، ويناشدون الدول الأم بأن تستعيد النساء والأطفال، لكن المشكلة هى أن حكومات هذه الدول غالبا ما ترى الأطفال كخطر وليس كونهم بحاجة للإنقاذ.
وتقول د.سونيا كوش، مديرة استجابة سوريا فى منظمة "أنقذوا الأطفال" إن هؤلاء الصغار هم أول ضحايا داعش، فطفل فى الرابعة من عمره ليس لديه حقا إيديولوجية، ولديه احتياج للحماية والتعلم. وليست المخيمات مكانا ينشئ ويكبر فيه الأطفال، فهم لا تسمح لهم بالتعلم وأن يكون لهم حياة اجتماعية أو أن يكونوا أطفالا. ولا تسمح لهم بالتعافى من كل ما خاضوه فى حياتهم.
وفى مخيم الهول، يقطن نحو 50 ألف من السوريين والعراقيين، بينهم 20 ألف من الأطفال، وأغلب المتبقين من النساء زوجات وأرامل المقاتلين.. وفى قسم مشدد الحراسة بالمخيم يعرف باسم الملحق، يوجد نحو ألفى امرأة من 57 دولة، تعتبرن من أقوى أنصار داعش ، مع أطفالهن البالغ عددهم 8 آلاف.
وفي باريس، دعت شخصيات أكاديمية وثقافية فرنسية، السلطات في البلاد، إلى تحمل مسئولياتها وإعادة أطفال فرنسيين من المخيمات السورية إلى فرنسا، معتبرة أن هؤلاء الأطفال "يموتون ببطء"، حيث وقع 120 شخصية فرنسية من الأوساط الأكاديمية والثقافية خطاب مشترك دعوا خلاله السلطات إلى تحمل المسؤولية وتشريف مبادئ الجمهورية الفرنسية، بإعادة الأطفال الفرنسيين المحتجزين مع أمهاتهم في المخيمات السورية فورا.
وكانت فرنسا أعادت مطلع العام الجاري 7 أطفال من عائلات عناصر "داعش" الفرنسيين، وبذلك بلغ مجموع أبناء المقاتلين الفرنسيين الذين أعادتهم فرنسا حتى الآن من سوريا 35 طفلا، منذ إعلان الهزيمة العسكرية للتنظيم الإرهابي في مارس 2019.
واكتفت دول أوروبية عدة بينها فرنسا، باستعادة عدد محدود من الأطفال اليتامى من أبناء مقاتلي "داعش". قالت وكالة الصحافة الفرنسية إن السلطات الفرنسية تواجه انتقادات "لرفضها استعادة نحو 150 إرهابياً فرنسيا"، من الرجال والنساء، الذين تعتبرهم متواطئين مع التنظيم المتطرف في سوريا والعراق، فضلا عن عدم تسريع عودة الأطفال المشروط بموافقة الوالدين.
وقدرت اللجنة الوطنية الفرنسية الاستشارية لحقوق الإنسان بوقت سابق عدد القاصرين الفرنسيين المحتجزين في المخيمات الواقعة تحت سيطرة الأكراد بنحو 250، وأعربت عن أسفها لاتباع الحكومة الفرنسية سياسة "درس كل حالة على حدة".
وقبل قرابة عام ، قدرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، عدد الأطفال ذوو الأصول الأوروبية داخل مخيمات داعش بنحو 900 طفل، وأعربت الصحيفة عن استغرابها من إرسال فرنسا لطائرة طبية الشهر الماضي، أقلت فتاة فرنسية 7 سنوات كانت على وشك الموت لأنها لم تتلق رعاية طبية عاجلة، وتركت وراءها والدتها وشقيقان وأخت، معتبرة أن هذا دليل على قدرة البلدان على إعادة أطفالها عندما تريد.
وانتقدت ليتا تايلر باحثة في "هيومن رايتس ووتش" السلوك الفرنسي، قائلة: "عندما يتعلق الأمر بردود حكومات مثل فرنسا التي تتحدث عن حقوق الإنسان، أخرجت طفلة واحدة، فلماذا لا تأخذ الأسرة بأكملها؟".
وأشارت الصحيفة إلى أن جماعات حقوق الإنسان ترى أن ترك الأطفال في سوريا يهدد صحتهم العقلية والجسدية، ويخاطر بتلقينهم إيديولوجية تنظيم "داعش"، إضافة إلى نقص الغذاء والمياه النظيفة وتفشي الأمراض المعدية.
يشار إلى أن تسعة أطفال من أبوين أوروبيين قضوا بسبب أمراض يمكن الوقاية منها، وفي وقت أعادت دول مثل روسيا وكوسوفو وتركيا وأوزبكستان وكازاخستان أطفالها، تتردد الحكومات الغربية في استعادة الأطفال من أصول أوروبية.