يعد تردي الأوضاع الاقتصادية، أحد أهم دوافع ثورة يونيو لعام 2013 حيث اتسمت الفترة بين 2011 – 2013 بالتخبط والصراع بين أطراف متعددة للسيطرة على الحكم، تسبب ذلك الصراع في خلق كيانات موازية لمؤسسات الدولة الرسمية تحميل أيديولوجية فكرية تنتمي لجماعة الاخوان المسلمين وتعمل لهدف تحقيق مصلحة الجماعة دون اعتبار أي وجود لمصلحة الوطن.
دراسة للمركز المصري للفكر والدراسات كشف أنه تعددت الجهات القائمة على رسم وتنفيذ السياسة الاقتصادية الداخلية والخارجية للبلاد، حيث كان يتم وضع سياسات البلاد على مستويين رئيسيين وهما: هيئات الدولة التي تحمل الحق الدستوري في القيام بتلك المهام، أما المستوى الثاني فقد كان مستشارو السياسة لجماعة الإخوان (حكمت مصر عاما)، ذلك الأمر تسبب في حدوث ارتباك وتصادم داخلي خاصة وأن المستوى الثاني (الإخوان) يهدف إلى وضع سياسات تحقق مصلحته الخاصة التي بالأساس تتوافق مع فلسفة الإخوان وليس المصلحة الوطنية.
علاقات مصر الاقتصادية دوليا
ومن ثم فقد فشلت جميع محاولات جماعة الإخوان ورئيسها في تحقيق أي مكاسب اقتصادية للبلاد أو حتى تحسين علاقة البلاد مع المؤسسات الدولية، حيث فشلت مصر في الانضمام إلى تكتل بريكس الذي يضم قوى اقتصادية ناشئة حديثة النمو ليس فقط بسبب الأداء الاقتصادي الضعيف لمصر لكن بسبب طبيعة النظام السياسي الجديد بالبلاد الذي لا يتصف بالكفاءة، وكان ذلك نتيجة للأخطاء التي لا حصر لها التي تم ارتكابها على المستوى الداخلي والخارجي خلال تلك الفترة، والوضع الاقتصادي السيء الذي كانت تمر به مصر حيث كانت مصر تمر بأزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ ثلاثينيات القرن الماضي، ذلك الوضع دفع بنصف المصرين تقريبا للعيش بالقرب من مستوى الفقر أو تحته، وسادت مشاكل بدائية في البلاد تتمثل في عدم قدرة الدولة على الوفاء باحتياجاتها الأساسية والتي ترتب عليها انقطاع الكهرباء لعدد متكرر من المرات واستمرار الانقطاع لفترات كبيرة وانتشار صفوف السيارات التي تقضي الليل أمام محطات الوقود انتظارا لتزويد سياراتهم بالبنزين الأمر الذي تسبب في تشويه سمعة البلاد عالميا.
وفي محاولة للتغلب على تلك المشكلات الاقتصادية التي واجهت مصر حاولت مصر اللجوء إلى صندوق النقد الدولي للحصول على تمويل بقيمة 4.8 مليار دولار بهدف مساعدة الاقتصاد على النهوض، إلا أن تلك المحاولات هي الأخرى فشلت نتيجة لرؤية صندوق النقد الدولي أن ذلك أن مصر لن تكون قادرة على الوفاء بذلك القرض نتيجة لتغليب قيادتها (الإخوان المسلمين آن ذاك) مصلحتهم وتجاهلهم تطبيق إصلاحات اقتصادية ضرورية للحفاظ على مكانتهم السياسية وزيادة الدعم الشعبي لهم على حساب المصلحة الاقتصادية للبلاد، والذي ترتب عليه رفض صندوق النقد الدولي إقراض مصر، تسببت تلك الفترة في تراجع مكانه مصر على المستوى العربي والإقليمي والأفريقي، وكادت الدولة على وشك التحول من يُحترم إلى بلد ينبغي الخوف منه.
المؤشرات الاقتصادية
وعانى الاقتصاد المصري بصورة كبيرة في الأعوام التي تلت عام 2011 والتي اتسمت بحالة من عدم الاستقرار السياسي التي تسببت في مرور الاقتصاد المصري بمرحلة من الركود التضخمي (وضع يعني ارتفاع معدل التضخم وارتفاع معدل البطالة معا)، حيث كان الناتج المحلي الإجمالي ينمو بمستويات منخفضة (متوسط 2.2% خلال الأعوام بين 2012-2014)، في الوقت الذي ترتفع معدلات التضخم بالبلاد والتي وصلت إلى 12% تقريبا، واستمرار في ارتفاع معدل بطالة إلى حوالي 13% ذلك الوضع يعكس بالأساس تباطؤ النشاط الاقتصادي في البلاد، وعدم قدرة الاقتصاد على خلق وظائف. ونتيجة للسياسات التي كان يتبعها البنك المركزي خلال تلك الفترة من حيث إصراره على دعم قيمة الجنيه المصري وعدم الاتسام بالمرونة التسعيرية التي تضمن له تحقيق الاستقرار في الاقتصاد، ترتب على ذلك الوضع انخفاض احتياطي النقد الأجنبي بالبلاد ليصل إلى أدني مستوى له عند 16.69 مليار دولار في العام المالي 2013 – 2014، وهو مبلغ منخفض للغاية ولا يستطيع الوفاء باحتياجات البلاد من الواردات لمدة تتجاوز 3.3 شهر الامر الذي بالفعل ظهرت انعكاساته على طوابير المواطنين أمام محطات الوقود وعدم قدرة شركة الكهرباء على الحفاظ على إمداد المواطنين بالكهرباء. وعلى الرغم من المحاولات المستميتة من جانب البنك المركزي للدفاع عن سعر عملة الجنيه المصري خلال الفترة من 2011 وحتى 2016 إلا أن قيمة الجنيه انخفضت من 6.06 جنيه للدولار بنهاية العام المالي 2011 – 2012، إلى 8.79 جنيه للدولار بنهاية العام المالي 2015 – 2016، وهو ما دفع معدل التضخم بالبلاد للارتفاع إلى 14% بنهاية العام المالي 2015 – 2016.
أما عن وضع المالية العامة فلم تكن أفضل من الوضع النقدي بالبلاد، حيث بلغ العجز الأولي بالموازنة 5.3% (إيرادات الموازنة أقل من التكاليف في حال استبعاد مصروفات الدين العام)، وبلغ العجز الكلى بالموازنة 13.7% (الإيرادات أقل من المصروفات التي تتضمن فوائد الدين العام)، وهو ما تَرتب عليه لجوء الدولة إلى الاقتراض وزيادة الدين العام لغرض الوفاء بالنفقات بالموازنة، ساهم ذلك في ارتفاع الدين العام المحلي إلى مستوى 87.10% من إجمالي الناتج المحلي الإجمالي وفقا لبيانات العام المالي 2012 – 2013، مقابل 78.60%.
وانعكست تلك الأوضاع الاقتصادية بالطبع على قدرة مصر على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر للبلاد، حيث انخفض الأخير بشكل حاد إلى 2.2 مليار دولار في العام المالي 2010/2011 مقابل 6.76 مليار دولار في العام المالي 2009/2010 بالطبع شكل عدم الاستقرار السياسي وفشل السياسات الاقتصادية في البلاد العامل الأكبر لذلك الانخفاض، إذ أن تلك الظروف أثرت على ثقة المستثمرين في الاقتصاد. ومن ثم فقد ترتب عليها إغلاق العديد من المستثمرين الأجانب (منها الشركات المتعددة الجنسيات)، ولعل أبرز الأحداث في تلك الفترة هو رفض شركات النفط والغاز ضخ استثمارات أخرى بقطاع الطاقة في مصر للتنقيب عن البترول نتيجة لوجود مستحقات مالية كبيرة لتلك الشركات لدي الدولة المصرية، وتنامي تخوف كبير عن قدرة مصر على الوفاء بتلك المستحقات.
وأكدت الدراسة أن تلك الأوضاع الاقتصادية السيئة (مالية ونقدية، واستثمار أجنبي مباشر) كانت الحافز الرئيسي الذي دفع المصريين للخروج إلى الشوارع للمطالبة برحيل نظام سياسي تسبب في انخفاض البطالة وإغلاق المصانع وانخفاض شديد في النقد الأجنبي تسبب في عدم القدرة على توفير احتياجات، وهو ما ترتب عليه زيادة معدلات انقطاع الكهرباء، وارتفاع مستمر في الأسعار بشكل أثر على قدرة المصريين على الاحتمال الأمر الذي دعا للنزول إلى الشوارع للمطالبة بالتغيير.
تلك الظروف الاقتصادية التي سبق الإشارة إليها تعتبر في حد ذاتها عائقا كبيرا أمام متخذ القرار السياسي والاقتصادي في إحداث أي تغيير، حيث انه في وضع يعاني فيه الشعب مع عدم قدرته على استيفاء احتياجاته الأساسية من الطعام والوقود بالإضافة إلي قضاء ليلته في ظلام دامس، واقتصاد ترفض المؤسسات الدولية الوقوف بجانبه ومساندته (رفض صندوق النقد الدولي الوقوف بجانب مصر كما سبق الإشارة) لا يمكن التكهن بردود أفعال الأطراف المرتبطة حيال الانصياع لإرادة الشعب الثائر والراغب في تغيير وضعه لأوضاع افضل خاصة وان الشعب المصري خرج من ثورة يناير في عام 2011 بأحلام كبيرة ومشاركة أكبر في الحياة السياسية ووعي أكبر بحقوقه التي تكفلها له المواطنة، لكن كل تلك الاحلام تبددت في عامين 2012 – 2013. فرض ذلك الواقع الجديد تحديا خطيرا يرسم مستقبلا مجهولا للمُقدم على اتخاذ القرار، فالوضع كان كمن يلقي نفسه في المياه في ظلام الليل وهو لا يعلم العمق.
وضع مؤسسي بالغ الصعوبة
وأدت استراتيجية أخونة الدولة التي اتبعتها جماعة الإخوان خلال فترة حكمها إلى الوصول إلى وضع بالغ الصعوبة في مختلف مؤسسات الدولة؛ إذ عمدت الجماعة إلى إضعاف كافة مؤسسات الدولة، وتركيز كافة المهام والصلاحيات في رئاسة الجمهورية الخاضعة بطبيعة الحال إلى سيطرة مكتب الإرشاد، ومن ثم تفريغ كافة المؤسسات من مهامها وإيصالها إلى حالة شديدة الضعف والتردي والعجز عن قيام المهام المنوطة بها. فضلًا عن السيطرة شبه الكاملة على البرلمان المعبر عن الشعب المصري بغرفتيه الشعب والشيوخ.
وعمدت الجماعة كذلك إلى تهديد المؤسسات التي أبت الانصياع لتوجيهاتها وأوامرها، فحاصرت عناصرها المحكمة الدستورية العليا وعطلت العمل بها، فضلًا عن حصار مدينة الإنتاج الإعلامي وتهديد العاملين فيها، وكذلك إصدار الإعلان الدستوري في نوفمبر 2012 الذي هدف إلى تحصين قرارات رئيس الجمهورية من أي طعن قضائي، وهو ما يقضي على فكرة مؤسسية الدولة واستقلاليتها.
ومثّلت هذه الحالة تحديًا أمام القيادة فيما يتعلق باتخاذ قرار 3 يوليو، لا سيّما وأن مؤسسات الدولة باتت في أجزاء كبيرة منها خاضعة بحكم استراتيجية الأخونة إلى قرار الجماعة، فضلًا عن عجزها عن تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، وعدم إقدام الجماعة على تنفيذ أي إصلاحات مؤسسية، ومن ثم راهنت القوات المسلحة على تماسك مؤسسات الدولة الصلبة وقدرتها على تخطي هذه المرحلة، ولم تركن إلى احتمالات الفوضى التي قد تعمد عناصر الإخوان إلى إحداثها في الشارع من خلال التغلغل داخل المؤسسات المختلفة؛ ذلك أن استمرار الوضع القائم يعني أن البلاد ستواجه مستقبلًا أكثر قتامة.