بعد أقل من ثلاثة شهور بأيام، وتحديدا يوم، 4 يونيو، مثل هذا اليوم 1970، أعلنت شركة «كينتنج» الكندية للبترول، رسميا، إلغاء عقدها مع إسرائيل للبحث عن البترول فى خليج السويس، باستخدام حفار البترول البحرى التابع لها، وفقا لما ذكرته «الأهرام» فى صفحتها الأولى يوم 5 يونيو 1970، مضيفة: «هذا الحفار نُسف فى ميناء أبيدجان فى مارس الماضى، وقالت الصحف البريطانية وقتها إن الكوماندوز المصريين هم الذين نفذوا العملية، ووصفوها بأنها كانت ضربة قاصمة لمشروعات إسرائيل فى خليج السويس».
أضافت«الأهرام»:«كانت الأنباء تسربت فى نوفمبر الماضى 1969 حول منح إسرائيل الشركة الكندية «كينتنج للبترول» عقدا بنصف مليون دولار للتنقيب عن البترول فى خليج السويس، وعلم بعد ذلك أن شركتين أخريين دخلتا فى العملية، وهما شركة «كينتنج» الكندية و«ميدبار» أحد فروعها المسجلة فى بريطانيا.
أكدت «الأهرام»: «جاء هذا الإعلان الرسمى ليؤكد أن إسرائيل اضطرت إلى التخلى عن القيام بالتنقيب عن البترول فى خليج السويس، وأعلنت الشركة فى بيانها أن الحفار معروض للبيع»، أوضحت، أن الحفار غادر أحد الموانئ فى نوفمبر الماضى «1969» بطريقة غامضة وتحركات بسرية كاملة، ثم عُلم أنه غادر داكار فى السنغال، ووصل إلى ميناء أبيدجان فى ساحل العاج، يوم 3 مارس الماضى، «1970» فى طريقه إلى رأس الرجاء الصالح ليدخل البحر الأحمر».
كان تقرير «الأهرام» يخفى بين سطوره ملحمة بطولية خالدة للمخابرات المصرية والضفادع البشرية، يذكر أمين هويدى، رئيس جهاز المخابرات وقتئذ، تفاصيلها فى كتابه «أضواء على النكسة وحرب الاستنزاف»، ويبدأها منذ أن قررت إسرائيل التنقيب عن البترول فى مياه خليج السويس أثناء احتلالها سيناء بعد نكسة 5 يونيو 1967، واستأجرت الحفار«كينتنج» لهذه المهمة، يؤكد «هويدى»: «كان الحفار إنجليزيا، اشترته شركة أمريكية كندية سجلت نفسها فى دنفر، بالولايات المتحدة الأمريكية، يجره جرار هولندى، وكان بذلك حفارا دوليا».
أخذ الحفار يتقدم إلى غرضه فى وقت قررت فيه مصر عدم تنفيذ مهمته بأى وسيلة، وحسب «هويدى»: «استقر الرأى فى بادئ الأمر على إغراقه بواسطة طائرتنا فى مكان مناسب بالبحر الأحمر، إلا أن اقتراحا آخر قُدّم بالتعامل معه بطريقة أهدأ، بعيدا عن مياهنا، حتى نتجنب أى تعقيدات دولية جديدة، فلدينا منها الكثير، ووافق عليه الرئيس جمال عبدالناصر».
يؤكد«هويدى»، أن السرية فُرضت على فترات التحضير والتنفيذ، وسميت بالاسم الكودى «الحاج»، وتم منع تبادل المذكرات أو الخطابات الكتابية بأى حال من الأحوال، وانحصر التخطيط والتجهيز فى أقل عدد ممكن من الأفراد، وأُعطيت المعلومات لهؤلاء بقدر حاجتهم إليها، بل حينما تحركت الأطقم للتنفيذ لم يكن الأفراد على علم لا بالوجهة التى يقصدونها، ولا بطبيعة العمل الذى سيقومون به، ولتعزيز السرية الكاملة، كان لا بد من الخداع، فتم إهمال أى أخبار خاصة بالحفار، وقامت اتصالات سريعة ملحة مع المركز الرئيسى للشركة الأمريكية الكندية فى دنفر لاستئجار الحفار بواسطتنا نظير مبلغ أضخم مما دفعته إسرائيل.
تكون فريق أبطال العملية، والذى قاده محمد نسيم، من: «الرائد خليفة جودت قائدا لمجموعة الضفادع الموكل إليها تنفيذ التدمير، وملازم أول حسنى الشراكى، ضابط عمليات، وملازم أول محمود سعد، ضابط عمليات، وضابط صف أحمد المصرى، مساعد عمليات، والرائد أنور عطية».
يكشف «هويدى» أن الأبطال انتحلوا شخصيات وأسماء، واستطاع أنور عطية ومحمد نسيم حمل الألغام المطلوبة والخروج بها من المطارات الأوروبية، حيث لم يكن هناك طيران مباشر بين القاهرة والدول الأفريقية.
فى 3 مارس 1970 تم رصد وصول الحفار إلى أبيدجان فى ساحل العاج، فوصلها «نسيم» يوم 6 مارس، ليجد مهرجانا ضخمًا بمناسبة استقبال رواد الفضاء الأمريكيين، فقدر أن الأمن سينشغل بها مما يهيئ فرصة التنفيذ، وفى الساعة الخامسة فجر 8 مارس، وضع ضباط الضفادع البشرية الألغام تحت جسم الحفار، وتم ضبطها على التفجير بعدها بثلاث ساعات، وفى الثامنة صباحا اهتزت أبيدجان على صوت الانفجارات، يؤكد «هويدى» أن الأبطال المصريين سمعوا صوت الانفجارات من بعيد، وكأنها أصوات أنغام، وعادت مجموعة إلى القاهرة عن طريق باريس، وعادت أخرى عن طريق أكرا عاصمة غانا، وبقى قائد العملية محمد نسيم، وكان أول من وصل إلى الحفار ليلتقط بعض الصور الفوتوغرافية».
أنعم الرئيس عبدالناصر على أبطال العملية بالنياشين، وحسب «هويدى»، أذاعت وكالة «فرانس بيرس» نبأ ضرب الحفار فى سطور قليلة، وفُرض على النبأ حظر شديد حتى لا يتداول، واللافت أن وسائل الإعلام المصرية لم تقترب من العملية إلا بعد فترة، وقدمتها «الأهرام» يوم 22 مارس 1970 نقلا عن مصادر أجنبية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة