لم يكن "الساحر" مجرد فيلم قدمه النجم الكبير الراحل محمود عبد العزيز يحمل نفس الاسم، لكنه لقب يعنى الكثير؛ فعندما تشاهد فقرات "الساحر" فى عروض السيرك، تصيبك الدهشة لما يصدر منه من أعمال خارقة، كذلك محمود عبد العزيز تصيبك نفس الدهشة وهو يتحول من شخصية إلى أخرى، قادر على إضحاكك كما أنه قادر على إبكائك، فارس أحلام الكثير من الفتيات كما أنه مَعلم فى الحارة الشعبية، وطنى وخائن، ضابط وتاجر مخدرات، باشا وأبلة، فكانت شخصياته تمثل الشىء وعكسه، وهذا التنقل السلس والممتع بين الأدوار ساهم بقوة فى تخليد اسم محمود عبدالعزيز واحدًا من أهم ممثلى السينما والدراما المصرية عبر تاريخها.
رغم وسامته التى ميزته وجعلته أحد "جانات" جيل السبعينات، إلا أنه رفض أن يظل حبيس تلك الشخصية التى تمتلك الشعر الأصفر والوجه الأبيض في فيلم "حتى آخر العمر" على سبيل المثال، وقرر أن يتقرب للجمهور بأعمال مختلفة، تنقله من صورة "الجان"، إلى الممثل الشامل الذى يستطيع تقديم أدوار مختلفة، سواء كانت كوميدية أو تراجيدية، بإتقان ونجاح.
"الجاسوس" في رأفت الهجان
فى أول أيام رمضان 1988، كان لقاء مشاهدى مصر والعالم العربى مع أولى حلقات مسلسل «رأفت الهجان»، وعلى الفور، امتد رابط متين سحرى، لم يضعف أبدا طيلة عقود، بين الجمهور ومسلسله المفضل، ليصبح أهم الأعمال الوطنية فى تاريخ الدراما المصرية والعربية.
شخصية رأفت الهجان التى رسمت بقلم الكاتب صالح مرسى كثيرة التفاصيل ومليئة بالتحولات والحالات الشعورية المختلفة جسدها محمود عبد العزيز ببراعة، وقدم مشاهد التحم بها فخرجت بصدق، من تلك المشاهد التى عبرت عن النكسة، وكان عليه أن يظهر الفرحة ويخفى شعورا بالقهرة والصدمة، فمزج بين الشعورين بأداء بديع جعل المخرج يحيى العلمى يصور مشهد الرقص وسط البار بكاميرا يدوية لأول مرة فى تاريخ الدراما ليسقط محمود عبد العزيز فجأة على الأرض ولا يدرى أحد فى اللوكيشن هل كان ذلك جزءا من المشهد أم حالة شعورية اصابت النجم محمود عبد العزيز .
أما عن مشهد تنحى الرئيس جمال عبد الناصر، كشف محمد محمود عبد العزيز أنه حضر تصوير المسلسل بأجزائه الثلاثة، لكن تنحى الرئيس كان رعبا بالنسبة له. وقال: "فى حالة التنحى حصلت حالة غير مفهومة، أبويا فضل يعيط بعد ما المخرج قال Cu، وطلع غرفته وكمل عياط ومحدش عارف يفصله".
"الخائن" فى إعدام ميت
فى "إعدام ميت" كان يجسد محمود عبد العزيز شخصية "جاسوس خائن، وضابط" وفى كثير من الأحيان كان يلعب الشخصيتان معًا فى اليوم الواحد محافظًا على نفس أدئه الانفعالى للشخصيتين.
وتحدث المخرج على عبد الخالق عن ذكرياته مع الساحر فى هذا الفيلم، بقوله: «إن محمود عبدالعزيز بكى بشدة بعد انتهاء تصوير مشهد الإعدام فى فيلم "إعدام ميت" لأنه تقمص الشخصية وعاش اللحظة بكل تفاصيلها، مشيراً إلى أنهم كانوا يصورون فى سجن حقيقى وقبل تصوير المشهد شحنه نفسيًا، وأكد له أن مشهده سوف يقارن بمشهد الرائع عبد الوارث عسر فى فيلم "صراع فى الوادى" للمخرج يوسف شاهين.
تاجر المخدرات الفيلسوف في "الكيف"
من أهم الأعمال التى تعرضت لخطورة المخدرات على وعى الشعوب، ولكن تلك المرة بشكل ساخر، بل ناقش قضية "الكيف" بشكل عام سواء كان متجسدا فى المخدرات أو فى السيل الجارف من الأغانى الهابطة التى تساهم فى انحدار الذوق العام، وهو الفيلم الذى ما زلنا نستخدم العديد من مصطلحاته و"قفشاته" الكوميدية حتى الآن.
إيفيهات محمود عبد العزيز خلقت حالة من الهزل ليكـون معـادلا للمناقشات المنطقية مع شقيقه "يحيى الفخرانى" الأول غارق فى ملذاته وله فلسفة ولغة خاصة فى التعامل مع الحياة، والآخر يعيش حياته وفق المبادئ والمثل العليا.
المعلم "عبد الملك زرزور" في "إبراهيم الأبيض"
ليس واضحًا إن كان الفيلم يريد تسليط الضوء على إبراهيم الأبيض وجعله أسطورة أم أن بطل الأسطورة فى الفيلم هو عبد الملك زرزور، وقدم محمود عبد العزيز الشخصية بمختلف حالاتها فهو شخص يقتل بدم بارد، قاسٍ لا يهاب الموت حتى وإن كانت سكينة على رقبته بينما هو يشرب قهوته بأريحية، أو حتى عشقه لحورية والتى جعلته يبدو أمامها كمراهق يحب معلمته.
عظمة شخصية "زرزور" ليست فى كتابتها بقدر ما تبدو فى تمثيلها بأداء الساحر محمود عبد العزيز، لتصبح جمل "زرزور" "كوميكس" عبر مواقع التواصل الاجتماعى، لبراعته فى تقديم الدور، بعد أن طغى حضوره الصوتى والشكلى على ما سواه من عناصر العمل، فجملة "الإنسان ضعيف" لم تُنطق كما كُتبت، بل نطقها "الإنسان دعييف"، وهذا هو الممثل الواعى محمود عبد العزيز .
الشيخ حسنى الكفيف فى "الكيت كات"
"الشيخ حسني"، الشيخ الفلتان الذى يقضى ما تبقى من عمره فى الغناء حول دخان الحشيش بعد أن ماتت زوجته. فى رائعة «داوود عبد السيد» المأخوذة عن رواية الكاتب «إبراهيم أصلان» التى تحتفى بما تبقى من حياة المصريين البسيطة فى ظل صعود الرأسمالية .
تلاشت شخصية محمود عبد العزيز أثناء تصوير شخصية الشيخ حسنى فيلم "الكيت كات"، وأصبح كل منهما يعبر عن الآخر، حتى أن مخرج العمل داوود عبد السيد كان يمسك بيده فى بعض الأوقات اعتقادًا منه أنه ضرير، وكان أول فيلم يحقق المعادلة بين فيلم الشباك والإيرادات وبين فيلم الجوائز والمهرجانات.
الفنان محمود عبد العزيز كان قد تحدث عن الفيلم وقال إن شخصية الشيخ حسنى لم تكن مكتوبة على الورق مثلما قدمها بل حاول تطويرها ومعايشتها ولجأ إلى أطباء لدراسة تحركات وإيماءات الكفيف كيف يشعر وكيف يرتدى ملابسه، كما انه زار دارا للمكفوفين لمعايشتهم قبل تصوير الفيلم .
ابن البلد والمجنون في "الدنيا على جناح يمامة"
من أهم الأفلام التى قدمها الفنان الراحل محمود عبد العزيز فهو أكثر فيلم أظهر شخصية محمود عبد العزيز الحقيقية بكل مافيها من جماليات بدءًا من خفة دم ولاد البلد وجدعنة الشخصية السكندرية .
شخصية "الأسطى رضا" كتبها وحيد حامد بطريقة هي الأقرب للمواطن المصري في الأحياء الشعبية، حاول تقديم نموذج للرجل المصري الشهم صاحب الدم الخفيف، كما أن تلك الشخصية كان مفتاحا للكوميديا داخل الفيلم من خلال التركيز تعليقاتها المستمرة وردود أفعالها.
"بلحة" شخصية أخرى رائعة اخترعها السيناريست الكبير وحيد حامد فى فيلم "الدنيا على جناح يمامة" وعلى الرغم من المدة القصيرة لظهور هذه الشخصية على الشاشة فى الفيلم، والتى لم تزد عن دقيقتين فقط، إلا أن الشخصية استطاعت أن تأسر الجماهير.
إسكندرانى أصيل في "محمود المصرى"
للشخصية السكندرية سمات خاصة تميزها عن غيرها من أبناء المحافظات الأخرى، فلا شك أن للبحر تأثير كبير على مواطنى عروس البحر، وبمجرد أن تقابل مواطنًا سكندريًا تعرفه بسهولة لا للهجته فقط ولكن لروحه أيضًا، تلك الروح التى لا يمكن وصفها فى كلمات، فقط يكفيك أن تشير إلى الفنان الراحل محمود عبد العزيز ابن الورديان كنموذج أمثل للشخصية السكندرية بخفة ظله وجدعنته، فانظر إليه حين يرقص فى أعماله هكذا يرقص الإسكندرانية فى أفراحهم، واسمعه حين يتحدث فى لقاءاته تجده متأثرًا باللهجة السكندرية التى لم تتأثر بأضواء الشهرة فى العاصمة القاهرة.
ظهر ذلك جليا في مسلسل "محمود المصرى" إذ عبر الساحر محمود عبد العزيز عن عشقه للإسكندرية، وهو يقول فى أحد مشاهد المسلسل وهو يقف أمام شاطئ بحر الإسكندرية: "ياه يا إسكندرية، وحشتينى، لفيت وشوفت بحور الدنيا كلها، بس بحرك انت مالوش زي، ايوووه، بحبك يابنت الذين، بحبك قوى".
"معاق" فى وكالة البلح
فيلم "وكالة البلح"، تعرض فيه الساحر "محمود عبد العزيز" إلى فئة المعاقين ذهنيا، إلا أن الجمهور عرف، من خلال ذلك الدور، مدى إخلاص هؤلاء حينما يلامس الحب قلوبهم، فهو "عبدون" الذي يخلص في حب "نعمات"، أو النجمة نادية الجندي، ويدرأ عنها أي خطر تتعرض له، غير أن عبقرية "الساحر" ظهرت خلال المشهد الأخير من الفيلم حينما قتلها بالخطأ بقصد الدفاع عنها، قبل أن ينخرط في البكاء ويودعها الوداع الأخير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة