كان الرئيس السادات يعبر قناة السويس من بورسعيد إلى الإسماعيلية على المدمرة «6 أكتوبر»، وهو فى قمة النشوة والزهو، كان الحدث هو إعادة تشغيل القناة يوم 5 يونيو، مثل هذا اليوم، 1975، بعد إغلاقها ثمانى سنوات منذ هزيمة 5 يونيو 1967، وفى المسافة بين بورسعيد والإسماعيلية كان معه على المدمرة «6 أكتوبر» ولى عهد إيران، الأمير رضا بهلوى، ونائب الرئيس محمد حسنى مبارك، ورئيس الوزراء ممدوح سالم، ووزير الحربية محمد عبدالغنى الجمسى، وآخرين، وفقا للأهرام «6 يونية، مثل هذا اليوم، 1975».
فى المسافة بين بورسعيد والإسماعيلية، تحدث السادات إلى الصحفيين المصريين والعالميين المرافقين، كان من بينهم رؤساء تحرير الصحف المصرية، وكتب رئيس تحرير «الأهرام» على حمدى الجمال، نص الحديث فى الأهرام يوم 6 يونيو 1975.. وبعد أن عبر السادات عن حقيقة مشاعره مع حدث الافتتاح سئل عن ذكرياته مع القناة، فأجاب: «كنت دائمًا أمضى الصيف فى بورسعيد، وحدث مرة قبل تأميم القناة «26 يوليو 1956» بحوالى أسبوعين، أن حضرت كعادتى إلى بورسعيد فأوقفونى عند البوابة، وكنت يومها عضوًا فى مجلس قيادة الثورة «23 يوليو 1952»، وطلبوا منى إبراز التصريح للدخول، ولما سألت: تصريح إيه؟.. قالوا تصريح من شركة القناة للمرور من البوابة.. أتذكر أننى يومها ثورت ثورة عارمة وصممت على الدخول، إذ كيف يمكن لمصرى أن يمنح تصريحًا من شركة أجنبية لكى يمر على أرض بلاده، ولم أنم ليلتها إلا بعد أن اتصل بى المحافظ وأبلغنى أنه تقرر إلغاء أمر هذه التصاريح، وأبلغت جمال عبدالناصر بالواقعة، وبعدها بأسبوعين أممت القناة».
سئل عن ذكرياته مع القناة قبل حرب أكتوبر 1973، فأجاب: «حضرت إلى مواقع قواتنا المسلحة فى أكتوبر 1972، وكنا انتهينا من بناء المواقع المرتفعة التى تكشف مواقع العدو على الضفة الشرقية، وكان معى فى ذلك الوقت المشير أحمد إسماعيل «وزير الحربية أثناء حرب أكتوبر»، وذكرنى بعد المعركة أننى عندما زرت فى ذلك اليوم قواتنا فى القنطرة، والتقيت مع فؤاد عزيز غالى القائد الذى كان مكلفا بالهجوم على العدو فى القنطرة شرق، وأخذت أسأله وأخذ يشرح إلى درجة تصور عنها أننى سوف أصدر له قرار الهجوم، وزرت الموقع مرة أخرى يوم 5 يونيو 1973، ويومها أعطيت ما أطلق عليه بالتدمير العسكرى فى القرار الأخير للحرب.
سئل: «هل ستسمح السلطات المصرية بمرور الحمولات الإسرائيلية؟».. أجاب: «صرحت من قبل أكثر من مرة أن مرور السفن فى القناة شىء ومرور الحمولات شىء آخر، فاتفاقية 1888 تحول بين الدول التى تكون فى حالة حرب مع مصر وبين المرور فى القناة، ونحن فى حالة حرب مع إسرائيل منذ 27 عاما، ولم تمر لها سفينة واحدة على طول تلك السنين، ولن نسمح بمرور سفينة إسرائيلية واحدة مادامت أن الحرب قائمة بيننا وبينهم، أما عن الحمولات فهذا يتوقف على سلوك إسرائيل، والمشكلة ليست فى مرور بضائع إسرائيلية، ولكن فى كيف ستتصرف إسرائيل بالنسبة لتحقيق السلام».
سكت السادات ثم انتقل إلى نقطة أخرى، وطبقا للجمال: «بدا أنه تذكر شيئا، ثم قال: «أذكر عندما كنت أعمل صحفيا مثلكم، وكنت أشرف على جريدة الجمهورية، وكان علىّ أن أكتب مقالى اليومى، وكنا هنا فى بورسعيد، وأنظر حولى فأرى السفن تقف عند مدخل بورسعيد بأضوائها الساطعة، وعلى الناحية الأخرى أرى سفن العالم كلها تعبر القناة.. أذكر أننى يومها لم أكتب مقالا، بل كتبت قصيدة أصف فيها ما حولى ونشرتها فى الجمهورية فى اليوم التالى».
يضيف السادات: «أذكر أننى سمعت فى الإذاعة قصيدة للشاعر الأبنودى عن حرب أكتوبر يتحدث فيها عن قرية من قرى السويس، يروى فيها قصة عائلة تعيش فى القرية وتناضل وتكافح من أجل النصر».. سكت الرئيس وقال: «ليته يقول هذه القصيدة بعد أن عبر أولادى الضفة الشرقية، وحققوا النصر بإرادتهم وإيمانهم، وعبروا بذلك عن بسالة مصر وصمودها.. إن المعركة لا شك يمكن أن تكون وحيا وإلهاما من كتابنا وشعرائنا».
يذكر «الجمال» أن الرئيس نظر إلى الكاتب عبدالرحمن الشرقاوى، وقال له: «المعركة تحتاج إلى ملحمة يا عبدالرحمن».. فرد عبدالرحمن قائلا: «مؤكد يا سيادة الرئيس».. ثم قال الرئيس: «لا بد وأن نسجل كل أعمال البطولة التى حققناها فى حرب أكتوبر».. وهنا نظر الرئيس إلى الفريق الجمسى وقال له: «ليه ما بتنشرش قصص البطولة؟.. رد الجمسى: «سجلناها كلها ولكن سيادتك تعرف أننا نسجل بالأسلوب العسكرى، وأنه يكون جافا بعض الشىء».. رد السادات: «لا أعطيها للصحفيين هم قادرون على صياغتها بأسلوبهم».. رد الجمسى: «حاضر يا سيادة الرئيس».