أشار البنك الدولى فى تقرير حديث له مجمع من خطة منظمتى الصحة والتجارة العالمية والبنك الدولى وصندوق النقد، أن هناك تحديات ملحة تواجه العالم، إذ بات من الواضح وضوح الشمس أن تحقيق التعافى من جائحة كورونا على نطاق واسع لن يتأتى من دون إنهاء الأزمة الصحية، والحصول على اللقاح مفتاح تحقيق الغايتين كلتيهما.
وأضاف التقرير: "لقد أحرز تقدّم باهر على جبهة اللقاح. فقد توصل العلماء إلى لقاحات متعددة فى وقت قياسى. وسخرت الجهات الحكومية والجهات الخاصة تمويلاً غير مسبوق دعماً لأبحاث اللقاحات وتطويرها وتصنيعها على نطاق واسع، لكن ثمة فجوة خطيرة لا تزال قائمة بين أغنى البلدان وأفقرها"
والواقع أنه فى الوقت الذى بدأت فيه بعض البلدان الثرية بحث إمكانية نشر جرعات معزّزة من اللقاح لحماية سكانها، فإن الغالبية الساحقة من سكان البلدان النامية - بل حتى أن العاملين الصحيين فى الصفوف الأمامية - لم يتلقوا حتى الجرعة الأولى. ويشتد الأمر وطأة فى البلدان المنخفضة الدخل التى تلقت أقل من 1 فى المائة من اللقاحات المقدمة حتى الآن.
وبذلك أصبحنا نسير بشكل متزايد نحو جائحة مزدوجة المسار، حيث أغنى البلدان تحصل على اللقاح وأفقر البلدان متروكة خلف الركب.
غير أن عدم الإنصاف فى إنتاج اللقاحات وتوزيعها لا يترك ملايين لا حصر لها من الأفراد تحت رحمة الفيروس فحسب، وإنما يفسح المجال أيضاً لظهور متحورات فتاكة يرتد أثرها القاتل على العالم بأسره. فالمتحورات الجديدة، دفعت البلدان، حتى تلك التى تنفذ برامج تطعيم متقدمة، إلى إعادة فرض تدابير صحة عامة أشد صرامة، بل عاد بعضها إلى تطبيق قيود السفر. وفى المقابل، تؤدى الجائحة الجارية إلى تعميق الفوارق فى الثروات الاقتصادية بعواقب وخيمة على الجميع.
ولا ينبغى أن يكون الوضع كذلك. لذلك ندعو اليوم إلى مستوى جديد من الدعم الدولى لاستراتيجية تنسيق معزز مدعومة بتمويل جديد وتنفيذها لتطعيم سكان العالم جميعاً.
وقد عرض موظفو صندوق النقد الدولى مؤخراً مقترح خطة بغايات واضحة، وإجراءات عملية، وتكلفة مجدية.
وتستند الخطة إلى العمل الجارى الذى تضطلع به المنظمة وشركاؤها فى إطار مبادرة تسريع إتاحة أدوات مكافحة جائحة كورونا، (مسرّع الإتاحة)، وبرنامجها العالمى لإتاحة اللقاحات (كوفاكس)، فضلاً عن عمل مجموعة البنك الدولى ومنظمة التجارة العالمية وجهات أخرى كثيرة.
وبميزانية تقدر بمبلغ 50 مليار دولار أميركى، ستساهم الخطة فى تسريع وتيرة إنهاء الجائحة فى العالم النامى، والحد من حالات الإصابة بالعدوى وفقدان الأرواح، وتسرّع خطى التعافى الاقتصادى، وتولد نحو 9 تريليونات دولار أميركى من الإنتاج العالمى الإضافى بحلول عام 2025. الكل رابح فى هذه الخطة - علما بأن نحو 60 فى المائة من المكاسب ستجنيها الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، فى حين أن 40 فى المائة من هذه المكاسب سيستفيد منها العالم المتقدم، ناهيك عما سيعود من منافع لا تُقدّر بثمن على صحة الناس وحياتهم.
ما الذي تنطوى عليه الخطة؟
أولاً، زيادة طموحنا وتطعيم المزيد من الأفراد بوتيرة أسرع من ذى قبل؛ وقد وضعت المنظمة وشركاؤها فى مبادرة «كوفاكس» هدف تطعيم 30 فى المائة على الأقل من السكان فى جميع البلدان بحلول نهاية عام 2021، وقد ترتفع هذه النسبة إلى 40 فى المائة من خلال اتفاقات أخرى وزيادة الاستثمارات، وقد تصل إلى 60 فى المائة بحلول النصف الأول من عام 2022.
ويقتضى تحقيق هذا الهدف تسخير تمويل إضافى للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وتخصيص جزء كبير منه فى شكل منح وتمويل ميسر. ومن أجل إيصال اللقاحات عاجلاً إلى مستحقيها من الأفراد، يجب التبرع فوراً بالجرعات للبلدان النامية، ويجب أن يتزامن ذلك مع خطط وطنية لنشر اللقاح بسبل منها مرفق كوفاكس. ويتعين أيضاً إقامة تعاون تجارى لضمان تدفقات حرة عبر الحدود وزيادة إمدادات المواد الأولية واللقاحات الجاهزة.
ثانياً، التأمين ضد مخاطر الخسارة الناجمة مثلاً عن ظهور متحورات جديدة قد تتطلب جرعات معززة. وهذا يعنى ضرورة الاستثمار فى تعزيز قدرة إنتاج اللقاح بمقدار مليار جرعة على الأقل، وتنويع الإنتاج بحيث يشمل الأقاليم التى تفتقر حالياً إلى القدرة على الإنتاج، وتقاسم التكنولوجيا والدراية، وزيادة الترصد الجينومى والرقابة على سلسلة الإمداد، ووضع خطط للطوارئ للتعامل مع طفرات الفيروس واضطرابات الإمداد.
ويجب إزالة كل العراقيل أمام توسيع نطاق الإمدادات، وندعو أعضاء المنظمة إلى تسريع المفاوضات من أجل التوصل إلى حل عملى بشأن جوانب الملكية الفكرية. وتبذل العديد من البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل أيضاً جهوداً للاستثمار فى قدراتها الخاصة بالتصنيع المحلى، وهو ما يعدّ ذا أهمية محورية ليس لإنهاء هذه الجائحة فحسب، بل للتأهب لمثيلاتها أيضاً.
ثالثاً، المبادرة فوراً إلى تعزيز تدابير الاختبار وتتبّع المخالطين وزيادة إمدادات الأكسجين وتقوية التدابير العلاجية وتدابير الصحة العامة، مع العمل فى الآن ذاته على زيادة توزيع اللقاحات وتعزيز مبادرة مسرّع الإتاحة. وتواظب المنظمة واليونيسيف والبنك الدولى وتحالف «غافي» على إجراء تقييمات لمدى الاستعداد لتلقى اللقاحات فى أكثر من 140 بلداً نامياً، وتقديم الدعم الميدانى والتمويل استعداداً لنشر اللقاح.
وماذا عن التكلفة؟
من مجموع التكلفة المقدّرة بمبلغ 50 مليار دولار أميركى، هناك حاجة قوية إلى أن يتأتى مبلغ 35 مليار دولار على الأقل، فى شكل منح مالية. وقد صدرت إشارات إيجابية بالفعل من حكومات «مجموعة العشرين» التى أقرّت بأهمية المساهمة بمبلغ تمويل إضافى بنحو 22 مليار دولار أميركى لمبادرة تسريع الإتاحة فى عام 2021.
وهناك حاجة إلى تمويل إضافى بنحو 13 مليار دولار أميركى لإعطاء دفعة قوية لإمدادات اللقاح فى عام 2022 وزيادة الاختبارات والعلاجات والترصد. أما المبلغ المتبقى من خطة التمويل العام - أى زهاء 15 ملياراً - فيمكن أن يتأتى من الحكومات الوطنية بدعم من المصارف الإنمائية المتعددة الأطراف، ومنها البنك الدولى الذى خصص مبلغ 12 مليار دولار أميركى لتيسير تمويل حملات التطعيم.
فالخطة تقتضى التمويل مقدماً والتبرع باللقاحات مقدماً والتخطيط والاستثمارات التحوطية مقدماً أيضاً، بدلاً من التعهدات التى قد يتباطأ تنفيذها. ومن الضرورى إتاحة كل ذلك فى أسرع وقت ممكن.
وتقتضى الخطة أيضاً تنسيق الجهود العالمية، استناداً إلى الشفافية التامة فى عملية الشراء والتسليم. فنجاح الاستراتيجية يتوقف على العمل المتناغم للأطراف كافة - القطاع العام، والقطاع الخاص، والهيئات المالية الدولية، والمؤسسات الخيرية.
ولعلّ تخصيص 50 ملياراً لإنهاء الجائحة سيكون أفضل استثمار للأموال العامة نشهده فى حياتنا، وسيعود بمنافع إنمائية جمة ويعزز النمو والرفاهية فى العالم.
غير أن الوقت المتاح أمامنا لاغتنام الفرصة ينفد بسرعة - فكلما تأخرنا ازدادت التكلفة التى ندفعها من حيث المعاناة البشرية والخسائر الاقتصادية.
وباسم منظماتنا الأربع، نعلن عن التزام جديد بالعمل معاً على زيادة التمويل المطلوب، ورفع حجم التصنيع وضمان الانسياب فى تدفقات اللقاحات والمواد الأولية عبر الحدود لتحقيق زيادة كبيرة فى إتاحة اللقاح دعماً للاستجابة الصحية والتعافى الاقتصادى، وبثّ الأمل الذى نحتاجه جميعاً.
وتسعى مؤسساتنا جاهدة لتحويل هذا الأمل إلى واقع؛ فصندوق النقد الدولى يعكف على تخصيص حقوق سحب خاصة غير مسبوقة لدعم الاحتياطيات والسيولة لدى أعضائه.
ومنظمة الصحة العالمية منكبة على تحديد التمويل المطلوب لكى يتسنى الوفاء بالاحتياجات الملحة لخطتها الاستراتيجية للتأهب والاستجابة ولشراكة مسرع الإتاحة، فى حين يعمل مجمّع إتاحة تكنولوجيات مكافحة «كوفيد - 19» (C - TAP)على حفز تقاسم الخبرات والتكنولوجيا.
أما البنك الدولى فسينفذ مشاريع فى 50 بلداً على الأقل بحلول منتصف العام - حيث تعكف مؤسسة التمويل الدولى على تعبئة القطاع الخاص لدعم توريد اللقاح إلى البلدان النامية.
وتعمل منظمة التجارة العالمية من جهتها على تحرير سلاسل الإمداد لإنجاح الخطة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة