يواصل "اليوم السابع" تقديم خدماته "فتوى اليوم"، حيث ورد سؤال لدار الإفتاء نصه..حكم استبدال لحوم الاضاحى؟..وجاء رد الدار كالآتى:
الاستبدال فى لحوم الأضاحى بعد ذبحها لمصلحة الفقراء لا مانع منه شرعًا؛ بل هو سعي محمود فى جلب المصالح مثابٌ عليه مِن قِبَل الشرع؛ لأن الجهة الخيرية شخصية اعتبارية تقوم ببعض مهام الخير التى كان يقوم بها بيت المال؛ من إطعام الطعام، ورعاية الفقراء والمساكين، ومثل هذه الشخصية الاعتبارية العامة كما أن لها أن تقبل وكالة الناس لها بشراء الأضاحى، فلها أيضًا أن تتصرف فى هذه الأضاحى كالوكيل عن الفقراء والمحتاجين بما هو أنفع لهم وأكثر زيادة لنسبة استفادتهم، وذلك كله من عمل الخير الذى تثاب عليها الجهة الخيرية شرعًا؛ حيث إنها مِلْكٌ للأمة ووظيفتها النظر فى تحقيق المصلحة العامة التى تعود بالفائدة على عموم الناس.
وما جاء فى السنة النبوية الشريفة من النهى عن بيع لحوم الأضاحى فالمعنى فيه: أن الأضحية قد أخرجها صاحبها خالصة لله تعالى، فلا يجوز أن يعود إلى مالكها منها شىء، فإذا باع المضحِّي شيئًا من أضحيته فكأنه رجع فيها على قدر ما استرده من ثمنها، وهذا لا يحل، وهذا غير متصور هنا؛ فإن الجهة الخيرية مؤسسة اعتبارية معنوية تسعى للمصلحة في توزيع اللحوم على الناس؛ بزيادة نصيب الفقراء والمحتاجين منها، وزيادة أعداد المستفيدين منهم، وليست هي شخصية طبعية حتى يُتَصَوَّر في حقها أن تستفيد لخاصة نفسها من ذلك استفادةَ المُتَمَوِّل المُتَأَثِّل، وحينئذٍ فلا يدخل تصرفها فى النهى الشرعى عن بيع لحوم الأضاحى.
وعلى قول المانعين فإنهم أجازوا للفقير التصرف فيما أخذه من الأضحية كما يشاء، والجهة المذكورة قد وكّلها ولى الأمر للنظر فى إطعام الفقراء وتوزيع الأضاحى عليهم، فتصرفها فيها منوط بالمصلحة؛ فصارت كالوكيل عن الفقراء بِمَا فيه مصلحتُهم؛ بيعًا واستبدالًا وتوزيعًا.
واستبدال اللحوم ببعضها مباشرة من غير توسط ثمن لا مانع منه في هذه الحالة شرعًا؛ وذلك للمصلحة المذكورة؛ وذلك أخذًا بأحد القولين عند الشافعية بجواز بيع اللحم الطرى باللحم الطرى ولو مع اتفاق الجنس، وإن لم يكن هو المعتمد عندهم، وقد حكاه الإمام أبو العباس بن سُرَيْج قولًا للإمام الشافعي رضي الله عنه؛ قال الشيخ أبو إسحاق الشيرازى الشافعى فى "المهذب" (2/ 33، ط. دار الكتب العلمية): [وفى بيع اللحم الطري باللحم الطري طريقان: (أحدهما): وهو المنصوص: أنه لا يجوز؛ لأنه يُدَّخَرُ يابِسُه، فلم يَجُزْ بيعُ رَطْبِه برَطْبِه؛ كالرُّطَب والعِنَب، (والثاني): وهو قول أبي العباس: أنه على قولين؛ لأن مُعظَمَ منفعته في حال رطوبته؛ فصار كالفواكه] اهـ.
كما أن الحنفية نصوا على أنه يجوز للشخصية الاعتبارية - كبيت المال والوقف - ما لا يجوز للشخصية الطبعية؛ مثل أن تستقرض بالفائدة، وهذا يقتضى الجواز فى مثل هذه الصورة أيضًا.
كما أنه لا مانع أيضًا من تقديم أخذ اللحوم البديلة الزائدة قبل وقت الذبح الشرعي لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين كصدقات حتى يشاركوا الناس فرحة العيد؛ بناءً على أن هذه الجهة وكيلة عن الفقراء في فعل الأصلح لهم، ولا شك أن تكثير الكم في مثل هذا الموطن مقصد شرعيٌّ معتبر؛ ليستفيد باللحوم أكبر عدد ممكن من الفقراء والمساكين.
وبناءً على ذلك: فيجوز للجهة الخيرية المذكورة استبدال لحوم زائدة بلحوم الأضاحي ما دام ذلك أنفع فى توسيع دائرة التوزيع على الفقراء والمحتاجين، كما يجوز لها أخذ اللحوم البديلة قبل وقت الذبح لتوزيعها كصدقات، وهذا كله مشروط بأن تذبح الأضاحى التى هى أساس الوكالة فى وقت الذبح الشرعى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة