تمر اليوم الذكرى الـ809 على وقوع معركة العقاب التى انهزم فيها الموحدون وخسروا معظم أملاكهم فى الأندلس، وهى معركة وقعت فى 16 يوليو 1212م، الموافق لـ 609هـ، شكلت نقطة تحول فى تاريخ شبه جزيرة أيبيريا.
تجمعت قوات الملك ألفونسو الثامن ملك قشتالة ومنافسوه السياسيين سانشو السابع ملك نافارا وألفونسو الثانى ملك البرتغال وبيدرو الثاني ملك أراغون ضد قوات الموحدين حكام الجزء الجنوبى من شبه الجزيرة الأيبيرية ومناطق واسعة من شمال وغرب أفريقيا. قاد قوات الموحدين السلطان محمد الناصر التي جاءت من شتى مناطق الدولة للمشاركة في المعركة.
وبحسب موسوعة "تاريخ الإسلام" بعد الانتصار الباهر الذي حققه الموحدون حكام الأندلس والمغرب على صليبي الأندلس في معركة الأرك سنة 591هـ، ركن الصليبيون للمهادنة انتظارًا للفرصة السانحة للوثوب مرة أخرى، وكان ألفونسو الثامن منذ هزيمة الأرك الساحقة يتوق إلى الانتقام لهزيمته وغسل عارها الذي جلل سيرته وفترة حكمه، فلما اشتعلت ثورة بني غانية وهم من أولياء دولة المرابطين التي كانت تحكم الأندلس والمغرب قبل الموحدين، في شرق الأندلس وشمال إفريقيا انشغل زعيم الموحدين الناصر لدين الله بقمع هذه الثورة، وذلك منذ سنة 595هـ حتى سنة 607هـ، وهي السنة التي قرر فيها ألفونسو الثامن الهجوم على الأندلس مرة أخرى.
بدأ ألفونسو الثامن حملته الصليبية على الأندلس بإزالة الخلافات العميقة بين ممالك إسبانيا الثلاثة (قشتالة - ليون - أراجون) والتي كانت سببًا مباشرًا لهزيمة الصليبيين المدوية في معركة الأرك سنة 591هـ، ثم قام ألفونسو الثامن بطلب المعونة والمباركة من بابا روما، وهو البابا إنوصان الثالث وكان يضطرم بروح صليبية عميقة ويجيش بأحقاد عظيمة تجاه المسلمين الذين أفشلوا الحملات الصليبية على الشام وحرروا القدس، فوافق البابا على ذلك الطلب وأعلن شن حرب صليبية ضد مسلمي الأندلس، بعدها بدأت التحرشات الإسبانية.
كان لاستئناف نصارى إسبانيا لغزواتهم المخربة في أراضي الأندلس أثر بالغ في الدولة الموحدية قرر معه الخليفة الموحدي الناصر لدين الله العبور إلى بلاد الأندلس، فأرسل كتبه إلى سائر أنحاء المغرب وإفريقية وبلاد القبلة كلها بالنفير للجهاد ضد الصليبيين وإعداد العدة اللازمة لذلك، في شعبان سنة 607هـ خرج الناصر بجحافل جرارة تقدر بمئات الآلاف وهذه الضخامة كانت في النهاية سببًا مباشرًا للهزيمة.
وصلت الجيوش الموحدية لـ إشبيلية في آخر ذي الحجة سنة 607هـ، وهناك انضم إليه أعداد كبيرة من جنود الأندلس وأصبحت الجيوش في حالة تعبئة كاملة، وحدد الناصر هدف الهجوم وهو قلعة شلبطرة في جبال الشارات سييرامورنيا الآن، وكانت هذه القلعة بيد فرسان المعبد الصليبى، وكانت نقطة إغارة دائمة للصليبيين على المدن الإسلامية بالأندلس، فطوق الموحدون القلعة وضربوها بالمجانيق حتى فتحوها بعد 51 يومًا من الحصار.
كان لفتح هذه القلعة أثر شديد فى قلوب الصليبيين خصوصًا ألفونسو الثامن للأهمية الكبيرة لهذه القلعة، فقرر الهجوم على قلعة رباح وكانت نظيرة قلعة شلبطرة في الأهمية والمكانة عند المسلمين، وقد انضم لألفونسو آلاف المتطوعين من فرنسا وألمانيا وهولندا وإنجلترا ومجموعة كبيرة من الأساقفة والرهبان، إضافة للفرسان الأسبتارية والداوية الذين انتقلوا من الشام إلى الأندلس لحرب المسلمين، وأمر البابا إنوصان الثالث في روما بالصوم ثلاثة أيام التماسًا لانتصار الجيوش الصليبية على مسلمي الأندلس، وأقيمت الصلوات العامة وعمد الرهبان والراهبات إلى ارتداء السواد والسير حفاة في مواكب دينية بخضوع وتمهل ومن كنيسة إلى أخرى، وجاشت نفوس الأوربيين كافة بروح صليبية عارمة.
هجم الصليبيون بشدة على قلعة رباح وشددوا عليها الحصار حتى أجبروا حاميتها الصغيرة على الاستسلام نظير الأمان، وقد أدى هذا الأمان لغضب الصليبيين الفرنجة الذين جاءوا من أوربا الذين أرادوا ذبح الحامية الإسلامية ورفض أي تسوية سلمية تحقن دم المسلمين، وتنامى هذا الغضب حتى انشق كثير منهم وتركوا ألفونسو الثامن وعادوا إلى بلادهم.
وكانت هذه الهزيمة الساحقة أول مسمار فى عرش دولة الموحدين الكبيرة وإيذانًا بانهيار مملكتهم الواسعة وحول ميزان القوى بالأندلس لصالح الإسبان، وقد عم الابتهاج والفرح في أنحاء أوربا وأقيمت صلوات شكر مخصوصة قام بها إنوصان الثالث بنفسه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة