تطورت حركة التصنيع فى مصر بعد ثورة 23 يوليو عام 1952 تطوراً ملحوظاً، فقد كان حلم يوليو الصناعى هو تصنيع كل شىء من "الابرة إلى الصاروخ" مع اهتمام خاص بالتصنيع العسكرى استجابة لروح التحدى العسكرية التى كانت تحيط بمصر فى ذلك الوقت، وأعطيت الأولوية للصناعات الكيماوية والغزل والنسيج والصناعات المعدنية خاصة الحديد والصلب والأسمنت.
ووفقا لتقرير للهيئة العامة للاستعلامات، فقد تركزت هذه الصناعات الوطنية على الشريط المأهول من وادى النيل فى جنوب الصعيد والقاهرة والدلتا والإسكندرية، وأقامت الثورة مصانع الحديد والصلب من أجل تطوير الصناعات الثقيلة، مجمع مصانع الألمونيوم فى نجع حمادى وهو مشروع عملاق بلغت تكلفته ما يقرب من 3 مليارات جنيه، وشركة الأسمدة كيما، ومصانع إطارات السيارات الكاوتشوك، ومصانع عربات السكك الحديدية سيماف، ومصانع الكابلات الكهربائية، وتوليد طاقة كهربائية من السد العالى تستخدم فى إدارة المصانع وإنارة المدن والقرى، كما تم بناء المناجم فى أسوان والواحات البحرية، وأقيمت المصانع الحربية لسد حاجة الجيش المصرى من الأسلحة والذخائر .
وكانت نتيجة بناء تلك القلاع الصناعية فتح أبواب العمل أمام الملايين من أبناء مصر فى كل المجالات الصناعية والخدمية، وقد بدا الاهتمام المركز بالصناعة منذ قيام الثورة حيث طرحت مسألة التصنيع كضرورة اقتصادية واجتماعية داعية الرأسمالية المصرية بل والأجنبية أيضا للإقدام على إقامة المشروعات الصناعية، وقامت بإنشاء المجلس القومى للإنتاج فى عام 1955 الذى قام بدور المروج للمشروعات الصناعية.
وبعد العدوان الثلاثى، شقت الثورة طريق التنمية الاقتصادية المستقلة لبناء اقتصاد وطنى حديث يقوم على الصناعة وقامت بإنشاء وزارة الصناعة فى يوليو عام 1957 وتم وضع أول برنامج قومى للتصنيع فى عام 1957 بلغت تكاليفه الكلية حينئذ 250 مليون جنيه لينفذ على 5 سنوات اختصرت إلى 3 وتضمن البرنامج الكثير من الصناعات الكيماوية، وصناعات مواد البناء وتبعته الصناعات المعدنية والهندسية.
وفى أواخر عام 1959 تقرر إعداد برنامج التصنيع الثانى ليغطى فترة السنوات الخمس التالية واستهدفت الخطة الخمسية الأولى (60/1961-64/1965) إعطاء دفعة قوية للصناعة فخصص لها 26.7%من الاستثمارات الكلية بهدف زيادة الصناعات التحويلية بنسبة 42% فى نهاية تلك الخطة.
وأنجزت الثورة ثلاث خطوات حاسمة على طريق التنمية، أولها وضع خطة مضاعفة الدخل الوطنى فى 10 سنوات وهو معروف باسم الخطة الخمسية الأولى وكان معنى ذلك التسليم بمبدأ التخطيط للتنمية، وثانيتها الإقدام على التأميمات الكبرى ابتداء بتأميم البنك الأهلى وبنك مصر فى فبراير 1960 ثم تأميمات يوليو 1961 وما بعدها، وقوانين يوليو الاشتراكية وكان معنى ذلك التسليم بأن القطاع العام هو القاعدة الأساسية للتنمية، وثالثتها وضع ميثاق العمل الوطنى وشق طريق التحولات الاقتصادية والاجتماعية بهدف الوصول إلى الاشتراكية، وكان معنى ذلك أن التنمية عملية ثورية ترمى ليس فقط لتحقيق الاستقلال الاقتصادى وإنما ترمى أيضا لتغيير المجتمع وإعادة بنائه لصالح مجموع قواه العاملة.
وقد ظل نصيب الاستثمارات الصناعية يدور حول نسبة 25%من الاستثمارات الكلية منذ عام 1960 فيما عدا الفترة من عام 1967 إلى عام 1974 حيث مرت البلاد بمرحلة اقتصاديات الحرب التى حدت من الاستثمارات الجديدة وأبطأت عملية التنمية وتضاعفت مشاكل الصناعة من حيث مشاكل استيراد الخامات وقطع الغيار مع القيام بدورها كاملا فى سد الاحتياجات المحلية من المنتجات المتاحة وبدأت مرحلة جديدة بعد عام 1974 حيث بدا التحول من الحرب إلى السلام وبدأ الاتجاه نحو التعمير والإحلال والتجديد فى ظل سياسة اقتصادية جديدة هى سياسة الانفتاح.
وقد أعلن البنك الدولى فى تقريره رقم 870 أن مصر استطاعت عبر تلك الإجراءات تحقيق نسبة نمو من عام 1957 – 1967 بلغت ما يقرب من 7% سنويا، وهذا يعنى أن مصر استطاعت فى 10 سنوات من عصر الثورة أن تقوم بتنمية تماثل 4 أضعاف ما استطاعت تحقيقه فى الأربعين سنة السابقة على عصر الثورة.
كانت تلك نتيجة لا مثيل لها فى العالم النامى كله حيث لم يزد معدل النمو السنوى فى أكثر بلدانه المستقلة خلال تلك الفترة عن 2.5% بل أن هذه النسبة كان يعز مثيلها فى العالم المتقدم باستثناء اليابان، وألمانيا الغربية، ومجموعة الدول الشيوعية، فمثلا إيطاليا وهى دولة صناعية متقدمة ومن الدول الصناعية الكبرى حققت نسبة نمو 4.5% فقط فى نفس الفترة الزمنية.
وكان من نتائج النهضة الاقتصادية والصناعية لثورة يوليو أن استطاع الاقتصاد المصرى على الرغم من نكسة 67 أن يتحمل تكاليف إتمام بناء مشروع السد العالى الذى اختارته الأمم المتحدة عام 2000 كأعظم مشروع هندسى وتنموى فى القرن العشرين، والذى يعادل فى بنائه 17 هرما من طراز هرم خوفو.
ومن الإنجازات الأخرى بناء مجمع مصانع الألمونيوم فى نجع حمادي وهو مشروع عملاق بلغت تكلفته ما يقرب من 3 مليارات جنيه، واستطاعت مصر الحفاظ على نسبة النمو الاقتصادى فى عامى 1969 و1970 وبلغت 8% سنويا، كما تمكن الاقتصاد المصرى عام 1969 من تحقيق زيادة فى فائض الميزان التجارى لأول مرة فى تاريخ مصر بفائض قدرها 46.9 مليون جنية بأسعار ذلك الزمان، وكانت المحلات المصرية تعرض وتبيع منتجات مصرية من مأكولات وملابس وأثاث وأجهزة كهربية، وزيادة مساحة الرقعة الزراعية بنسبة 15% ولأول مرة تسبق الزيادة فى رقعة الأرض الزراعية الزيادة فى عدد السكان، وزادت مساحة الأراضى المملوكة لفئة صغار الفلاحين من 2.1 مليون فدان إلى حوالى 4 ملايين فدان، وحتى عام 1970 كان اقتصاد مصر أقوى من اقتصاد كوريا الجنوبية، ولدى مصر فائض من العملة الصعبة تجاوز الـ250 مليون دولار بشهادة البنك الدولى .
كما أنشأت مصر أكبر قاعدة صناعية فى العالم الثالث حيث بلغت عدد المصانع التى أنشئت فى عهد الثورة 1200 مصنع منها مصانع صناعات ثقيلة وتحويلية واستراتيجية، وانعكست النهضة الاقتصادية فى عهد الثورة على مستوى التعليم حيث انخفضت نسبة الأمية من 80% قبل 1952 إلى 50% عام 1970 بفضل مجانية التعليم فى كل مراحل الدراسة.
وبعد مرور 69 عاما على قيام ثورة يوليو تعود الدولة المصرية لطريقها الصحيح نحو التنمية الاقتصادية والصناعية الشاملة، ويقود الرئيس عبد الفتاح السيسى مصر نحو الجمهورية الجديدة وإحداث ثورة صناعية واقتصادية كُبرى، فقد حققت الصناعة إنجازات على أكثر من صعيد، فقد حظى قطاع الصناعة على مدى السنوات الـ7 الماضية باهتمام غير مسبوق من الإدارة المصرية وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسى والذى أولى هذا القطاع أولوية رئيسية ليس لكونه قاطرة التنمية الاقتصادية فى مصر فحسب وإنما لأنه أحد أهم الدعائم لتحقيق الاستقرار الاجتماعى من خلال توفير فرص العمل وتشغيل الشباب وزيادة دخل المواطنين وتحسين مستوى معيشتهم.
هذا الاهتمام الملحوظ كان له أكبر الأثر فى تحقيق قفزات وتطورات نوعية فى قطاع الصناعة المصرية سواء على مستوى التشريعات أو الاستثمارات الجديدة والتوسعات الأفقية والرأسية فى المدن والمناطق الصناعية فضلاً عن ارتفاع مؤشرات الصادرات لكافة القطاعات الصناعية.
وقد حظى قطاع التجارة الخارجية باهتمام كبير أيضاً من القيادة المصرية حيث شهدت مؤشرات التجارة الخارجية لمصر تحسناً ملحوظاً خاصة فيما يتعلق بزيادة معدلات التصدير وتراجع الواردات ومن ثم تحقيق تطور إيجابى فى مؤشرات الميزان التجارى لمصر مع دول العالم.
وقد بلغ إجمالى الصادرات السلعية المصرية فى عام 2015 حوالى 18.6 مليار دولار ارتفعت مع نهاية عام 2020 لتصل إلى 25.3 مليار دولار، بينما شهدت الواردات السلعية المصرية من دول العالم تراجعاً ملحوظاً حيث بلغت فى عام 2015 حوالى 72 مليار دولار مقابل 63.5 مليار دولار في عام 2020، وقد ساهمت هذه المؤشرات الإيجابية فى إصلاح الخلل فى الميزان التجاري لمصر مع دول العالم والذى بلغ فى نهاية عام 2020 حوالى 38.3 مليار دولار مقارنة بـ 53.4 مليار دولار فى عام 2014.
كما جاءت مؤشرات الربع الأول من عام 2021 لتؤكد استمرار الزيادة فى معدلات التصدير بنسبة 6% حيث بلغ إجمالى الصادرات 7 مليارات و438 مليون دولار مقارنة بنحو 6 مليارات و990 مليون دولار خلال نفس الفترة من عام 2020.