قال مرصد الأزهر، في تقرير له، إن المناطق العربية تحتوي على العديد من الحضارات العريقة التي تنتمي إلى عصور قديمة ومتنوعة، ومن الدول التي تنتمي إلى تلك المناطق دولتي سوريا والعراق، فالآثار في هاتين الدولتين تحمل صورة جمالية مشرقة ترجع لحقبات تاريخيَّة متنوعة، كما تحتوي على قيم ثقافية ومعمارية لا مثيل لها، ومنها ما كان مدرج ضمن لائحة التراث العالمي التابعة لمنظمة اليونسكو.
وتابع المرصد أنه حينما سيطر تنظيم "داعش" الإرهابي على بعض مناطق دولتي العراق وسوريا اختلف تعامله الوحشي مع جميع الكائنات عن تعامله مع الآثار؛ حيث قام بتدمير جزء منها مثل قلعة "آشور" بمدينة "الشرقاط" العراقية، ومعبد "بل" في "تدمر" السورية، وبيع الجزء الآخر أو الاحتفاظ به لغايات عنده! مدعيًا أنَّ ما قام به هو أمر شرعي؛ مستندًا في فتواه إلى مفتي "داعش" الإرهاربي من أمثال شفاء نعمة المكنى بـ"أبو عبد الباري" الذي تمكنت السلطات العراقية من القبض عليه في 18 يناير 2020م، حيث أفتى التنظيم الإرهابي في غير إصدار له بوجوب تدمير الآثار على اعتبار أنها أوثان، ضاربًا بالمبادئ والقيم الإسلامية عرض الحائط، متسلحين بالجهل وقوة التدمير وسفك الدماء التي يدعون إليها ليل نهار وكأنها من الأمور العادية!ويستندون في هذا التوجه إلى فهم مغلوط لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم بما يدعم مصالحهم الخبيثة.
ولا ريب أنَّ الأحاديث ليس فيها أي دلالة على إسقاط ما كان يحدث في زمن الرسالة على عصور الأخرى، فالسياق آنذاك مختلف تمام؛ إذ كان بعض الناس في هذا الزمن يتعبدون بالأصنام، والذي يؤكد هذا الفهم أنه لا ينكر عاقل أن مسلك الدواعش في فهم النصوص في قمة الجهل، فهم لم يتعلموا أصول الفقه وغيره من أدوات الفتوى والاجتهاد، وأنهم بفتواهم هذه قد خالفوا العلماء الأفذاذ في كل العصور، بل والرعيل الأول من الصحابة الذي يدَّعون محاكاتهم والاستناد إلى أفعالهم لا سيّما في هذا الشأن، ونحن نسألهم ألم تُفتح مصر في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فلماذا لم يأمر نائبه وواليه على مصر عمرو بن العاص رضي الله عنه بهدم ما في مصر من آثار؟
وشدد الأزهر الشريف دائمًا على حرمة تدمير التراث الإنساني والحضاري، مؤكدًا أنَّ التدمير المتعمد للآثار الذي يقوم به تنظيم "داعش" الإرهابي ما هو إلا محاولاتٌ يائسة لطمس المعالم الحضارية والثقافية والتاريخية للعرب والمسلمين. كما طالب كثيرًا دول العالم بضرورة وضع استراتيجيات عاجلة لحماية المناطق الأثرية في المنطقة العربية من إجرام التنظيمات الإرهابية التي تحاول إفراغ العالم العربي والإسلامي من تراثه الحضاري والثقافي.
وكان الأزهر الشريف قد استنكر من خلال صفحته الرسمية بتاريخ 24 أغسطس 2015- قيام تنظيم "داعش" الإرهابي بتدمير معبد "بعل شمين" أحد أهم المواقع الأثرية في تدمر السورية، وذلك بعد يومين من تدميره "دير القديس إليان"، وأسبوعٍ مِن قتله الدكتور خالد الأسعد، عالم الآثار السوري.
ورغم ما ذكرناه من نهب وتدمير للآثار التاريخية في سوريا والعراق، إلا أن من عجائب فكر تنظيم "داعش" الإرهابي حفاظه على الآثار اليهودية دون سواها، فبعد انتهاء حرب الموصل وُجِد أن الحي اليهودي في غرب الموصل لم تطله أي يد للتدمير أو الخراب أو السرقة أو البيع بعد أن مكث التنظيم الإرهابي في الموصل ثلاث سنوات ألحق أضرارًا بالغة بكل ما في المدينة من قيم أثرية وعلمية كالمكتبات وتماثيل الشعراء وأماكن الصوفية، حتى دور العبادة والمنازل لم تسلم من أذاهم، وتوحدت كل أذرع التنظيم والخُطب الدعوية لتحث على الخراب والدمار الشامل، بالرغم من ذلك ظلت البيوت اليهودية في الحي اليهودي الأثري سالمة لم يلحقها أي ضرر، وكذلك وجدت معابد يهودية، تحمل على جدرانها عبارات واضحة بالعبرية ظلت كما هي!
ويؤكد المرصد أن ازدواجية تنظيم داعش الإرهابي ظهرت جليًّا في تعامله الآثار القبطية والإسلامية التي لا تقدر بثمن، فاستباحوا تدميرها وبيعها كيفما يشاءون مبررين ذلك بالفتاوي الضالة التي أطلقها مفتويهم، وفي المقابل نجدهم يحافظوا على غيرها من الآثار اليهودية خدمة لمصلحتهم فقط، وكل ذلك يقودنا إلى هذا القدر الهائل من التضليل الذي مارسه التنظيم الإرهابي على مدار سنوات للتلاعب بالعقول واستقطابها وتأسيس ما أسماه "دولته" المزعومة في سوريا والعراق حتى باتت معولًا للهدم وسفك الدماء مستخدمين في ذلك نفس المفتين الذين أجازوا تدمير بعض الآثار والإبقاء على أخرى، ازدواجية أدركها بعض من انضم إلى صفوف التنظيم الإرهابي بوقت متأخر بعد أن تلطخت يداه بالدماء، وعاد نادمًا على ما فعل منتظرًا عقوبته العادلة.
وأكد مرصد الأزهر لمكافحة التطرف أن القراءة الجيدة لأفعال التنظيمات الإرهابية تعد أحد الوسائل الفعالة لحماية الشباب من الانسياق وراء الأفكار المتطرفة عبر توضيح الجوانب المتناقضة في فكر تلك التنظيمات وتفنيدها.