يناقش كتاب "قصة الورق.. تاريخ الورق فى العالم الإسلامى قبل ظهور الطباعة" لـ جوناثان بلوم ترجمة أحمد العدوى جانبا مهما من الحضارة الإسلامية ترتبط بالمعرفة وكيفية الحصول عليها.
ومما جاء فى الكتاب:
كثيرًا ما نُردِّد - فى أيامِنا هذه - أننا نعيش فى مُجتمعٍ تظله العولمة، حيث تنتقِل بعض المعلوماتِ حول العالم فى جزءٍ من الثَّانية، إلَّا أنه غالبًا ما يكون من الصعوبةِ بمكانٍ الوصولُ إلى أنواعٍ بعينِها من المعلومات، ولا سيَّما تلك المَكنونة فى بطونِ الكتبِ التقليديةِ المَطبوعةِ على الورقِ.
وربما تمثَّلت صعوبة الوصول إلى ذلك الصِّنف من المعلوماتِ فى نُدرةِ الكُتبِ الأجنبيَّة المنشورةِ فى بلاد أخرى فى المكتباتِ أو فى دور بيعِ الكُتبِ المَحليَّة، بل ربَّما لم يسمَع جمهورُ القُراء المُهتمِّين بهذه الكُتب قطُّ، أو لعلَّهُم سمِعوا بها، إلَّا أنَّهم لم يكُن بوسعِهم الوصول إليها. وحتى لو كان بمَقدورِهم الوصولُ إليها، فقد لا يكون بإمكانِهم قراءتها بسَلاسةٍ لاختلافِ اللغةِ التى كُتِبَت بها.
وعلى الرَّغم من أن كتابى هذا قد تناول الدَّورَ المِحورى الذى لعبَه الورقُ فى تطورِ الحضارةِ فى العالم الإسلامى -والكيفيةُ التى نقَل المسلمون المعرفةَ بالورقِ وصناعتِه من شرق آسيا إلى غرب أوروبا فى القرونِ الوسطى- فإنَّ عمومُ القرَّاء فى المِنطقة التى تناولَها بالدِّراسة لا يكادون يعرفونه! وذلك على الرَّغم من صدورِ ترجمةٍ تُركيَّةٍ للكتاب فى عام 2003.
ويحدونى الأملُ فى أن تصبحَ هذه الترجمةُ العربيةُ مُتاحةً على نطاقٍ واسعٍ لجمهورِ القرَّاء العربِ، ومعروفةً لهم. وأن تُلهم جيلًا جديدًا منهم تقديرَ الدورِ الحاسمِ الذى لعِبته المجتمعاتُ الإسلاميةُ فى الحضارةِ الإنسانيةِ، عندما استخدَمت الورقَ وسيلةً للتواصُلِ البَشري.
قد أُلهِمَتُ دراسةَ هذا الموضوع عرَضًا، فى غضونِ العقدِ الأخير من القرنِ المُنصرِم، عندما تساءلتُ ذات يومٍ -وأنا مؤرخٌ للفنِّ والعِمارةِ الإسلاميَّة- عمَّا إذا كان المُهندسون والبنَّاؤون فى ديارِ الإسلامِ فى القرون الوسطى قد استخدموا المُخطَّطات الهندسيَّة فى تَصميمِ مبانيهم التى شيَّدوها. وعلى فرضِ أنهم استَخدَموا مثل تلك المخطَّطات الهندسيَّة، فما هى الأدلةُ على وجودِها؟ وما هى النَّتائج التى قد تُستخلصُ من إثباتِ هذه الفرضيَّة؟ وهكذا تجسَّدت أجوبةُ هذه الأسئلةِ البسيطةِ أوَّلًا فى شكلِ مقالاتٍ، ثم قادتنى تلك الأجوبةُ نفسُها إلى تقديم مُقترحٍ لمطبعة جامعة يل (Yale University Press) يقضى بتأليفِ كتابٍ فى هذا الموضوع.
وأثارت الفِكرةُ اهتمامَ النَّاشرِ بالفِعل، إلَّا أنَّه اقترح على -فى بادئ الأمرِ- أن أكتبَ تاريخًا عالميًّا للورقِ، بدلًا من التَّركيزِ على العالم الإسلامى فحسب. وعلى هذا النَّحو أعددتُ مخطوطةَ الكتابِ -نزولًا على رغبةِ النَّاشر- على كَرهٍ منِّي، وسَلَّمتُها له. بيد أن عضوًا من أعضاءِ من الهيئةِ الاستشاريةِ -ولستُ أعرفه- علَّق قائلًا: إنه سيغدو من الأفضلِ لو ركَّز المؤلِّفُ على العالمِ الإسلامى فحسب. وعلى هذا النَّحو أعدتُ كتابةَ الكتابِ برمَّتِه، وبالطَّريقةِ التى خطَّطتُ لها منذ البدايةِ.
وربَّ ضارةٍ نافعة، فقد جاء الكتابُ فى صورتِه النِّهائيةِ أفضل، وذلك نتيجةً لإعادةِ كتابتِه، وإعادةِ هيكلتِه أكثر من مرَّةٍ.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة