خطوات متواترة، وإنما لا تعكس ثباتا، ولكن تقدم انطباعا للمجتمع الدولى، حول مدى الارتباك، الذى يعانيه صانعو القرار في إثيوبيا، في الآونة الأخيرة، لأسباب عدة، منها الدبلوماسية المتزنة التي تتبناها كلا من مصر والسودان، في التعامل مع أزمة سد النهضة، ونجاحهما المنقطع النظير في استقطاب غالبية أعضاء المجتمع الدولى إلى صفهما، فيما يتعلق بحقوقهما المائية، وتجاه حالة التعنت غير المبرر الذى تتبناه أديس أبابا، بينما تتوالى الصفعات على جبهات أخرى، منها الهزائم المتلاحقة في الجبهة الداخلية إثر عدم الاستقرار خاصة في إقليم تيجراى، ناهيك عن انكشاف الانتهاكات والفظائع التي ارتكبتها الحكومة في حق المدنيين، على الأراضى الإثيوبية، وهو ما ترتب عليه العديد من الإجراءات، أبرزها توالى الإدانات الدولية، بالإضافة إلى الاتجاه الصريح نحو فرض المزيد من العقوبات، التي من شأنها المزيد من التدهور السياسى والاقتصادي في الداخل.
ولعل الخطاب الأخير، الذى أرسلته أديس أبابا إلى مجلس الأمن الدولى، للتعبير عن رفضها لدخول جامعة الدول العربية، على خط الأزمة، دليلا دامغا على حالة الارتباك الإثيوبى، في مواجهة مختلف أعضائه، سواء كانوا دولا أو منظمات، خاصة إذا ما وضعنا في الاعتبار حقيقة مفادها أن دور الجامعة يحمل شرعية صريحة، في ضوء أنه جاء بناءً على طلب دولتى المصب (مصر والسودان) وهما من أعضاء المنظمة الإقليمية، وبالتالي فتدخل الجامعة لا يخالف ميثاقها أو كافة المواثيق الدولية الأخرى، وبالتالي يصبح الخطاب الإثيوبى محاولة صريحة لخلق صدام بين الكيان العربى المشترك، ونظيره الإفريقى ممثلا في الاتحاد الإفريقى.
تعد المحاولة الإثيوبية لخلق الصدام بين الجامعة العربية والاتحاد الإفريقى، ليست جديدة تماما، فقد بدأت مغامرتها غير المحسوبة، في أعقاب الاجتماع الوزاري، غير العادى، والذى انعقد في الدوحة، في شهر يونيو الماضى، بناءً على طلب من مصر والسودان، حيث ألقت الاتهامات جزافا على "بيت العرب"، وعلى رأسها الانحياز، معتبرة أنها تحاول المزايدة على دور الاتحاد الإفريقى، والذى يمثل الجهة المنوطة برعاية القضية، وهو الأمر الذى يجافى الحقيقة تماما.
ففي بيان لها، أعربت الجامعة العربية عن انزعاجها إثر محتوى الخطاب الذى أرسلته الحكومة الإثيوبية إلى مجلس الأمن الدولى، موضحة أنها تضمنت مغالطات عديدة لكن أخطر ما ورد فيها هو السعي الواضح إلى دق إسفين بين منظمتين إقليميتين طالما احتفظتا، في الماضي والحاضر، بأوثق العلاقات وأكثرها متانة.
جامعة الدول العربية
وأوضحت الجامعة، أنها لن تدخل فى أي صورة من صور السجال أو المواجهة مع الاتحاد الافريقي، خاصة وأنها تضم في عضويتها عشر دول عربية، هي أيضا دول أعضاء في الاتحاد، مشيراً إلى أن الجامعة تحتفظ بأطرٍ وآليات مختلفة ومتعددة للتشاور والعمل المشترك مع الاتحاد الإفريقي، وتحرص على تنسيق المواقف معه حيال العديد من القضايا، فضلاً عن العلاقة الودية الممتازة التي تربط الأمين العام للجامعة العربية بالسيد موسى فقي رئيس مفوضية الاتحاد.
ويمثل البيان الصادر عن الجامعة العربية تأكيدا مهما على حقيقة، مفادها أن علاقتها بالاتحاد الإفريقى لا تقبل المزايدة بأى حال من الأحوال، في ضوء حقائق عدة، أهمها اشتراك 10 دول في عضوية المنظمتين، بالإضافة إلى الحرص على التشاور والعمل المشترك، عبر العديد من الأليات، والتي تمثل انعكاسا صريحا لحالة التكامل بينهما، خاصة وأن المنظمتان يشتركان في مساحة واسعة من الأراضى التي تقع في نطاقهما الجغرافى، وبالتالي فإن أزمات تلك المناطق ومشكلاتها تمثل مسئولية مشتركة لتجاوزها.
في هذا الإطار، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، في حوار تلفزيونى سابق، إن هناك محاولة إثيوبية للإدعاء بأن هناك صدام عربى إفريقى، موضحا أن الأمر ليس كذلك إطلاقا، خاصة وأن مصر والسودان، هما جزء من إفريقيا، كما أن ثلثى العرب يسكنون فى إفريقيا.
مجلس الأمن الدولى
وأضاف أن الإدعاء الإثيوبى يهدف فى الأساس إلى الفوز بدعم إفريقيا، فيما يتعلق بمسألة سد النهضة على حساب دولتى المصب، موضحا أن العرب الأفارقة، وعلى رأسهم مصر، دائما ما يقدمون الدعم لقارتهم. وأكد أن إثيوبيا لديها الحق فى رفض ما تراه، ولكن يحق الجامعة العربية كذلك أن تدعم حقوق دولها، مشددا على أن هناك التزاما قانونيا يواجه الحكومة الإثيوبية، وهو احترام حقوق كل الدول المتشاطئة، وعدم إحداث أى ضرر بدول المصب، موضحا أن مسألة حدوث ضرر من عدمه، يخضع فى الأساس لتقدير دولتى المصب، فى حالة نهر النيل.
الثقة العربية الكبيرة في عمق العلاقة مع الاتحاد الإفريقى تجد جذورها في التعاون الكبير بين الجانبين، في العديد من القضايا، حيث تحرص الجامعة العربية على مواصلة العمل المشترك مع الاتحاد الإفريقى، وهو ما يمثل "حائط صد" ضد المحاولات الإثيوبية، عبر العديد من الأدوات، من أجل تحقيق المصالح المشتركة للجانبين، ربما أبرزها الحرص المتبادل على حضور الاجتماعات التي تعقدها كل منظمة، بالإضافة إلى إيجاد الأليات التي من شأنها تعميق التعاون، من بينها الصندوق العربي للمعونة الفنية للدول الإفريقية، والذى يترأسه الأمين العام.
فعلى هامش اجتماع الصندوق، والذى تزامن مصادفة مع الخطاب العدوانى الإثيوبى، أكدت الجامعة العربية على أهميته باعتباره داعماً ومكملاً للأهداف الاستراتيجية العليا التي تسعى الجامعة ودولها الأعضاء إلى تحقيقها مع أشقائها في أفريقيا، خاصة في هذه المرحلة التي تشهد توسعاً في العلاقات الإفريقية مع دول عديدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة