قبل ساعات من عقد جلسة مجلس الأمن الخاصة بالنظر في قضية سد النهضة الإثيوبى، مساء أمس الخميس، بناء على طلب مصري سودانى، تلقى الرئيس عبد الفتاح السيسي اتصالًا هاتفيًا من الرئيس فيلكس تشيسيكيدي، رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية، فيه نقطة مهمة يجب أن تكون محل بحث مستفيض منا، والخاصة بتأكيد الرئيس الكونغولي أن "التحرك المصري/ السوداني في مجلس الأمن من شأنه أن يدعم مساعي التوصل لحلول أفريقية للمشاكل الأفريقية"، مشيراً إلى أهمية تكاتف الجهود لتوفير كافة العوامل والسبل اللازمة لتعزيز المسار الأفريقي لتمكين الدول الثلاث من التوصل لاتفاق، ومن ثم الحيلولة دون زعزعة الاستقرار في المنطقة.
ما قاله الرئيس الكونغولي أكبر رد على ما تردده إثيوبيا بإن اللجوء إلى مجلس الأمن تدويل للقضية لا ضرورة له، وأنه وفقاً لزعم دمقي مكونن وزير الخارجية الإثيوبي، "يمثل سابقة خطيرة وقد ينزع مسار المفاوضات من الاتحاد الافريقي، ومناقضاً موقف ومبدأ حل المشكلات الافريقية من خلال آليات أفريقية".
فها هو رئيس الاتحاد الإفريقى، والذى أشرف بنفسه على المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا، وأستضاف جزء منها وبذل ولا زال يبذل الكثير من الجهد في محاولة للتوصل إلى حل توافقى يهدأ من التوترات بالمنطقة، يؤكد للجميع أن اللجوء إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لا يناقض الحلول الأفريقية، بل يدعمها، وهو ما يمثل ضربة قاضية للمزاعم الإثيوبية التي لا تتوقف، والتي لا تريد أن يقف المجتمع الدولى أمام أكاذيبهم المتواصلة.
إذن فإن لجوء مصر والسودان لمجلس الأمن لم يكن بدعة، بل جاء مكملاً لدور المجتمع الدولى في بحث هذه الأزمة التي افتعلتها إثيوبيا، وهنا يجب الإشارة إلى أن أديس أبابا التي تحاول الآن الظهور في مشهد المتضرر من طرح القضية أمام مجلس الأمن، هي نفسها التي شاركت في المفاوضات التي رعتها الولايات المتحدة الامريكية قبل عام، وبمشاركة البنك الدولى، وهى المفاوضات التي كانت قريبة من التوصل إلى أتفاق يرضى الجميع، قبل أن تنسحب إثيوبيا من المفاوضات في اللحظة الأخيرة قبل التوقيع النهائي على الاتفاق، دون مبرر واضح، اللهم الا مزيد من المماطلة والتسويف. فإذا كانت إثيوبيا لا تريد مشاركة المجتمع الدولى في بحث هذه الأزمة، فلماذا وافقت على مشاركة الولايات المتحدة والبنك الدول وانخرطت في اجتماعات واشنطن؟!.
الشىء المؤكد الذى تدركه إثيوبيا وأيضاً المجتمع الدولى أن اللجوء إلى مجلس الأمن لم يأت إلا نتيجة للتعنت ومحاولات فرض الأمر الواقع من جانب أثيوبيا، الأمر الذي أدى إلى تعثر مسار المفاوضات الجارية برعاية الاتحاد الأفريقي، كما أن هذه الخطوة جاءت بهدف تعزيز المسار الأفريقي ويؤكد على قيادة الاتحاد الأفريقي ورئاسته للمسار التفاوضي، مع تمكين رئاسة الاتحاد الأفريقي، بالتعاون مع الدول والأطراف المشاركة، من الاضطلاع بدور فعال في تسيير النقاش، ومعاونة الدول الثلاث على التوصل لاتفاق ملزم قانوناً لملء وتشغيل سد النهضة في إطار زمني وواضح ومحدد، خاصة بعد الجهد والاهتمام الذي توليه الكونغو، بوصفها الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي، بملف سد النهضة، والجهد الذي بذله الرئيس تشيسيكيدي لرعاية المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا من أجل التوصل إلى اتفاق يحقق المصالح المشتركة للدول الثلاث ويحفظ حقوقها المائية.
وليبقى واضح للجميع أن الهدف المصرى السودانى الآن ليس أجبار أحد على اتخاذ مسار مخالف للتاريخ والقوانين والمواثيق الدولية، وإنما الهدف هو أن يكون السد هو محور التنمية للدول الثلاثة، وفق تبادل المصالح، من خلال التوصل إلى اتفاق يتعلق بقواعد ملء وتشغيل السد بما لا يسبب أي اضرار لأحد، أخذاً في الاعتبار حقيقة مهمة، وهى أن مصر ترتكز في إدارتها لقضية ملف السد الإثيوبى، وفى المجمل ملف الأمن المائى على مجموعة من الثوابت والمحددات القائمة على عدم المساس بالحد الآمن لحصتها التاريخية في المياه والمقدرة وفق الاتفاقيات بـ55.5 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، وعدم إغفال حقوق دول حوض النيل من حقها المشروع في التنمية، مع الالتزام لأقصى ما يمكن الالتزام به من الحكمة وضبط النفس، وعلى مدار سنوات عشر، التزمت مصر بالمسارات الدبلوماسية بحرفية متناهية وبإرادة سياسية في تحقيق خطوات ملموسة نحو إيجاد صيغة توافقية تحفظ حصة مصر من النهر وتحقق لأثيوبيا التنمية المرجوة، لكن من الواضح أن سياسة العناد الإثيوبى غير المبررة تحاول أن تحقق مكاسب غير مشروعة، لذلك فإنها تلجأ دوما للأكاذيب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة