يكثر الموت فى زمن الأوبئة والحروب مقارنة بأوقات السلام والرخاء والصحة، لذا فإن انتشار الطاعون فى أوروبا فى العصور الوسطى تسبب فى كارثة، حيث مات الملايين وصار مشهد توديع الموتى مشهدا مألوفا، لكن كيف كان الأوربيون يودعون الضحايا؟
يقول كتاب "الموت الأسود" لـ جوزيف بيرن" ترجمة عمر سعيد الأيوبى: فى المناخ الدافئ لوسط إيطاليا، كان الفلورنسيون فى عصر النهضة يجتمعون عند المتوفّى بعد الوفاة بيوم. ومن هناك يتقدّم الموكب على طريق مسبق التحديد عبر المدينة إلى مدفن الكنيسة.
كان أفراد الأسرة يرتدون عباءات سوداء، ويرتدى المعزّون الآخرون عباءات بنيّة مائلة للأسود، وتدفع الأسر الثرية للفقراء كى يسيروا فى الموكب، وربما يدفعون أيضاً ثمن ملابسهم.
ويحمل المعزّون أو حملة مشاعل خاصّين الشموع، فى حين يُغطّى النعش والحصان الذى يجرّه بقماش غنى عليه شعارات العائلة أو النقابة أو الأخوية.
ومع إعادة توزيع الثروة الذى رافق التفشّى الأول للطاعون فى سنة 1348، بدأت العديد من الأسر الأقل ثراء بتقليد من يفضلونهم اجتماعياً.
فى فلورنسا، ولاحقاً فى بولونيا وروما، كان يحظر على المعزّيات – باستثناء من يرتبطن بالفقيد بقرابة وثيقة – المشاركة فى المواكب بسبب نواحهن التظاهرى على ما يفترض (خفّض هذا الحظر تكلفة تجهيزات الجنازة بالفعل).
وقد التفّت العائلات الفلورنسية النافذة على هذه القوانين بتقديم التماسات الإعفاء إلى الحكومة البلدية، وصدر 233 منها بين سنتى 1384 و1392. وكانت مآدب الجنازة شأناً خصوصياً وليس عاماً: قدّاس الرقيم هو العرض العام الذى يدعى إليه جميع الأطراف المهتمة، ويدلّ حجم الحضور، على نحو عدد الشموع فى الموكب، على مكانة العائلة.
فى القرن السابع عشر، فى هولندا الكالفينية، كانت الجثة التى نظّفت وأعيد إلباسها توضع فى سريرها فى مدخل البيت الذى يخلى من كل أثاث آخر.
وداخل البيت تدار جميع الصور والمرايا نحو الجدران وتغلق جميع النوافذ، ويعلّق عليها قماش أسود زهيد الثمن علامة على الحداد.
تعرض الجثّة عدة أيام – يساعد طقس هولندا البارد على العموم العرض المطوّل – وفى أثناء ذلك ترسل العائلة إشعارات بالوفاة، قد تكون شعراً وتذاع أيضاً شفهياً عن طريق "منادين عامّين".
وفى أعقاب الموكب إلى المقبرة، تتقاسم العائلة والأصدقاء المقرّبون وجبة مسرفة، تقدّم أحياناً فى الشارع أمام البيت، يليها شرب الجعة والخمر.
وفى أوقات الطاعون، عندما منعت السلطات الكالفينية مثل هذه العروض، صارت العائلات تقدّم للمشاركين نقوداً ينفقونها فى الحانات المحلية أو باعتبارها تذكارات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة