مفتي الجمهورية خلال مؤتمر علمى لـ"شريعة طنطا": جماعات التطرف صورت أن هناك عداء بين الشريعة والقانون وهو أمر غير صحيح.. وتجديد الخطاب الديني أصبح الرسالة الأولى والأهم لمؤسساتنا الدينية وصروحنا العلمية

الأربعاء، 11 أغسطس 2021 02:00 م
مفتي الجمهورية خلال مؤتمر علمى لـ"شريعة طنطا": جماعات التطرف صورت أن هناك عداء بين الشريعة والقانون وهو أمر غير صحيح.. وتجديد الخطاب الديني أصبح الرسالة الأولى والأهم لمؤسساتنا الدينية وصروحنا العلمية
كتب – لؤى على – محمد طارق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

شدد الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم على إدراك الفلسفة العميقة التي قامت عليها دراسة الشريعة والقانون في جامعة الأزهر الشريف التي أنشأت لهذين التخصصين العظيمين بأقسامهما وتنوعاتهما الكثيرة كليات مخصوصة، قدمت العديد من الدراسات الجادة العميقة في مجالي الشريعة والقانون.

وأضاف في كلمته التي ألقاها بالمؤتمر العلمي الدولي تحت عنوان: "التكييف الشرعي والقانوني للمستجدات المعاصرة وأثره في تحقيق الأمن المجتمعي" الذي تنظمه كلية الشريعة بجامعة طنطا أن هذه الفلسفة تقوم على الجمع والتكامل والتناغم بين الشريعة الإسلامية التي هي الوحي المنزل من عند الله تعالى، وبين القانون بأقسامه المتنوعة الذي هو الصيغة التنظيمية المعاصرة التي اتفقت عليها الدول الحديثة المحترمة لتنظيم تفاصيل شؤون العباد وتنظيم العلاقة بين الأفراد من جهة وبين الفرد والدولة من جهة أخرى.

 

وأشار إلى أنه إذا كان مصدر القوانين في جميع دساتيرنا منذ دستور 1923 وحتى الآن منبثقًا من الشريعة الإسلامية الغراء بمقتضى هذه الدساتير، فإن العلاقة بين الشريعة والقانون هي علاقة الأصل بالفرع، وليست علاقة عداء أو خصومة أو تنافسية أو مزاحمة كما دأبت جماعات التطرف والإرهاب أن تصور تلك العلاقة لغرض خبيث في نفوسهم، ألا وهو تسويغ تكفير المجتمعات والحكام والدولة وجميع المؤسسات التي تحترم القانون وتعمل على إعماله وإنفاذه لتحقيق الأمن والأمان للمجتمع، وكم أضلوا تحت هذا الزعم الخبيث عقول كثير من أبنائنا! وكم سفكوا من دماء معصومة! وكم أزهقوا من أرواح بريئة! وكم خربوا من مجتمعات آمنة مطمئنة بهذا الزعم الواهي!.

 

وأوضح المفتي أن كلمة "وضعية" التي جعلوها وصمة القوانين الحديثة، وإن كانت تعني أنها من وضع البشر، لا تعني أبدًا كما صورت عقولهم المريضة أن مصدرها المطلق في دساتيرنا المتعاقبة أذواق أو أهواء البشر، كيف والدساتير كلها تقضي بمصدرية الشريعة الإسلامية؟! وأن كل قانون أو حكم يخالف الشريعة الإسلامية مطعونٌ عليه بموجب الدستور، ويلغى بحكم قضائي من المحكمة الدستورية العليا.

 

وتابع: "لا تعني كلمة الوضعية إذن سوى استغلال المساحة أو -إن صح التعبير- الفراغ المسكوت عنه الذي تركه الله تعالى لأهل العلم والتخصص لاستحداث ما يناسب أعصارهم وأعرافهم المتغيرة لتنظيم العمل بالشريعة الإسلامية في صورة تلك القوانين وأقسامها المتخصصة من مدني وجنائي وتجاري ودولي... إلخ.

 

ولفت فضيلته إلى أن المتتبع المنصف لمدونات الفقه الإسلامي يرى أن فقهاءنا العظام قد وضعوا واستحدثوا فيما كتبوه ودونوه -تحقيقًا لمقاصد الشريعة الإسلامية الغراء واعتبارًا لتغيرات العرف والواقع- ما يمكن أن نطلق عليه نواة القوانين الوضعية الحديثة، والمتأمل الفاحص لكتب البيوع والقضاء والشهادات والسير والجهاد وأحكام الأسرة يرى ذلك الكم الهائل من التقسيمات والتفصيلات القانونية المستحدثة في أعصارهم وواقعهم، وهي بلا شك مستنبطةٌ من عمومات الكتاب الكريم والسنة المطهرة وسائر مصادر التشريع كالقياس والإجماع والاستحسان والاستصلاح.

 وبين مفتي الجمهورية أن انفصال القوانين عن منظومة الفقه الإسلامي، جاء من باب توليد العلوم، كما تولد علم المنطق عن علوم الفلسفة وانفصل عنها وصار علمًا مستقلًّا، وكما انفصل علم الوضع وصار علمًا مستقلًّا عن علم النحو وأصبح من علوم اللغة المستقلة، وهكذا تتوالد العلوم بعضها عن بعض، وتبقى الصلات والوشائج التكاملية بين تلك العلوم، كما نرى ذلك واضحًا جليًّا بين علوم الشريعة والقانون.

 

وأكد أن أهمية إبراز تلك الصلة التكاملية بين الشريعة والقانون، حيث إن قضية التكييف الفقهي والقانوني للمستجدات المعاصرة وما لها من صلة بالغة بأمن وسلامة المجتمعات، من أهم وسائل تحقيق الصلة الوثيقة بين الشريعة والقانون من جهة، ومن أهم وسائل تحقيق الأمن المجتمعي من جهة أخرى؛ فالجمود على النصوص الفقهية التراثية، والالتزام بها التزامًا حرفيًّا دون مراعاة ما يتغير بتغير الواقع والأعراف هو مظهرٌ من مظاهر التطرف والتشدد والخروج عن مقاصد الشرع الشريف الذي انتهجته الجماعات الإرهابية.

 

وأوضح المفتي أن التكييف الفقهي عمليةٌ يقصد بها إلحاق الواقعة المستجدة -بعد حسن تصورها وإدراك واقعها وأبعادها- بأصل فقهي له أوصافه وأحكامه بقصد إعطاء هذه الأوصاف وإجراء هذه الأحكام على الواقعة المستجدة عند التحقق من المجانسة والمشابهة بين الواقعة المستجدة والأصل في الحقيقة.

 

واستشهد بما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابه الذي بعثه إلى أبي موسى الأشعري: "اعرف الأمثال والأشباه، ثم قس الأمور عندك، فاعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى". يقول السيوطي: وهذه العبارة صريحةٌ بتتبع النظائر وحفظها ليقاس عليها ما ليس بمنقول، وإن فيها إشارة إلى أن من النظائر ما يخالف نظائره في الحكم لمدرك خاص به، وهو الفن المسمى بالفروق الذي يذكر فيه الفرق بين النظائر المتحدة تصويرًا ومعنى، المختلفة حكمًا وعلة.

 

وقال مفتي الجمهورية: "قد يظن بعض الباحثين أن التكييف الفقهي للقضايا والمعاملات المعاصرة لا يعدو أن يكون مجرد تخريج وإلحاق للقضايا الفقهية المعاصرة على الصور الفقهية المحصورة في كتب الفقهاء، بحيث إنه إذا لم يجد صورة صريحة صالحة للإلحاق تحير وتكلف أن يلحق الصورة المستحدثة على الفروع الفقهية التي يتوهمها صالحة للإلحاق بشيء من الصعوبة والعنت، ولا يعدو هذا أيضًا أن يكون نوعًا من الجمود وضربًا من التقليد الذي لا يحقق تلك المرونة والسعة التي نتغياها من التكييف الفقهي والقانوني للأمور المستحدثة.

 

وأشار إلى أن عملية التكييف الفقهي والقانوني للمستجدات المعاصرة إنما تتم بصورة دقيقة صحيحة بإدراك المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، والإلمام بالقواعد الكلية والأصولية للفقه الإسلامي، والإحاطة التامة بالفروق الفقهية والأصولية، ومعرفة الكليات والنظريات الفقهية والقانونية، ولا شك أن ذلك جديرٌ بأن يثرى الفقه الإسلامي ويجدد معالمه، ويجعله متماشيًا مع الواقع ومناسبًا له.

 

وأضاف : قد ينتج عن التكييف الفقهي والقانوني للمستجدات المعاصرة بالصورة الصحيحة استحداث صور جديدة من العقود والمعاملات لم تكن معروفة لدى فقهائنا الأوائل، مثل: أحكام النقود الورقية المعاصرة، وأحكام التقابض الذي تجريه البنوك في صرف العملات المختلفة من حساب إلى آخر. فعملية القيد بالحساب التي يجريها موظف البنك أصبحت في مقابل التقابض الحقيقي والتي تعارف أهل الفقه على الاصطلاح عليه بالتقابض الحكمي، ومثل أحكام العقود التي تجرى بوسائل الاتصال الحديثة، ومثل ذلك فقل في تكييف العقود المركبة، والتي تتكون من أكثر من صورة من صور العقود القديمة، مثل عقد بيع المرابحة للآمر بالشراء، فإنه عقدٌ يتكون من عقد بيع، ووعد بالشراء، وبيع مرابحة.

 

واختتم المفتي كلمته بقوله: "إنه من توفيق الله تعالى للقائمين على تنظيم هذا المؤتمر الكريم اختيار هذه القضية التجديدية المهمة؛ لتكون عنوانًا لهذا المؤتمر، والتي أعتبرها -بلا مبالغة ولا تهويل- هي واجب الوقت ومظهرًا من مظاهر تجديد الخطاب الديني الذي أصبح الرسالة الأولى والأهم لمؤسساتنا الدينية وصروحنا العلمية. وجديرٌ بعلماء كليات الشريعة والقانون بجامعة الأزهر الشريف أن يكونوا في مقدمة صفوف من يجددون للأمة أمر دينها".

من جانبه، قال الدكتور ماهر أحمد عامر، عميد الكلية ورئيس المؤتمر، إن العلم المادي والكم الحسابي هو المقياس الذي تعرف به الحقيقة في هذه الأوقات، ونتيجة لذلك ظهر العديد من المستجدات والنوازل الطبية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تحتاج إلي تكيف فقهي وقانوني، وقد تصدى طلاب العلم والباحثون إلى هذه المستجدات، كل في مجال تخصصه، وقد انقسموا في سبيل ذلك الي فريق مقدس في التطورات العلمية، يرى ضرورة فرضها على المجتمع، وفريق آخر يرى في هذا التقدم سبيلا للانفلات الأخلاقي، والانحراف المنهجي عن جاده الطريق، الذي رسمه لنا الشرع الحنيف.

المؤتمر-العلمى-الدولى-بكلية-الشريعة-بطنطا-(1)
 
المؤتمر-العلمى-الدولى-بكلية-الشريعة-بطنطا-(2)
 
المؤتمر-العلمى-الدولى-بكلية-الشريعة-بطنطا-(3)
 
المؤتمر-العلمى-الدولى-بكلية-الشريعة-بطنطا-(4)
 
المؤتمر-العلمى-الدولى-بكلية-الشريعة-بطنطا-(5)
 
المؤتمر-العلمى-الدولى-بكلية-الشريعة-بطنطا-(6)






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة