شكل السياسات التي تنتهجها بريطانيا في محاربة جماعات الإسلام السياسي لغزا محيرا للغاية، وكباقي الدول الأوروبية لم تسلم من الاعتداءات الإرهابية المتسلسلة، منها ما تسببت به هي بالذات ومنها ما له صلة بالجماعات الإسلامية المتطرفة كجماعة الإخوان والسلفية الجهادية وغيرها، ومنها ما له علاقة باليمين المتطرف المعادي للإسلام والمسلمين على حد سواء، ولمجابهة هذه المعضلة فقد اتخذت السلطات البريطانية العديد من التدابير الوقائية وسنت بعض القوانين التي بموجبها سيتم مراقبة خطابات الأئمة داخل دور العبادة ومحاربة التطرف في المجتمع خاصة في المساجد الكبيرة والمدارس حتى قبل تبني الأفراد للفكر المتطرف أو الالتحاق بالمنظمات الإرهابية كداعش والإخوان وغيرها
التشريعات والإجراءات المتبعة لمواجهة التطرف
وكشفت دراسة للمركز الأوروبي لمكافحة الإرهابية أنه سنت بريطانيا في السنوات الأخيرة بعض القوانين لمحاربة التطرف منها مثلا “مشروع قانون التطرف” الذي بموجبه تكون المساجد الحاضنة للمتطرفين عرضة للإغلاق، وقد تميزت تصريحات أبرز المسؤولين بالحزم حيث تم اتخاذ إجراءات أمنية تهدف لحظر منظمات وغلق المؤسسات المروجة للتطرف والكراهية.
ومن جانب آخر مثلما طالب البرلمان البريطاني وزيرة الداخلية في مارس 2021 بتقديم تقييم فوري للنشاطات الاقتصادية لدى جمعيات الإخوان، لغرض التأكد من عدم استخدامها في تمويل التطرف، ومن منعها من استعمال الإنترنت في نشر عقائد التطرف للأئمة والدعاة التابعين لها، ومراقبة الخطب الدينية والدروس التي تبثها لأتباعها لتعويضهم عن ارتياد المساجد المغلقة بسبب الوباء العالمي.
إستراتيجية الحكومة البريطانية ضد التطرف والإرهاب
وأكدت الدراسة أنه وصفت إستراتيجية الحكومة لمكافحة الإرهاب بالفاشلة، كما أن خطة المنع كان تأثيرها سلبيا للغاية، إذ سعت بريطانيا جاهدة لتقليل تأثير التطرف إلا أنها لم تنتبه لنقطة حساسة وهي أنها عزلت الشباب المسلم فكانت النتيجة عكسية تماما بل أن ذلك دفعهم نحو الجماعات المتشددة. علما بأن هذا البرنامج المزعوم يمثل جزءا من إستراتيجية الحكومة ضد الإرهاب ويرمي للحيلولة قبل أن يصبح الأفراد متطرفين أو إرهابيين أو مؤيدين للإرهاب، فالملاحظ هو محاولة من الحكومة البريطانية لكسر هذه السلسلة بفعل هذا البرنامج الذي لقي انتقادات كثيرة بل أن البعض اتهمه بانتهاك حقوق الإنسان ،وكتقييم لبرنامج الأمن الوقائي لأماكن العبادة.
وتابعت الدراسة أنه في قراءة أولية حول هذه الإجراءات والقوانين التي حاولت بفعلها بريطانيا التصدي لكل صيغ التطرف سواء ضد المسلمين أو العكس أجد أنها تصب في اتجاهين الأول يتعلق بتوفير الحماية لدور العبادة للمسلمين من خلال إتباع إجراءات معينة وهو أمر مفروغ منه وتقليدي، أما الثاني وهو إمكانية المراقبة عن كثب لكل التحركات المشبوهة والخطب المتطرفة في المساجد وهو بالتالي إجراء وقائي يجبر الأئمة والجمعيات على الشفافية في طرح الخطب الدينية في ظل الاعتداءات التي تطال المساجد والمسلمين تبقى الخيارات محدودة جدا أمام المسلمين بالرغم من كثرتهم وكثرة المساجد التي يؤدون فيها صلواتهم اليومية ونشاطاتهم الجمعوية وغيرها.
تقييم برامج تدريب الأئمة في بريطانيا
وأوضحت الدراسة أنه يبدوا أن بريطانيا غير مهتمة كثيرا ببرامج تكوين الأئمة فمنذ أن عقدت دورات تدريبية لتأهيل الأئمة لمحاربة الفكر المتطرف في إطار مشروع الحكومة البريطانية في سنة 2019 الذي خطط لزيادة عدد الأئمة المدرَّبين على محاربة التطرف في السجون البريطانية لم تسجل برامج أخرى مماثلة، وحول هذه المسألة نبه أحد المعنيين بهذا الشأن أن الحالة المعرفية للائمة في حاليا في أوربا عموما وبريطانيا خصوصا تساعد على تسهيل نشر خطاب العنف والكراهية، فالعديد ممن يقومون بالخطبة في المساجد ليسوا خريجي مدارس دينية متخصصة تصدروا المشهد واعتلوا المنابر لصلاتهم ببعض المنظمات الإسلامية رغم جهلهم بثقافة المجتمعات الأوروبية وافتقارهم لعامل مهم يتعلق باللغة، مما يؤدي بالضرورة إلى إعاقة تواصلهم واندماجهم في المجتمع، ويسهل استمرارية حملهم للأفكار المتطرفة ونشرها، علما بأن أن الكثير من الأئمة يأتون إلى بريطانيا بعد أن تلقوا تعليمهم أو تدريبهم في بلدان أخرى كباكستان وبنغلادش وغيرها فهم يحملون معهم إلى بريطانيا أفكارا ومفاهيم لا تتواءم والحياة في بريطانيا وتتميز معظمها بالتشدد .
قراءة نقدية لعلاقة المجلس الإسلامي بالحكومة البريطانية
أنشأ المجلس الإسلامي البريطاني سنة 1997، وهو يعتبر هيئة جامعة لحوالي 500 مسجد ومدرسة ورابطة سنية في بريطانيا، ويشمل منظمات ومؤسسات إسلامية وطنية وإقليمية ومحلية ومتخصصة من مختلف الخلفيات الإثنية والطائفية داخل المجتمع الإسلامي البريطاني. إذ كانت الغاية الأساسية من تأسيسه زيادة التعليم عن الإسلام والقضاء على المساوئ وأشكال التمييز التي يواجهها المسلمون.
تقييم إلى الإجراءات والتشريعات المنتهجة
يعتقد كتقييم لما مضى بأن الإجراءات التي قامت بها بريطانيا غير كافية ولا تدل على الاهتمام الفعلي بمحاربة التطرف إلا ظاهريا، فالقوانين التي شرعتها لاقت الكثير من الانتقادات كقانون المنع مثلا الذي شجع مثلما رأينا سابقا الشباب المسلم في بريطانيا على الالتحاق بالجماعات الإرهابية المتشددة بسبب حالة العزلة التي أصبحوا يعانون منها، عدا ذلك يمكن الإشارة فقط لبرنامج الأمن الوقائي لأماكن العبادة الذي يبدوا بأنه منصب نحو حماية المساجد من التطرف المضاد على حساب محاربة التطرف الإخوانى.
نجد أن هناك تناقضا كبيرا بين الحكومة والمجلس الإسلامي فالشيء المشترك بين كلا الطرفين هو تلك العلاقة السرية القائمة بينهما وبين جماعة الإخوان المسلمين، والدليل على ذلك هو تأخر السلطات البريطانية في حظر مثل هذه الجماعات المتطرفة إلا مؤخرا فقط 2021، فالأمر الغريب هو أن الحكومة تتهم المجلس الإسلامي بوجود علاقات سرية مع الإخوان، وهي حاضنة لها وفي علاقة تاريخية منذ عهد جمال عبد الناصر في مصر.
لم تسلط بريطانيا الضوء على مسألة إعداد الأئمة كثيرا، حيث كانت مساعيها محدودة فلم يلاحظ عنها أية إجراءات ميدانية حول معاهد مختصة في تدريب الأئمة كالذي أقامتا ألمانيا مثلا فهي ربما ركزت ولا تزال كذلك على نواحي أخرى ولم تدرك بعد دور هذه المعاهد في محاربة التطرف والإرهاب، رغم أن بعض المحللين أكدوا على ضرورة إيجاد حل مجتمعي يساهم فيه الجميع، فبريطانيا متراخية جدا في مثل هذه القضايا بدليل أنها أجبرت على الاستفاقة مثل بقية الدول الأوربية من خطر الإخوان في الآونة الأخيرة وقررت حظرها بعدما ثبتت أقدامها وتغلغلت في جميع النواحي خاصة في المجال السياسي.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة