بين المشرع في الجدول رقم "5" الملحق بقانون المخدرات النباتات المخدرة، أن النباتات الممنوع زراعتها القنب "كانابيس ساتيفا" ذكراً كان أو أنثى بجميع مسمياته، مثل الحشيش أو الكمنجة أو البانجو، أو غير ذلك من الأسماء التي قد تطلق عليه الخشخاش "بابافيرمونيفيرم" بجميع أوصافه ومسمياته، مثل الأفيون أو أبو النوم أو غير ذلك من الأسماء التي قد تطلق عليه.
فضلاَ عن جميع أنواع جنس البابافير - الكوكا "إيروثروكسيلوم كوكا"، بجميع أصنافه ومسمياته، و"القات" بجميع أصنافه ومسمياته، فهذا الجدول كما هو واضح أغفل بذور تلك النباتات، ولهذا أثير تساؤل حول ما إذا كان الاتصال بهذه البذور مجرم من عدمه؟ وهل هذه البذور تعد مادة مخدرة من عدمه؟ وأن كانت كذلك فما هو مقدار العقاب على الاتصال بها؟
نبات "القات"
التجريم والعقاب في الحيازة والإحراز لبذور النباتات المخدرة
وللإجابة على حزمة الأسئلة تلك – يقول أستاذ القانون الجنائي والمحامي بالنقض ياسر الأمير فاروق، في البداية نشير أن المشرع جرم الاتصال بالنباتات المخدرة الواردة في الجدول رقم "5" وجعله "جناية" عقوبة السجن المشدد طبقا للمادة "38" ثم شدد العقوبة بحسب قصد المتهم، كما حظر المشرع كذلك حيازة واحراز بذور هذه النباتات في المادة 29، ولكنه في ذات الوقت أغفل ذكر عقوبة الاتصال بهذه البذور، إذ نصت المادة الأولى من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل أنه:
"تعتبر جواهر مخدرة في تطبيق أحكام هذا القانون المواد المبينة بالجدول رقم 1 الملحق به ويستثنى منها المستحضرات المبينة بالجدول رقم (2)"، ونصت المادة 29 من ذات القانون على أنه: "يحظر على أي شخص أن يجلب أو يصدر أو ينقل أو يملك أو يحرز أو يشتري أو يبيع أو يتبادل أن يتسلم أو يسلم أو ينزل عن النباتات المبينة بالجدول رقم (5) في جميع أطوار نموها، وكذلك بذورها مع استثناء أجزاء النباتات المبينة بالجدول رقم (٦)"، ونصت الفقرة الأولى من المادة 38 على أنه: "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها القانون يعاقب بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 200 ألف جنيه كل من حاز أو أحرز أو اشترى أو سلم أو نقل أو زرع أو أنتج أو استخرج أو فصل أو صنع جوهراً مخدراً أو نباتاً من النباتات الواردة في الجدول رقم (5) وكان ذلك بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً".
نبات "القنب"
عدد من تجار المخدرات يتعاملون في نباتات مخدرة لم ترد في الجدول رقم "5"
وبحسب "فاروق" في تصريح لـ"اليوم السابع" - ومن ثم فإن بذور النباتات المخدرة – حتى هذه اللحظة - لا تدخل في التأثيم الوارد بالمادة "38" بوصف "الجناية"، ويجب أن ينتبه المشرع لهذا الأمر، إذ أن تلك البذور لم ترد بالجدول رقم "5"، ولكن يحظر الاتصال بها طبقا للمادة "29"، فهل يعنى ذلك عدم العقاب علي الاتصال بتلك البذور مطلقا؟ لا نعتقد ذلك إذ أن هذا الاتصال مجرم في قانون مكافحة المخدرات بنص عام في المادة "45"، ولكن بوصف "جنحة"، إذ احتاط المشرع بعد أن رصد عقوبات رادعة علي الاتصال بالمواد المخدرة، ولكنه احتاط بأن تفوته ثمة مخدرات حظرها واغفل العقاب عليها كبذور النباتات المخدرة، فنص في الفقرة الأولى من المادة "45" من ذات القانون على أنه: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر وبغرامة لا تجاوز 2000 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب أيه مخالفة أخرى لأحكام هذا القانون أو القرارات المنفذة له"، بما يعنى أن حيازة واحراز بذور النباتات المخدرة "جنحة" طبقا للمادة "45" وليس "جناية" طبقا للمادتين 29 و38.
والاتهام "جنحة" وليست "جناية"
ووفقا لأستاذ القانون الجنائى - ورغم ذلك رأت إحدى محاكم الجنايات في حكم سابق لها عقاب المتهم لإحرازه تلك البذور بغير قصد من القصود المسماة بالسجن المشدد لمدة 3 سنوات، وذلك عملا بالمادتين 29 و38 من قانون المخدرات، فطعن المتهم بالنقض في هذا الحكم، ورأت النقض أن الواقعة "جنحة" طبقا لنص المادة "45" من قانون مكافحة المخدرات التي وضعت نص عام يعاقب بالحبس علي كل مخالفة لأحكام قانون المخدرات بعد أن استبعدت وصف "الجنائية"، ولكن هذا الاستبعاد في منطق النقض كان مرجعه خلو الجدول رقم "5" من بذور النباتات المخدرة، وهو أمر "فيه نظر" إذ الحظر في المادة "29" شمل النباتات وبذورها المبينة بالجدول "5" بما يفهم منه أن الحظر يشمل النباتات التى وردت في هذا الجدول، وكذا بذورها حتي لو لم يذكر البذور بالجدول إذ المادة "29" صريحة في هذا الشأن، وعلي أي حال انتهت محكمة النقض الي نتيجة صحيحة إذ صححت الحكم للحبس لمدة 3 أشهر.
نبات الخشاش - أبو النوم
رأى محكمة النقض في الأزمة
سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الإشكالية في الطعن المقيد برقم 5427 لسنة 89 قضائية، حيث قالت في حيثيات الحكم أنه لما كانت المادة الأولى من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل قد نصت على أنه: "تعتبر جواهر مخدرة في تطبيق أحكام هذا القانون المواد المبينة بالجدول رقم (1) الملحق به، ويستثنى منها المستحضرات المبينة بالجدول رقم (2)"، ونصت المادة "29" من ذات القانون على أنه: "يحظر على أي شخص أن يجلب أو يصدر أو ينقل أو يملك أو يحرز أو يشتري أو يبيع أو يتبادل أن يتسلم أو يسلم أو ينزل عن النباتات المبينة بالجدول رقم (5) في جميع أطوار نموها وكذلك بذورها مع استثناء أجزاء النباتات المبينة بالجدول رقم (6)".
وذكرت "المحكمة" - ونصت الفقرة الأولى من المادة 38 على أنه: "مع عدم الإخلال بأية عقوبة أشد ينص عليها القانون يعاقب بالسجن المشدد وبغرامة لا تقل عن 50 ألف جنيه ولا تجاوز 200 ألف جنيه كل من حاز أو أحرز أو اشترى أو سلم أو نقل أو زرع أو أنتج أو استخرج أو فصل أو صنع جوهراً مخدراً أو نباتاً من النباتات الواردة في الجدول رقم (5) وكان ذلك بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً"، وجرى نص الفقرة الأولى من المادة "45" من ذات القانون على أنه: "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 أشهر وبغرامة لا تجاوز 2000 جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتكب أيه مخالفة أخرى لأحكام هذا القانون أو القرارات المنفذة له".
العقوبة تصل للحبس 3 شهور فقط
لما كان ذلك - وكانت الجريمة التي دين الطاعن بها هي حيازته بغير قصد الاتجار أو التعاطي أو الاستعمال الشخصي بذور نبات الحشيش المخدر، وكان البين من استقراء النصوص سالفة البيان أن الشارع أفصح في المادة الأولى من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل عن مقصودة بالجواهر المخدرة وهي التي أثم الاتصال بها في المادة "38" المار ذكرها والمبينة بالجدول رقم "5" عند انعدام القصد في هذا الاتصال، ولم يرد بالجدول المذكور بذور النباتات المخدرة، ومن ثم فإن هذه البذور تدخل في نطاق التأثيم الوارد في صريح نص المادة "29" من ذات القانون وهي الواقعة المستوجبة للعقوبة في الدعوى.
هذا وقد رصد لها المشرع بمقتضي المادة "45" آنفة البيان عقوبة الجنحة، وإذ لم يلتزم الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى بالسجن لمدة 3 سنوات وتغريمه 50 ألف جنيه والمصادرة، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه نقضاً جزئياً، وتصحيحه بجعل العقوبة المقضي بها الحبس لمدة 3 شهور وتغريمه مبلغ 1000 جنيه، ورفض الطعن فيما عدا ذلك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة