مع بدايات التليفزيون المصرى عام 1960، كان الأمر غير معتاد لمعظم النجوم الذين سبق وتعاملوا مع السينما والمسرح، فلم يكن مألوفًا التعامل مع 3 كاميرات بدلًا من كاميرا واحدة، كما لم يكن علم المونتاج قد تطور مثل الآن، وكانت الأعمال التليفزيونية يتم تصويرها فى شوط واحد، وإذا حدث خطأ من فنان أثناء التصوير تتم إعادة المشاهد من بدايتها.
وخلال حوارات متعددة لنجوم الزمن الجميل تحدثوا عن ذكرياتهم والمواقف التى تعرضوا لها عندما وقفوا أمام كاميرا التليفزيون لأول مرة، كما تحدث عدد من مخرجى التليفزيون عن المواقف المحرجة والصعبة التى واجهتهم، وكيف تغلبوا عليها فى بدايات التليفزيون.
مشكلة بسبب عشاء عبدالوهاب و«النحنحة»
وكان من بين المواقف ما حدث مع موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، حين دعى لأول مرة لتسجيل أحد البرامج للتليفزيون، وعندما بدأ التسجيل أراد عبدالوهاب أن يتنحنح كعادته، ولكن صاح فيه المخرج: «إيه ده يا أستاذ»، فرد موسيقار الأجيال: «أنا عادتى كدة»، وأعيد التسجيل من جديد، وحرص عبدالوهاب على أن يكتم النحنحة حتى انتهى التسجيل، وبعدها تنفس الصعداء قائلاً: «إيه ده دى حبسة وحشة خالص».
محمد عبدالوهاب
كما حكى المخرج محمد سالم، أحد كبار مخرجى التليفزيون فى حوار قديم عن موقف آخر حدث مع عبدالوهاب، حين كان سالم يجهز حلقة من حلقات برنامج البيانو الأبيض، وكان اتفق مع محمد عبدالوهاب على تقديم فقرات البرنامج، ولم يكن سالم يعرف شيئًا عن عادات موسيقار الأجيال.
وقال المخرج الكبير إنه بدأ البروفات للبرنامج فى الساعة 8 مساء، وأن عبدالوهاب متحمس جدًا، كان مقررًا أن يتم بث البرنامج على الهواء فى الساعة 11 مساء، وجلس سالم فى غرفة الكنترول يتابع العمل.
وأشار المخرج إلى أنه عندما دقت الساعة 9، اختفى عبدالوهاب نهائيًا من الاستوديو، والجميع يبحث عنه، وتحير سالم ماذا يفعل فى هذا الموقف الحرج، وبينما يفكر صرخ أحد المساعدين فرحًا وهو يقول «وجدته»، حيث كان عبدالوهاب يتناول العشاء فى إحدى القاعات الخارجية لمبنى التليفزيون، فجرى إليه المخرج.
وقال المخرج محمد سالم: «ذهبت وأنا أتكلف ابتسامة، وقلت له: «هتخلص عشا امتى يا أستاذ»، فأجاب بكل هدوء: «بعد ساعة بالظبط»، وهنا رد المخرج: «طيب والبروفات؟»، فرد عبدالوهاب بكل هدوء: «نبدأها الساعة 10».
وأضاف سالم، أنه فى تمام الساعة 10 وجد عبدالوهاب فى الاستوديو، ولكن لم تكد تبدأ البروفة حتى بحث عنه مرة أخرى فلم يجده، وعلى الفور ذهب المخرج للقاعة التى تناول فيها عبدالوهاب الطعام، فوجده يتناول بعض الفاكهة، وسأله متعجبًا: إيه ده يا أستاذ؟! فأجاب موسيقار الأجيال بكل هدوء: أصلى نسيت الفاكهة وكانت غير مثلجة فأرسلت لإحضار فاكهة مثلجة من المنزل.
وأوضح المخرج، أن عبدالوهاب، ظل يأكل حتى الساعة الحادية عشرة إلا الربع، وكاد سالم يشد شعره من التوتر والغيظ، وانتظر حتى عاد بعبدالوهاب إلى الاستوديو، ثم أغلق الأبواب بالمفتاح ووضعه فى جيبه، خوفًا من أن يخرج مرة أخرى ليشرب القهوة، وعندما دقت الساعة 11 بدأ بث البرنامج، وكان عبدالوهاب متألقًا وفى غاية النشاط والإبداع، ولكن أكد سالم أنه تعلم من هذا الموقف أن موسيقار الأجيال يتناول عشاءه الساعة 9 مهما كانت الظروف، وعليه أن يحفظ هذه المعلومة إذا تعاون معه مرة أخرى.
ارتباك ماجدة
أما الفنانة الكبيرة ماجدة، فذكرت فى أحد حواراتها القديمة، أنها حين وقفت أمام كاميرا التليفزيون لأول مرة ظنت أن المسألة لا تختلف كثيرًا عن الوقوف أمام كاميرات السينما، لكنها حين دخلت إلى استوديو التليفزيون وجدت نفسها أمام ثلاث كاميرات، ووراء كل كاميرا مصور يحمل سماعة فوق أذنيه، وهى لا تعرف أين تقف.
ماجده
وكانت ماجدة تعرف كادراتها جيدًا أمام كاميرا السينما، ولكنها لم تعرف كيف تقف أمام ثلاث كاميرات للتصوير التليفزيونى، ووقعت فى مأزق وهى تجيب عن الأسئلة فى أحد البرامج وشعرت بالارتباك، وحين كاد الحديث أن ينتهى تلعثمت فى بعض الكلمات، وصاح المخرج «ستووب»، وقالت ماجدة: «ممكن نعيد»، فأجاب المخرج: «ممكن أعيد طبعًا بس من الأول خالص»، وفهمت ماجدة فى هذه اللحظة أن التصوير للتليفزيون يختلف تمامًا عما اعتادته فى التصوير للسينما وأن أى خطأ وإعادة معناها إعادة التصوير من بدايته.
وخرجت ماجدة بعد ساعة ونصف من الاستوديو، وهى تجفف عرقها رغم التكييف، وتقول: «يا خبر ده التصوير للتليفزيون أصعب من السينما بكتير».
لسه بدرى يا يوسف بك
وفى أول تمثيلية قدمها الفنان الكبير يوسف وهبى للتليفزيون، وشاركه العمل فيها الفنان الكبير حسن البارودى، كان آخر مشهد يتحدث فيه يوسف وهبى بالتليفون، وأثناء التسجيل اتجه الفنان الكبير ناحية التليفون قبل أن تحين اللحظة المناسبة لهذا المشهد، وتنبه زميله حسن البارودى، فقال له بصوت منخفض: «لسه بدرى يا بيه»، وهنا صرخ المخرج: «مين اللى اتكلم؟ استووب»، واضطر لإعادة التسجيل من بداية الحلقة، وكاد يوسف وهبى أن يثور ويغضب لولا أنه تمالك أعصابه لأنه السبب فى هذه الغلطة، ومن يومها حرص الفنان الكبير على حفظ الأدوار جيدًا، وألا يخطئ فى «الميزانسين»، حتى لا تتكرر مأساة أول تمثيلية.
يوسف وهبى
فوزى والست أمينة نسيا الكلام
ورغم أن عددا من النجوم عرفوا بقدرتهم على حفظ أدوارهم واعتادوا على الوقوف أمام الجمهور والكاميرات، إلا أن بعضهم شعر بالارتباك عندما وقف أمام كاميرا التليفزيون لأول مرة، وكان من بين هؤلاء النجوم الفنان العبقرى محمد فوزى، فعندما اشترك فى برنامج «مجلة الأغانى» ووقف أمام كاميرات التليفزيون فى الاستوديو لأول مرة شعر ببعض الاضطراب، عندما أعلن المخرج بدء التصوير.
ارتبك فوزى وتلعثم رغم أنه اعتاد الوقوف أمام كاميرا السينما، وأمام الجمهور فى الحفلات، وعندما بدأ يتكلم عجز لسانه عن الكلام، ولاحظ المخرج ذلك، فقال له: «هدى نفسك شوية يا أستاذ، تحب ترتاح؟».
امينه رزق
وبالفعل ارتاح فوزى لمدة ساعة وعاد بعدها ليستأنف التصوير، وبعد ذلك اعتاد على الوقوف أمام كاميرات التليفزيون.
وهو نفس ما حدث مع الفنانة الكبيرة أمينة رزق، وكانت معروفة بأنها تحفظ أدوارها عن ظهر قلب، ورغم ذلك عندما واجهت كاميرات التليفزيون لأول مرة فى إحدى التمثيليات التى يشاركها فيها يوسف وهبى شعرت باضطراب شديد، وارتبكت وهى تقول الحوار الخاص بها، وراحت تقول كلاما لا علاقة له بما حفظته، حيث تداخل النص مع نص آخر فى تمثيلية للإذاعة كانت تستعد لتسجيلها، واضطر المخرج أن يوقف التصوير حتى يعود الهدوء للست أمينة وتزول عنها رهبة الوقوف أمام كاميرا التليفزيون.
بديع خيرى يبدع وينقذ الموقف
وكان من بين هذه المواقف ما حكاه المخرج كمال أبو العلا، مدير الإعداد بالتليفزيون وقتها فى حوار قديم، حيث أشار إلى أنه كان يقوم بإخراج برنامج «مع الموسيقى العربية»، واتفق مع أحد الأدباء الذين تخصصوا فى دراسة تاريخ الموسيقى لكى يقدم الحلقة، وكان موعد التسجيل فى الساعة 8 مساء، ولكن الضيف لم يحضر، وحاول المخرج أن ينقذ الموقف بأى طريقة، ولكنه لم يجد حلًا حتى كاد أن يلغى الحلقة وهو ما كان سيسبب مشاكل أخرى.
بديع خيرى
وفى آخر لحظة تصادف وجود الأديب والمبدع الكبير بديع خيرى فى مبنى التليفزيون، وكان وجوده طوق النجاة للمخرج وللبرنامج، حيث عرض كمال أبو العلا على بديع خيرى أن ينقذه من هذا الموقف، فرحب خيرى على الفور.
وأكد «أبو العلا» أن هذه الحلقة كانت من أنجح حلقات البرنامج حيث غنى فيها بديع خيرى من ألحان وأغانى زمان وتحدث عن تاريخ الموسيقى، وعن ذكرياته الثرية والطريفة، ووصلت للبرنامج مئات الخطابات من الجمهور تبدى إعجابها بهذه الحلقة الممتعة.
حنة قطر الندى
وكان من بين المخرجين الذين عملوا فى بدايات التليفزيون المخرج عبدالمنعم شكرى، والذى حكى عن موقف حدث له حين كان يقوم بإخراج أوبريت «قطر الندى» الشهير للتليفزيون.
حسن البارودى
ومعروف أن قصة قطر الندى ترتبط بالحناء، ودائمًا عندما يذكر اسم قطر الندى تتردد فى الأذن أغنية «الحنة الحنة يا قطر الندى».
وقال عبدالمنعم شكرى، إن أحد مشاهد الأوبريت كان يتطلب أن تضع قطر الندى الحنة فى قدميها، واتفق مع عامل الإكسسوار على إحضار مادة ملونة لاستخدامها فى المشهد بدلًا من الحنة.
وعندما جاء موعد تصوير المشهد سأل المخرج «فين الحنة»، وعندما سمعته المطربة التى تقوم بدور قطر الندى، ثارت وأعلنت رفضها وضع الحنة، قائلة: «مش ممكن أحط حنة فى رجلى أبدًا»، وحاول المخرج إقناعها بأن هذه مادة ملونة وليست حنة حقيقية ولكنها لم تقتنع وهددت بأنها ستغادر الاستوديو، ولم ينقذ الموقف إلا حين قرر المخرج أن يجرب أمامها هذه المادة، ويضعها على يديه حتى تقتنع الفنانة بأنها مادة ملونة سهل أن تزول بالمياه، وبهذا اقتنعت المطربة ووافقت على تصوير المشهد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة