"أثناء مرور رجل الضبط القضائي لتنفيذ إذن من النيابة العامة بتفتيش بعض الأشخاص لضبط سواء ما يحوزونه أو يحرزونه من أسلحة وذخائر في غير الأحوال المصرح بها قانوناً شاهد مقهى ينبعث منها ضوءاً خافتاً في وقت متأخر من الليل، فاقترب من الباب شيئاَ فشيئا لاستطلاع الأمر، فسمع أصوات عالية من الضحك تخرج من المقهى، وشاهد دخاناً ينبعث منها يخالطه رائحة احتراق الحشيش وكانت الرائحة نفاذة".. بهذه الكلمات بدأ الحاج "أحمد. ع"، 63 سنة، محافظة الدقهلية، سرد مأساته مع مستأجر المحل لديه الذي حوله لمقهى حسب العقد إلا أنه تم القبض عليه بتهمة الاتجار في المخدرات ثم حُكم عليه بالسجن 5 سنوات، ثم طعن على الحكم.
هل يتمتع "المحل" بحرمة المسكن؟
ويضيف: "وبدخول رجل الضبط القضائي وجد – صاحب المقهى - ممسكاً بشيشة نحاسية، ويقوم بتمريرها على رواد المقهى - الزبائن المتواجدين - كما وجد منضدة خشبية عليها قطعة من الخشب مثبت على 20 حجر منها إحدى 11 حجراً يعلوها المعسل، وقطعة من مادة الحشيش وأربعة أحجار أخرى بها أثار بقايا معسل محترق و9 أخرى فارعة، فتحفظ على المضبوطات وضبط – صاحب المقهى والمتواجدين - بالمقهى وقت الضبط واتخذ حيالهم الإجراءات القانونية، وتم احالتهم للنيابة العامة".
وتابع: اتهمت النيابة العامة صاحب المقهى أولاَ: بأنه حاز – وآخرون بقصد التعاطي جوهراً مخدراً – حشيشاً - بدون تذكرة طبية وفي غير الأحوال المصرح بها قانوناً، وثانياَ: أعد وأدار وهيأ مكاناً – مقهى - لتعاطي المخدرات، وأحالته إلى محكمة الجنايات والمحكمة المذكورة قضت حضورياً رواد المقهى بالبراءة وبمعاقبة – صاحب المقهى - بالأشغال الشاقة لمدة 5 سنوات وتغريمه 5 آلاف جنيه والغلق، وذلك عن التهمة الثانية وببراءته من التهمة الأولى، فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض.. فكيف تم الوصول إلى تلك الأحكام وما مصير ذلك الطعن؟
كيف تدرج المشرع في عقوبات المخدرات؟
وفى هذا الشأن – يقول الخبير القانوني والمحامى بالنقض سامى البوادى – أنه باستقراء مواد القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل في شأن مكافحة المخدرات، وتنظيم استعمالها والاتجار فيها يفصح عن أن المشرع اختط خطة تهدف إلى التدرج في العقوبات تبعاً لخطورة الجريمة، فنص في المادة 33 على عقوبة الإعدام لجريمة تصدير أو جلب جواهر مخدرة قبل الحصول على ترخيص بذلك، وكذا إنتاج أو استخراج أو فصل أو صنع جوهر مخدر متى كان ذلك بقصد الاتجار وأعقب ذلك بالعقوبة في المادة 34 إلى الإعدام أو الأشغال الشاقة المؤبدة لجريمة أقل خطورة، وهي الاتجار في المواد المخدرة وزراعة النباتات الواردة في الجدول رقم (5) المرفق بالقانون والاتجار فيها.
وبحسب "البوادى" في تصريح لـ"اليوم السابع" - وكذا جريمة من رخص لهم في حيازة جواهر مخدرة لاستعمالها في أغراض معينة وتصرفوا فيها بأي صورة كانت في غير تلك الأغراض، ثم ألحق بهذه الجرائم في الفقرة "د" من هذه المادة جريمة إدارة أو إعداد أو تهيئة مكان لتعاطي المخدرات، وبعد ذلك عرضت المادة 35 لحالة تقديم جوهر مخدر للتعاطي بغير مقابل أو تسهيل تعاطيها وقدرت لها عقوبة أخف نوعاً وهي عقوبة الأشغال المؤبدة.
المغايرة بين الفقرة "د" من المادة 34 وبين المادة 35
ووفقا لـ"البوادى" - وهذه المغايرة بين الفقرة "د" من المادة 34 وبين المادة 35 تدخل مرتكبي الجريمة الأولى في عداد المتجرين بالمواد المخدرة وتكشف عن أن إدارة أو إعداد أو تهيئة المكان في حكم الفقرة د من المادة 34 لتعاطي المخدرات، إنما تكون بمقابل يتقاضاه القائم عليه، وهو ما يلزم عنه تخصيص مكان لتعاطي المخدرات، وهو الأمر المستفاد من منطق التأثيم في هذه الصورة من صور التسهيل للتعاطي بتغليظ العقاب على مرتكبها شأنهم في ذلك شأن المتجرين بالمواد المخدرة سواء بسواء أما حيث يكون تسهيل تعاطي المخدرات بغير مقابل، فتكون العقوبة الأخف المنصوص عليها في المادة 35 من القانون ذاته.
رأى محكمة النقض في تلك الأزمة
هذا وقد سبق لمحكمة النقض التصدي لمثل هذه الأزمة في القضية المقيدة برقم 156 لسنة 56 القضائية، حيث قالت في حيثيات الحكم أن المحل العام يصبح خاصاً، فيتمتع بحرمة المسكن في الأوقات التي يغلق فيها في وجه الجمهور - فإذا كان الثابت من الحكم أن الضابط شاهد "دكان" الطاعن مضاءة في ساعة متأخرة من الليل، فاقترب منها فشاهد دخاناً ينبعث منها يخالطه رائحة الحشيش، فدخل المقهى فوجد الطاعن ممسكاً بسيجارة ملفوفة بجوهر الحشيش المخدر – ويمررها على مجموعة من أصدقائه الموجودين معه داخل "الدكان" - فإنه كان يقتضي على المحكمة أن تتحقق من وقت حصول الواقعة وما إذا كان "الدكان" أو المحل مفتوح للجمهور أم مغلق وكيفية دخول الضابط إليه وصولاً إلى التحقق من صحة أو عدم صحة الدفع من حيث الواقع والقانون معاً.
لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه رد على دفع الطاعن ببطلان القبض والتفتيش بأن "لرجال السلطة العامة في دوائر اختصاصاتهم دخول المحال العامة أو المفتوحة للجمهور لمراقبة القوانين واللوائح وهو إجراء إداري أكدته المادة 41 من القانون رقم 371 لسنة 1956 في شأن المحال العامة وأن لمأمور الضبط القضائي أن يضبط ما تدركه حواسه لأول وهلة من جرائم وهو ما توافر في هذه الدعوى لأن الرائد "....." شاهد "الدكان" مضاء في وقت متأخر من الليل دخل إليه لاستطلاع الأمر بموجب حقه المخول قانوناً وشاهد الأول وهلة أن "الدكان" أعد وهيأ (غرزة) لتعاطي المخدرات".