نواصل سلسلة حياة المصريين مع موسوعة مصر القديمة ونتوقف مع الجزء الثامن عشر الذى يأتى بعنوان الأدب المصرى القديم: فى الشعر وفنونه والمسرح.
يقول سليم حسن تحت عنوان "متون الأهرام"
تكلمنا فى الفصل السابق للأغانى والأناشيد عن الشعر الدراماتيكى والدراما، وقلنا: إن أقدم وثيقة وصلت إلينا عن التفكير الإنسانى هى الدراما المنفية، إذ يرجع عهدها إلى (سنة 3400ق.م)، أى فى باكورة الاتحاد الثانى الذى شاهدته البلاد، والوثيقة الثانية التى تتلو هذه الدراما فى القدم هى "متون الأهرام"، التى تعدُّ بحق أهم مصدر يضع أمامنا صورة عن الحالة الدينية والعقلية والاجتماعية فى تلك الأزمان السحيقة.
وسنضع هنا أمام القارئ لمحة عن تاريخ كشف هذه النقوش، ومحتوياتها، والغرض الذى من أجله نُقشت، ومقدار أهميتها فى الأدب الدينى المصرى والحياة المصرية، ثم نورد بعض أمثلة منها بوصفها أقدم نوع من الشعر الدينى:
إن أول ما عُرف من الأهرام — بلا شك — هى الأهرام الثلاثة: "خوفو" و"خفرع" و"منكاورع"، وقد اقتحمها الباحثون عن الكنوز والعلماء، ولم يجدوا فيها ما يَشفى الغلة، وكان الظن السائد أن كل الأهرام كانت عارية عن النقوش إلى أن اقتحم العمال المصريون الذين كانوا يعملون فى الحفائر تحت إشراف "مريت" فى سنة 1880 ميلادية هرم "بيبى الأول"، ثم دخلوا هرم الملك "مرنرع"، وقد وجدوا جدران أروقة هذين الهرمين وممراتهما وحجراتهما مغطَّاةً بآلاف الأسطر من النقوش الهيروغليفية، وهذه النقوش هى التى يطلق عليها الآن اسم "متون الأهرام".
وتوجد هذه المتون منقوشة فى ثمانية من أهرام سقارة التى كانت تعدُّ جبانة "منف" القديمة، وقد قام بتدوين هذه النقوش طائفة من الفراعنة، وهم الملك الأخير فى الأسرة الخامسة، ثم الملوك الأربعة الأُوَل الذين خلفوه فى الأسرة السادسة، ثم زوجات بيبى الثاني، وقد حكموا حسب ترتيبهم المذكور مدة قريبة من قرن ونصف قرن تبتدئ من حوالى سنة 2625، وتنتهى سنة 2475 قبل الميلاد؛ أى حكموا كل القرن السادس والعشرين، ومن المحتمل أنهم حكموا ربع قرن قبل هذا التاريخ وربع قرن بعده أيضًا.
ويظهر لنا على أية حال أن محتويات هذه المتون تشتمل على مادة أقدم من مادة عصور النسخ التى وصلت إلينا، وتشير ثمانى النسخ التى بأيدينا إلى مادة كانت موجودة فيما مضى، ولكنها لم تكن مستمرة الاستعمال بعد؛ فإنك تقرأ فيها عن "فصل أولئك الذين يصعدون" و"الفصل الخاص بأولئك الذين يرفعون أنفسهم"، وذلك يدل على أن هذين الفصلين كانا مستعملين قديمًا فى مناسبات لحوادث مختلفة فى أساطير ذلك العهد القومية، وبذلك يعتبر هذان الفصلان أقدم عهدًا من متون الأهرام التى بأيدينا.
وكذلك توجد فى هذه المتون إشارات إلى الخصومات التى كانت قائمة بين ملوك الشمال (الوجه البحري) وبين ملوك الجنوب (الوجه القبلي)؛ مما يدل على أنها كتبت قبل عهد الاتحاد الثاني؛ أى قبل القرن الرابع والثلاثين قبل الميلاد، هذا إلى أنه توجد فقرات غير هذه الإشارات يرجع تاريخها إلى باكورة عهد الاتحاد الثاني؛ أى فى الوقت الذى كانت فيه تلك الخصومات مستمرة، وكان فيه ملوك الجنوب بالرغم من تلك الخصومات لا يزالون قابضين على زمام الحكم فى الشمال ومحافظين على وحدة الدولة؛ وقد كتبت كل هذه الفقرات بوجهة نظر صعيدية.