أصدرت الدائرة "5" بمحكمة الجيزة الابتدائية - حكما فريدا من نوعه، بفسخ عقد البيع وتسليم الوحدة السكنية لشركة العقارات، ضد مالك إحدى الوحدات السكنية بمنطقة السادس من أكتوبر، بسبب تربيته للكلاب بالوحدة السكنية، الأمر الذي بدوره نتج عنه أذى الجيران، فاضطروا متضامنين مع إدارة شركة العقارات بإقامة دعوى فسخ العقد وتسليم الوحدة بعد التنبيه عليهما "زوج وزوجته" أكثر من مرة، إلا أنهما لم يستجيبا، كما ألزمتهما بأن يؤديا للمتدخلين هجوميًا – الجيران - التعويضات عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقت بهم وبالمدعي بصفته تقدر بـ72 ألف جنيه.
صدر الحكم في الدعوى المقيدة برقم 2567 لسنة 2017 مدني كلى 6 أكتوبر، لصالح المحامي علاء العيلى، برئاسة المستشار ياسر عرفة وعضوية المستشارين خالد عارف وأيمن إدريس.
الوقائع.. نزاع بين شركة عقارات وأحد الملاك بسبب ازعاج الجيران
تتحصل وقائع الدعوى في أن المدعى بصفته قد أقام دعواه بموجب صحيفة طلب في ختامها القضاء بفسخ عقد البيع المؤرخ 17 فبراير 2002، والذي باع بمقتضاه المدعى بصفته للمدعى عليهما الشقة رقم "12" عمارة رقم "...." بمدينة ".........." بالسادس من أكتوبر، والمحددة الحدود والمعالم بصدر صحيفة الدعوى، وذلك لإخلال المدعى عليهما بالتزاماتهما القانونية والتعاقدية الجوهرية المترتبة على عقد البيع، وتسليم الشقة بالحالة التي كانت عليها قبل الاستلام، وذلك كأثر من أثار فسخ العقد، وإلزام المدعى عليهما بالتعويض العادل الذى تقرره المحكمة، ويكون جابراَ لكل الأضرار التي لحقت الشركة المدعية من جراء أفعال المدعى عليهما.
وذلك على سند من القول – أنه بموجب عقد البيع المؤرخ في 10 يونيو 2002 باعت الشركة المدعية للمدعى عليهما الوحدة رقم "12" عمارة رقم "......" بمدينة "......." التابعة للسادس من أكتوبر، ومساحتها "240 م"، وذلك نظير الثمن المحدد بالعقد وبموجب محضر تسليم محرر بتاريخ 16 يونيو 2008 استلم المدعى عليهما الشقة المباعة، وحيث أن المدعى عليهما أساءا استعمال الشقة المباعة، وقاما بتربية 9 كلاب و12 قطة متوحشة قامت بالهرب أعلى سور الحديقة ما أثار الفزع والهلع لدى سكان العمارة والعمارات المجاورة.
تربية مشترى الشقة للكلاب والقطط المتوحشة تسبب في أذى الجيران
فضلا عما يلاقيه السكان من أذى بسبب فضلات هذه الحيوانات، وقيام بعض السكان بتحرير المحضر رقم 1631 لسنة 2017 إداري قسم أول أكتوبر، بتضررهم من تلك الحيوانات، وحيث نص البند السابع من العقد سند الدعوى على التزام المشترين على احترام القواعد التي تنظم استغلال واستخدام المرافق المخصصة للانتفاع المشترك، وكذا عدم استخدام أية أجهزة تحدث ضوضاء أو ازعاج لباقى الملاك أو تعرض حياتهم للخطر، وحيث أن المدعى عليهما اخلا بالتزاماتهما القانونية والعقدية المترتبة على عقد البيع سند الدعوى، فأنذرتهما الشركة المدعية بتاريخ 25 مارس 2017، ولكن دون جدوى، الأمر الذى حدا بالمدعى بصفته لإقامة دعواه.
بداية الأزمة.. مطالبات ودية
تعود الواقعة إلى عام 2017، حيث وجه مالكو الوحدات بالعقار الكائن به الشقة محل الواقعة والعقارات المجاورة العديد من المطالبات الودّية لمالك الوحدة وزوجته أملًا في نقل هذه الكلاب والقطط خارج الشقة، إلا أنه لم يستجب، وتلى ذلك أحداث كثيرة، منها تعرض أحد المُلاّك ونجله للاعتداء بالضرب عليه من مالك الشقة محل واقعة تربية الكلاب، وثبت ذلك في محاضر رسمية قضى فيها بأحكام بالحبس، بالإضافة إلى العديد من الشكاوى من الملاك، لتضرّرهم البالغ من وجود هذا العدد من الكلاب وسط المكان الذين يعيشون فيه وأسرهم، والمفترض أن يكون هذا المكان هادئا وآمنا لهم ولأسرهم، إلا أن ما حدث لهم غير ذلك، وهو ما حملهم على الاستغاثة برئيس اتحاد ملاك دريم والشرطة والنيابة وجهاز مدينة 6 أكتوبر.
كما أن هناك شكاوى عديدة أثبتتها التقارير الصادرة عن إدارة الوقاية بمديرية الطب البيطري بالجيزة، وجهاز مدينة 6 أكتوبر، وإدارة شؤون البيئة، وجميعها تؤكد وجود عددٍ كبير من الكلاب بالشقة والحديقة، وانبعاث روائح كريهة من الشقة والحديقة، وهو ما يشكل مخالفةً صريحةً لتربية هذا العدد من الكلاب بمنطقة سكنية، الأمر يسبب تلوثًا بيئيًا وأذىً سمعيًّا ويُلحق ضررًا بالجيران.
قرارات جهاز مدينة 6 أكتوبر حيال القضية
وضمن هذه الإخطارات هو إخطار جهاز مدينة 6 أكتوبر” قد أصدر القرار رقم (3051) بتاريخ 20 نوفمبر 2017 ضد شاغلي الشقة، بسبب تربية عددٍ كبيرٍ من الكلاب، وألزم شاغليها بإزالة هذه المخالفة، كما قرر رفع عداد استهلاك الكهرباء، وكان آخر هذه التقارير صادرًا من إدارة الصحة العامة بمديرية الطب البيطري بالجيزة، وموجّها إلى رئيس جهاز مدينة 6 أكتوبر، قد أكدت أن اللجنة التي تشكلت لمعاينة الشقة محل الشكوى أثبتت صدور أصوات مجموعة كبيرة من الكلاب داخل الوحدة السكنية محل البلاغ، كما أثبتت المعاينة الحديثة – التي صدرت بتاريخ 13 أكتوبر 2020 من نيابة قسم 6 أكتوبر أول وجود عددٍ من الكلاب بعين التداعي، كما تبيّن لحظة المعاينة من الخارج.
إحالة الدعوى إلى مكتب خبراء الجيزة
هذا، وقد أصدرت حكمًا تمهيديًا بتاريخٍ سابق يقضي بإحالة الدعوى إلى مكتب خبراء الجيزة، ليضع تقريره في الدعوى بعد المعاينة، وبالفعل باشر الخبير المأمورية، وانتقل إلى الشقة وأودع تقريرًا – بعد معاينة الشقة واستماعه لأقوال الشهود- انتهى خلاله إلى أنه "طبقا للمعاينة الظاهرية لعين التداعي، وما جاء بأقوال من تقابلنا معه أثناء المعاينة، فإنه يتم تربية مجموعةٍ من القطط والكلاب بالشقة عين التداعي".
المحكمة في حيثيات الحكم قالت عن موضوع الدعوى الأصلية – عن طلب المدعى بصفته فسخ عقد البيع المؤرخ 10 يونيو 2002، فلما كان من المقرر قانوناَ بنص المادة 1/147 من القانون المدني أن: "العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانون"، كما أنه من المقرر قانوناَ بنص المادة 1/148 من القانون سالف البيان أنه: "يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية"، كما أنه من المقرر بنص المادة 150/1 من القانون سالف البيان أنه: "إذا كانت عبارة العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتعرف على إرادة المتعاقدين".
وتضيف "المحكمة": كما أنه من المقرر قانوناَ بنص المادة 806 من القانون سالف البيان أنه: "على المالك أن يراعى في استعمال حقه ما تقضى به القوانين والمراسيم واللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة أو بالمصلحة الخاصة وعليه أيضاَ مراعاة الأحكام الأتية: 1- على المالك ألا يغلو في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار، 2- وليس للجار أن يرجع على جاره في مضار الجوار المألوفة التي لا يمكن تجنبها، وإنما له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف على أن يراعى في ذلك العرف وطبيعة العقارات وموقع كل منهما بالنسبة إلى الأخر، والغرض الذى خصصت له، ولا يحول الترخيص الصادر من الجهات المختصة دون استعمال هذا الحق.
فلهذه الأسباب:
قضت المحكمة بفسخ عقد البيع، وألزمت المدعى عليهما بتسليم الوحدة السكنية خالية من الأشخاص والشواغل، وألزمتهما بأن يؤديا للمدعى بصفته مبلغ 10 ألاف جنيه تعويضاَ عن الأضرار المادية التي إصابته جراء فعلهما، وفى ألزمتهما أيضا بأن يؤديا للجيران الذين تدخلوا هجومياَ في الدعوى نتيجة تضررهم بأن يؤديا للمتدخل الأول والثالث والرابع والخامس كلا على حده مبلغ عشرة آلاف جنيه، وللمتدخل الثانى 20 ألف جنيه عن الأضرار المادية التي أصابته ومبلغ 2000 جنيه عن الأضرار الأدبية التي أصابته.
المشرع وضع قيودًا على حق الملكية في القانون المدني
من جانبه قال علاء العيلي، المحامي صاحب الدعوى، وكيلًا عن السكان المتضررين الذين تدخلوا هجوميًّا في الدعوى، إن المشرع في القانون المصري وضع قيودًا على حق الملكية في القانون المدني، موضحًا أن المادة "806" من القانون المدني شددت على مراعاة المالك استعمال حقه، إذ نصت على التالي: "على المالك أن يراعى في استعمال حقه ما تقضى به القوانين والمراسيم واللوائح المتعلقة بالمصلحة العامة أو بالمصلحة الخاصة"، وعليه أيضًا مراعاة الأحكام الواردة في المادة "807" من القانون المدني، والتي تنص على: "على المالك ألا يغلو في استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار".
النقض تقرر: حق الملكية ليس مطلقًا
وبحسب "العيلى" في تصريح لـ"اليوم السابع" - كما أن محكمة النقض لها قضاء مستقر في هذا الشأن بأن مؤدى نص المادة "806" من القانون المدني أن حق الملكية ليس حقًا مطلقا، وأن المالك في استعماله إيّاه يجب أن يعمل في حدود القوانين واللوائح، فإذا أخلّ بأي التزامٍ فرضته عليه هذه القوانين واللوائح، كان الإخلال بهذا الالتزام خطأً يستوجب المسؤولية التقصيرية، ومن ثم فإن الجار الذى يخالف القيود القانونية، يرتكب خطأ، فإذا ترتب على خطئه هذا ضرر للجار، فإنه يلتزم بتعويض الجار عن هذا الضرر مهما كان ضئيلًا، ويستوى في ذلك أن يكون الضرر ماديًّا أصاب الجار في مصلحة ماليّة، أو أدبيًّا أصاب الجار في معنوياته، ومنها: شعوره بالاعتداء على حق له.
المحامى علاء العيلى - صاحب الدعوى
المسئول عن فعل الحيوان هو حارسه
ووفقا لـ"العيلى": هذه قواعد قانونية آمرة، فالمشرّع لم يُطلق العنان للمالك بل جعل هذا الحق مرهونًا بعدم الإضرار بالغير أو بالمصلحة العامة أو الخاصة، وما يخالف ذلك هو غلو في استخدام حق الملكية يتصدى له المُشرع، كما أن المقرر قانونًا هو أن المسئولية عن فعل الأشياء لها خصائص عدة، منها أن الخطأ مفترض افتراضًا لا يقبل إثبات العكس، ومنها أيضا أن المسؤول هو الحارس، وطبقًا لنص المادة "176" مدني: "حارس الحيوان ولو لم يكن مالكًا له مسؤول عما يحدثه الحيوان من ضرر، ولو ضلّ الحيوان أو تسرب"، وهو ما تواتر عليه قضاء محكمة النقض أيضًا من أن المشرّع قد قرر مسؤولية حارس الحيوان عن فعله، ولا يلزم أن يكون الحارس مالكًا للشيء أو منتفعًا به أو له عليه حق مشروع، فليست العبرة بحق الشخص على الحيوان وإنما العبرة بالحراسة.