هناك أسباب كثيرة دفعت الرئيس التونسي قيس سعيد اصدار أمراً رئاسياً، في 23 أغسطس 2021، يقضي بتمديد العمل بالتدابير الاستثنائية المتخذة بمقتضى الأمر الرئاسي عدد 80 لسنة 2021، والمتعلق بتعليق اختصاصات مجلس نواب الشعب وبرفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضائه، وذلك حتى إشعار آخر. وجاء الإعلان عن تمديد هذه الإجراءات قبل يوم واحد فقط من انتهاء الفترة الزمنية المحددة للعمل بهذه الإجراءات، والمقررة دستورياً بشهر واحد فقط.
فما هي الأسباب التي دفعت رئيس تونس لتمديد الإجراءات الاستثنائية؟ أجابت دراسة حديثة على هذا السؤال، راصدة 5 أهداف وراء تمديد الرئيس التونسى قيس سعيد الإجراءات الاستثنائية والمتعلق بتجميد نشاط اختصاصات مجلس نواب وبرفع الحصانة البرلمانية عن كل أعضائه، وذلك حتى إشعار آخر.
وأشارت الدارسة الصادرة عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة أن أولى هذه الأهداف مواصلة الإصلاح على كل الأصعدة، والحاجة لمزيد من الوقت، ويأتي على رأس قائمة الأسباب التي دفعت الرئيس التونسي، قيس سعيد، لإصدار أوامره بتمديد العمل بالإجراءات الاستثنائية حتى إشعار آخر، هو حاجته للمزيد من الوقت الكافي لترتيب أفكاره والتأني في اختيار الشخصية التي سيقوم بتكليفها من أجل تشكيل حكومة جديدة تركز على مواجهة الأزمة الاقتصادية، وما لها من تداعيات بالغة على الأوضاع الاجتماعية والمعيشية داخل المجتمع.
بينما لهدف الثاني أو السبب الثاني وراء تمديد الإجراءات الاستثنائية هو إحكام السيطرة على السلطة التنفيذية: يبدو أن الرئيس التونسي قيس سعيد يريد إحكام سيطرته على السلطة التنفيذية لتمكينه من تحقيق عدة أهداف، وعلى رأسها تحقيق نتائج إيجابية في التحقيقات الخاصة بملفات الفساد المالي والإداري والسياسي، فتمديد تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه كافة يساعده على تتبع أعضاء البرلمان كافة المتورطين في مثل هذه القضايا، خاصة أحزاب حركة النهضة وقلب تونس، حيث لاتزال التحقيقات الخاصة بتلقيهم تمويلات خارجية أثناء الانتخابات البرلمانية الأخيرة، قائمة.
ولعل قيام الرئيس سعيد بتعيين 9 مسؤولين أمنيين كبار، بينهم سامي اليحياوي، مديراً عاماً جديداً للمخابرات، ومراد حسين مديراً عاماً للأمن العمومي، كما تم تعيين مكرم عقيد مديراً عاماً للقطب الأمني لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، قد يساعده في إحكام سيطرته على الأجهزة الأمنية ومنع محاولات الأحزاب السياسية اختراق وزارة الداخلية، بما يمكنه من بسط سيطرته على السلطة التنفيذية خلال الفترة القادمة.
أما الهدف الثالث تضييق الخناق على النهضة: من شأن تمديد القرارات الخاصة بتجميد البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه كافة، أن يزيد من الخناق المفروض على حركة النهضة، الذراع السياسية للإخوان وحلفائهم في الداخل والخارج، خاصة أن كل ما يشغل قيادات الحركة هو العودة للمشهد السياسي مرة أخرى.
ولعل استمرار تجميد البرلمان سيزيد من حالة الارتباك التي تعانيها الحركة في ظل تصاعد الخلافات والانشقاقات داخلها. ولعل قرار أمينها العام، راشد الغنوشي، في 23 أغسطس الجاري، بحل المكتب التنفيذي للحركة وإعفاء جميع أعضائه، خير دليل على ذلك.
ووفقا للدراسة فقد حاول الغنوشي تصوير هذا الأمر على أنه استجابة لمطالب الأعضاء بتصحيح الأوضاع الداخلية، خاصة مناشدة 49 عضواً من أعضاء الحركة بإقالة رئيس مجلس شورى الحركة عبدالكريم الهاروني، ومطالبتهم بإجراء إصلاحات هيكلية داخل الحركة، إلا أنه من الواضح أن الغنوشي يسعى من هذه الخطوة لتعزيز مركزه في النهضة، وضمان البقاء في منصب رئيس الحركة إلى أجل غير مسمى، والالتفاف على الأصوات الداخلية التي تطالب بإقالته.
اما الهدفين الرابع والخامس لتمديد الإجراءات الاستثنائية وفقا للدراسة هما استمرار الدعم العربي لسعيد والانشغال الدولي بتطورات أفغانستان: أدت تطورات الأوضاع السياسية الراهنة في أفغانستان إلى انشغال القوى الإقليمية والدولية عن مستجدات الأزمة السياسية داخل تونس، وبالتالي تخفيف حدة الضغوط الخارجية على الرئيس سعيد مقارنة بما كانت عليه قبل ذلك، خاصة الموقف الأمريكي الذي يصر على سرعة إعادة البرلمان للعمل، تحت زعم الحفاظ على التجربة الديمقراطية في البلاد.
وتوقعت الدارسة مسارات محتملة تحدث في تونس الفترة المقبلة، منها تمديد مؤقت: يرجح هذا السيناريو أن يقوم الرئيس التونسي بتمديد فترة العمل بالإجراءات الاستثنائية لمدة شهر إضافي فقط، على أن يقوم خلال هذه الفترة بتكليف أحد الشخصيات التي تحظى بثقة الرئيس، من أجل تشكيل حكومة جديدة، وذلك استجابة لمطالب الشعب والأحزاب والقوى السياسية التي تضغط عليه منذ إعلانه الأول عن هذه الإجراءات في يوليو الماضي للإسراع في وضع حد لحالة الفراغ السياسي.
أما السناريو الثاني إطالة أمد الوضع الاستثنائي: يرجح هذا السيناريو أن تمتد فترة الإجراءات الاستثنائية إلى أجل غير مسمى، وذلك استناداً إلى نص القرار الرئاسي الصادر عن الرئيس سعيد الذي لم يضع وقتاً محدداً لهذه الإجراءات، خاصة أن الأسباب التي دفعته لاتخاذ هذه الإجراءات لا تزال قائمة، وتحديداً مكافحة الفساد وتطهير مؤسسات الدولة من أنصار الحركة ومؤيديها، وهو ما يتطلب وقتاً أطول من شهر، وحتى يتحقق ذلك سيواصل رئيس الدولة إدارته للسلطة التنفيذية، بما فيها الأجهزة الأمنية، مع احتمال تكليف أحد الشخصيات لتشكيل حكومة تصريف أعمال، مع التوقع بأن تنتهي هذه الفترة بالدعوة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة