ليس سيد قطب بالشخص العادى داخل الحركة الإسلامية، فهو رغم رحيله منذ حوالى 55 عاما لكن أثر كتاباته ما زال باقيا حتى اليوم، وهو تقريبا الوحيد الذى اتفقت عليه حركات تكفر بعضها البعض، مثل القاعدة والإخوان وداعش، وكل منهم يقرأ نصوص كتاباته بتفسيره الخاص، من أراد أن يستخدم نصوصه لتكفير المجتمع وإسقاط حكم عليه بالجاهلية سيفعل، ومن أراد أن يبرر لهذه النصوص بأنها لا تتضمن تكفيرا وأنها مجرد ألفاظ مجازية صدرت عن كاتب مهنته الأدب لا الفقه سيفعل.
ولعل هناك من الوقائع فى ذكرى إعدامه التى تشير بشكل واضح إلى تورطه فى تكفير المجتمع مثل انه كان يرفض اداء صلاة الجمعة، بحجة غياب الخلافة، والثابت أن التكفيريين فقط هم من يرفضون أداء صلاة الجمعة لهذه الحجة وسند هذه الواقعة يرجع إلى ما رواه على عشماوى فى كتابه «التاريخ السرى للإخوان المسلمين» حيث روى فى صفحة 209 عن لقائه بسيد قطب: «وجاء وقت صـلاة الجمعة، فقلت له- أى لسيد قطب: دعنا نقم ونصلى وكانت المفاجأة أن علمت- ولأول مـرة- أنه لا يصلى الجمعة، وقال: إنه يرى- فقهياً ـ أن صلاة الجمعة تـسقط إذا سقطت الخلافة، وأنه لا جمعة إلا بخلافة، وكان هذا الرأى غريباً»، ولكنى قبلته لأنه- فيما أحسب- أعلم منى.
من الأمور التى تقطع الجدل حول اقتناع سيد قطب بفكر تكفير المجتمع هو ما ورد فى الوثيقة المسماة بـ«لماذا أعدمونى؟»، حيث تكتسب هذه الوثيق أهمية خاصة، لأسباب عدة، أبرزها أنها تنسب إلى قطب نفسه وتعد هى الإفادة التى قدمها للمحققين فى قضية تنظيم 1965 التى انتهت أحكام القضاء فيها إلى إعدامه، واللافت أنها تقطع الصلة بحقيقة اعتقاده بضرورة اللجوء إلى العنف فى مواجهة السلطة، وسعيه بالفعل إلى تكوين خلايا مسلحة تتصدى للدولة، ولا مانع لديه من تدمير المنشآت والمصالح الحيوية «لشل حركة الأجهزة الحكومية عن متابعة الجماعة» –كما ورد نصا فى الكتاب- وهو سياق لا يختلف عن محاولات التنظيمات المسلحة المنسوبة للإخوان اليوم لتدمير أبراج الكهرباء وغيرها من المرافق المهمة.
يذهب سيد قطب فى هذا الكتاب إلى أن الحركة الإسلامية لا بد أن تبدأ من القاعدة إلى القمة، وضرورة انتشارها فى المجتمع قبل تمكينها بالوصول إلى السلطة، وفى هذا الصدد يؤكد أنه «لا بد من حماية الحركة من الاعتداء عليها»، ويقول: «وهذه الحماية تتم عن طريق وجود مجموعات مدربة تدريباً فدائياً بعد تمام تربيتها الإسلامية من قاعدة العقيدة ثم الخلق».
ويشير إلى أن هذه المجموعات لن تتدخل فى الأحداث طالما الدعوة ممكنة بغير القوة ويضيف: «ولكنها تتدخل عند الاعتداء على الحركة والدعوة والجماعة لرد الاعتداء وضرب القوة المتعدية بالقدر الذى يسمح للحركة أن تستمر فى طريقها»، ثم يضيف فى موضع آخر تأكيدًا على فكرته: «كنا قد اتفقنا على استبعاد استخدام القوة كوسيلة لتغيير نظام الحكم أو إقامة النظام الإسلامى، وفى الوقت نفسه قررنا استخدامها فى حالة الاعتداء على هذا التنظيم الذى سيسير على منهج تعليم العقيدة وتربية الخلق وإنشاء قاعدة للإسلام فى المجتمع، وكان معنى ذلك البحث فى موضوع تدريب المجموعات التى تقوم برد الاعتداء وحماية التنظيم منه، وموضوع الأسلحة اللازمة لهذا الغرض، وموضوع المال اللازم كذلك».
واعترف سيد قطب فى هذه الوثيقة النادرة بأن الإخوان بدأت بالفعل فى تريب مجموعات على استخدام السلاح حتى قبل تأسيس ما يعرف بتنظيم 1965 حيث قال نصًا: «أما التدريب فقد عرفت أنه موجود فعلا من قبل أن يلتقوا بى ولكن لم يكن ملحوظا فيه ألا يتدرب إلا الأخ الذى فهم عقيدته ونضج وعيه، فطلبت منهم مراعاة هذه القاعدة وبهذه المناسبة سألتهم عن العدد الذى تتوافر فيه هذه الشروط عندهم وبعد مراجعة بينهم ذكروا لى أنهم حوالى سبعين، وتقرر الإسراع فى تدريبهم، نظرا لما كانوا يرونه من أن الملل يتسرب إلى نفوس الشباب إذا ظل كل زادهم هو الكلام من غير تدريب وإعداد».
وتناول سيد قطب باستفاضة طريقة حصول الإخوان على الأسلحة، حيث أشار إلى أن الحصول على السلاح كان موضوعه له جانبان:
وقال: الأول إنهم أخبرونى -ومجدى هو الذى كان يتولى الشرح فى هذا الموضوع- نظرا لصعوبة الحصول على ما يلزم منه -أى السلاح- حتى للتدريب فقد أخذوا وقتا فى محاولات لصنع بعض المتفجرات محليا، وأن التجارب نجحت وصنعت بعض القنابل فعلا، ولكنها فى حاجة إلى التحسين والتجارب مستمرة.
والجانب الثانى بحسب قطب: أن على عشماوى -أحد المتهمين فى قضية تنظيم 1965- زارنى على غير ميعاد وأخبرنى أنه كان منذ حوالى سنتين قبل التقائنا قد طلب من أخ فى دولة عربية قطعا من الأسلحة حددها له فى كشف، ثم ترك الموضوع من وقتها والآن جاءه خبر أن هذه الأسلحة سترسل وهى كميات كبيرة حوالى عربية نقل، وأنها سترسل عن طريق السودان مع توقع وصولها فى خلال شهرين. وكان هذا قبل الاعتقالات بمدة ولم يكن فى الجو ما ينذر بخطر قريب، ولما كان الخبر مفاجئا فلم يكن ممكنا البت فى شأنه حتى نبحثه مع الباقين فاتفقنا على موعد لبحثه معهم وفى اليوم التالى على ما أتذكر وقبل الموعد جاءنى الشيخ عبد الفتاح إسماعيل وحدثى فى هذا الأمر، وفهمت أنه عرفه طبعا من على وكان يبدو غير موافق عليه ومتخوفا منه، وقال لا بد من تأجيل البت فى الموضوع حتى يحضر صبرى وقلت له إننا سنجتمع لبحثه.
وأضاف: فى الموعد الأول على ما أتذكر لم يحضر صبرى لذلك لم يتم تقرير شىء فى الأمر وفى موعد آخر كان الخمسة عندى وتقرر تكليف على بوقف إرسال الأسلحة من هناك حتى يتم الاستعلام من مصدرها عن مصدر النقود التى اشتريت بها فإن كان من غير الإخوان ترفض والاستفهام كذلك عن طريق شرائها دفعة واحدة أو مجزأة وطريقة إرسالها وضمانات أنها مكشوفة أم لا، وبعد ذلك يقال للأخ المرسل ألا يرسلها حتى يخطره بإرسالها.
وتابع: مضى أكثر من شهر على ما أتذكر حتى وصل للأخ على رد مضمونه الباقى فى ذاكرتى «أن هذه الأسلحة بأموال إخوانية من خاصة مالهم وأنهم دفعوا فيها ما هم فى حاجة إليه لحياتهم تلبية للرغبة التى سبق إبداؤها من هنا وأنها اشتريت وشحنت بوسائل مأمونة».
واعترف سيد قطب فى هذه الوثيقة بأن مناقشات جرت بين أفراد مجموعة تنظيم 1965، تطرقت إلى فكرة تدمير القناطر الخيرية الجديدة وبعض الجسور والكبارى كعملية تعويق، وأنهم استبعدوا الفكرة، وتم الاتفاق على تدمير بعض المنشآت فى القاهرة لشل حركة الأجهزة الحكومية، ويقول: وكانت تعليماتى لهم ألا يقدموا على أى شىء، إلا إذا كانت لديهم الإمكانيات الواسعة.