أصدرت محكمة النقض، حكمًاَ فى غاية الأهمية أرست فيه لمبدأ قضائيا فى إعادة المحاكمات، قالت فيه: "عدم تقيد القاضى عند محاكمة متهم بحكم صادر فى ذات الواقعة على آخر"، وهى قاعدة تتصدى لإشكالية لجوء محامى المتهم بالاستدلال أمام المحكمة عند إعادة محاكمة موكله بحصول متهم أخر بالبراءة فى ذات القضية.
وتابعت: "إن القاضى وهو يحاكم متهمًا يجب أن يكون مطلق الحرية فى هذه المحاكمة غير مقيد بشيء مما تضمنه حكم صادر فى ذات الواقعة على متهم آخر، ولا مبال بأن يكون من وراء قضائه على مقتضى العقيدة التى تكونت لديه قيام تناقض بين حكمه والحكم السابق صدوره على مقتضى العقيدة التى تكونت لدى القاضى الآخر".
الوقائـع.. 3 متهمين اشتركوا فى واقعة تزوير محرر رسمي
اتهمت النيابة العامة كلًا من: 1- "ل. م" ( الطاعن )، 2- "س. غ"، 3- "و. ن" بأنهم فى غضون شهر أغسطس سنة 2016 بدائرة مركز ديرب نجم محافظة الشرقية:
1- اشتركوا بطريقى الاتفاق والمساعدة مع آخر مجهول فى ارتكاب تزوير فى محرر رسمى هو مذكرة الإفراج المنسوب صدورها إلى إدارة مرور الشرقية وكان ذلك بطريق الاصطناع الكلى بأن اتفقوا معه المجهول على إنشائه على غرار المحررات الصحيحة وساعدوه فى ذلك بأن أمدوه بالبيانات اللازمة وأثبت به المجهول بيانات غير صحيحة ووقع عليه بتوقيعات عزاها زورًا إلى الموظفين المختصين بقسم مرور دیرب نجم ومهرها بأختام وعلامات عزاها لذات الجهات فتمت الجريمة بناء على هذا الاتفاق وتلك المساعدة على النحو المبين بالتحقيقات.
2- قلدوا بواسطة الغير خاتم شعار الجمهورية وعلامة أحد المصالح "قسم مرور درب نجم" بأن اصطنعوهما على غرار القالب الصحيح لهما واستعملوهما بأن مهروا بها المحرر المزور موضوع الاتهام السابق مع علمهم بتقليدها.
3- استعملوا المحرر المزور موضوع الاتهام الأول فيما زور من أجله بأن قام المتهم الثانى بتقديمه للمختص بديوان مركز شرطة ديرب نجم للاحتجاج بما ورد به مع علمه بتزويره على النحو المبين بالتحقيقات.
مراحل المحاكمة حتى إدانة متهمين وتبرئة الثالث
وفى تلك الأثناء – أحالتهم النيابة العامة إلى محكمة جنايات الزقازيق لمعاقبتهم طبقًا للقيد والوصف الواردين بأمر الإحالة، والمحكمة المذكورة قضت حضوريًا للأول وغيابيًا للثانى والثالث فى 7 من فبراير سنة 2017 بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات ومصادرة المحرر المزور، فطعن المحكوم عليه الأول فى هذا الحكم بطريق النقض، ومحكمة النقض قضت فى 2 من أكتوبر سنة 2017 بقبول الطعن شكلًا وفى الموضوع بنقض الحكم المطعون فيه وإعادة القضية إلى محكمة جنايات الزقازيق لتحكم فيها من جديد دائرة أخرى، ومحكمة الإعادة قضت حضوريًا فى 5 من فبراير سنة 2018 بمعاقبته بالحبس مع الشغل لمدة سنة ومصادرة المحرر المزور، فتم الطعن للمرة الأخيرة.
مذكرة الطعن تستند على صدور حكم بالبراءة لأحد المتهمين فى ذات القضية
وذكرت مذكرة الطعن بأن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم الاشتراك فى تزوير محرر رسمى واستعماله فيما زور من أجله مع علمه بتزويره وتقليد خاتم منسوب صدوره لإحدى جهات الحكومة قد شابه القصور فى التسبيب، والفساد فى الاستدلال، وانطوى على إخلال بحق الدفاع، وران عليه البطلان؛ ذلك أن أسبابه جاءت فى صيغة عامة معماة، ولم تطلع المحكمة على المحرر المزور، ودانه رغم عدم علمه بالتزوير لدلائل عددها، كما أن المدافع عن الطاعن تمسك فى مرافعته ببراءته استنادًا إلى حجية الحكم الصادر فى ذات الجناية ببراءة متهمين آخرين فى الدعوى وموقفهما يماثل موقفه فيها بيد أن الحكم التفت عن هذا الدفع إيرادًا له وردًا عليه، مما يعيبه بما يستوجب نقضه.
المحكمة فى حيثيات الحكم قالت - لما كان ذلك، وكان من المقرر أن القانون لم يرسم شكلًا خاصًا أو نمطًا معينًا يصوغ فيه الحكم بيان الواقعة المستوجبة للعقوبة والظروف التى وقعت فيها، ومتى كان مجموع ما أورده الحكم فى بيانه لواقعة الدعوى ومؤدى أدلة الثبوت فيها – كما هو الحال فى الدعوى الراهنة – كافيًا فى تفهم الواقعة بأركانها وظروفها حسبما استخلصتها المحكمة كان ذلك محققًا لحكم القانون، ومن ثم يضحى منعى الطاعن فى هذا الخصوص غير سديد.
عدم تقيد القاضى عند محاكمة متهم بحكم صادر فى ذات الواقعة على آخر
وبحسب "المحكمة" - لما كان ذلك - ولئن كان من المقرر أن إغفال المحكمة الاطلاع على الورقة محل التزوير عند نظر الدعوى يعيب إجراءات المحاكمة لأن اطلاع المحكمة بنفسها على الورقة المزورة إجراء جوهرى من إجراءات المحاكمة فى جرائم التزوير يقتضيه واجبها فى تمحيص الدليل الأساسى فى الدعوى على اعتبار أن تلك الورقة هى الدليل الذى يحمل شواهد التزوير، ومن ثم عرضها على بساط البحث والمناقشة بالجلسة فى حضور المدافع عن الطاعن لإبداء رأيه فيها وليطمئن إلى أن الورقة موضوع الدعوى هى التى دارت مرافعتها عليها، إلا أنه لما كان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن المحكمة اطلعت على المحرر المزور خلافًا لما يزعمه الطاعن ولم يفت المحكمة القيام بهذا الإجراء، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن فى هذا الصدد يكون غير سديد.
وتضيف "المحكمة" - لما كان ذلك - وكان الحكم المطعون فيه قد أثبت بأدلة سائغة توافر جريمة الاشتراك فى التزوير وهو ما يتضمن إثبات توافر ركن العلم بتزوير تلك المحررات فى حق الطاعن، فإن هذا حسبه ولا يكون ملزمًا من بعد بالتدليل على استقلال على توافر القصد الجنائى لديه، ويضحى ما يثيره الطاعن بشأن انتفاء علمه بتزوير المحرر موضوع الاتهام مجرد جدل موضوعى فى سلطة المحكمة فى تقدير الأدلة واستنباط معتقدها مما لا يجوز الخوض فيه لدى محكمة النقض.
والحيثيات: للقاضى مطلق الحرية فى المحاكمة غير مقيد بشيء عن الأحكام الصادرة سابقا فى القضية
لما كان ذلك - وكان لا وجه لما يثيره الطاعن بشأن حجية الحكم الصادر فى ذات الجناية ببراءة متهمين آخرين فى الدعوى عن ذات التهمة وتماثل موقفهم فيها، إذ أنه لا سبيل إلى مصادرة المحكمة فى اعتقادها ما دامت بنت اقتناعها على أسباب سائغة، فإن الأمر يتعلق بتقدير الدليل ولا يتعدى أثره شخص المحكوم لصالحه، لما هو مقرر من أن القاضى وهو يحاكم متهمًا يجب أن يكون مطلق الحرية فى هذه المحاكمة غير مقيد بشيء مما تضمنه حكم صادر فى ذات الواقعة على متهم آخر، ولا مبال بأن يكون من وراء قضائه على مقتضى العقيدة التى تكونت لديه قيام تناقض بين حكمه والحكم السابق صدوره على مقتضى العقيدة التى تكونت لدى القاضى الآخر، ومن ثم فإن منعى الطاعن فى هذا الخصوص لا يكون سديدًا، لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينًا رفضه موضوعًا.