مسألة "منازعات الجيران" من المسائل المهمة التي تناولها القانون المدنى حيث تتعلق بتنظيم التزامات "الجار" مع "جاره" في العقارات المشيدة، سواء المتلاصقة منها في البناء الأفقي، أو التي تقع بعضها فوق بعض في نظام الطوابق والشقق، فالعديد من "منازعات الجيران" تحتاج توفير حلول لكثير من المشاكل الناجمة عن الاحتكاك بين الجيران، والتي هي في تصاعد مستمر، بسبب ازدياد البناء العمودي، وتقلص مساحات المساكن في البناء الأفقي، مع ازدياد حاجة الإنسان إلى الأرض.
والحقيقة فإن جميع التشريعات الوضعية حرصت على تنظيم علاقة الجوار بين السكان، ووضعت لها ضوابط من خلال ضبط حق الملكية، حرصاَ منها على عدم استخدام هذا الحق بغلو كي لا يتسبب في إلحاق ضرر بالجيران، وبالرجوع إلى التشريع الإسلامي، نجد أن السنة النبوية قد سبقت القوانين الوضعية وفاقتها دقة وتفصيلاَ في تنظيم علاقة الجوار، فلئن كانت القوانين الوضعية قد اهتمت فقط بالمضار التي قد يلحقها الجار بجاره وكيفية إزالتها، فإن السنة النبوية رسمت منهجاَ متكاملاَ لرفع المضار على الجار في حالة وقوعها، وكذلك حثت على الإحسان للجار، وجعلت له حقوقاَ عند جاره، حتى وصل الأمر أن قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه".
منازعات الجيران وأسس تنظيم التزامات "الجار" مع "جاره"
في التقرير التالي، يلقى "اليوم السابع" الضوء على "منازعات الجيران والتزامات الجوار ومنازعاته المستعجلة"، فأحياناَ تعترى علاقة الجوار مشكلات وخلافات، ربما جرت إلى خصومات ونزاعات بين الجيران - قد تصل إلى المحاكم –وغالبا ما يكون سببها بعض التصرفات التي تصدر من الجار، كحق يمارسه بشئ من المغالاة، فيضر جاره، فيعتبرها تجاوزت أضراراَ وقعت عليه يجب رفعها، حيث تحاول السلطة التشريعية سن القوانين لتنظيمها خاصة فيما يتعلق بالحقوق العينية، ومن أهمها حق الملكية العقارية حتى يتم تعويض الجار عن الأضرار التي تلحقه جراء تصرف جاره في ملكه بحق الملكية، الذى ربما تعسف في استعماله – بحسب الخبير القانوني والمحامي بالنقض ماجد صلاح عبد السلام.
في البداية – يجب أن نعلم أن القوانين الوضعية اهتمت بموضوع التزامات الجوار، مع الإقرار بإلزامية تحمل الجار لبعض الأضرار المحتملة الناتجة عن الاستعمال الطبيعي للحق وهي أضرار مألوفة يلزم التجاوز عنها، أما إذا زادت هذه الأضرار عن الحد المقبول، وكانت غير مألوفة فقد أقرت مختلف التشريعات الوضعية مسئولية المالك عنها بجبر الضرر الذى ألحقه بالجار، فقد نصت المادة 807 من القانون المدنى على أنه – وفقا لـ"عبد السلام":
1-على المالك ألا يغلو فى استعمال حقه إلى حد يضر بملك الجار.
2-وليس للجار أن يرجع على جاره فى مضار الجوار المألوفة التى لا يمكن تجنبها، وإنما له أن يطلب إزالة هذه المضار إذا تجاوزت الحد المألوف على أن يراعى فى ذلك العرف، وطبيعة العقارات وموقع كل منها بالنسبة إلى الأخر والغرض الذي خصصت له، ولا يحول الترخيص الصادر من الجهات المختصة دون استعمال هذا الحق.
تعريف المشرع لمعنى كلمة "غلو"
ويضيف "عبد السلام": إذن هذان شرطان لمسئولية المالك عن الضرر الذي يصيب الجار وغلو المالك فى استعمال حقه، وأيضا صدور ترخيص لا يمنع الجار من استعمال حقه في ازالة الضرر الواقع عليه، وتقابل هذه المادة في البلاد العربية المادة 816 من القانون المدني الليبي، والمادة 776 من القانون المدني السوري، والمادة 1051 من القانون المدني العراقي، والمادة 689 من القانون المدني السوداني، والمادة 65 من قانون الملكية العقارية اللبناني.
وقد حددت الفقرة الثانية من المادة سالفة الذكر معنى الغلو، ورسمت له معيارا مرنا، فالغلو يتصف به كل عمل يحدث ضررا غير مألوف للجار، فالمعيار إذن هو الضرر غير المألوف ويراعى فى تحديد الضرر غير المألوف اعتبارات مختلفة منها: "العرف، وطبيعة العقارات، وموقع كل منها بالنسبة للأخر، والغرض الذي خصصت من آجله"، والتي يتبين منها أن ما يعتبر ضررا مألوفا فى ناحية مكتظة بالمصانع والمقاهي والمحلات العامة، يعتبر ضررا غير مألوف فى ناحية هادئة خصصت للمساكن دون غيرها، فإذا فتح محل مقلق الراحة وسط هذه المساكن الهادئة كان فى ذلك ضررا غير مألوف تجب إزالته حتى ولو كان صادر ترخيص لهذا المحل – الكلام لـ"عبد السلام".
أمثلة تحدد العلاقة بين الطرفين
أما إذا كان هذا المحل المقلق للراحة هو الأقدم ثم استحدث بعد ذلك بجواره بناء السكنى الهادئة، فليس لصاحب هذا البناء أن يتضرر من مجاورة المحل المقلق للراحة بل هو الذي يلزمه دفع الضرر عن نفسه وإزالة الضرر قد تكون عينا أو عن طريق التعويض حسب الأحوال، والمالك المهدد بضرر يصيبه من جراء أعمال الجار لو تمت تحقق هذا الضرر أن يلزم الجار فى قضية مستعجله باتخاذ الاحتياطات الكافية بل له أن يطلب وقف هذه الأعمال حتى تفصل محكمة الموضوع في النزاع.
المختص بوقف الأعمال المضرة من الجار لجاره
وعلى ذلك يختص قاضى الأمور المستعجلة في حالة توافر الاستعجال بالفصل فى الإجراءات الوقاية اللازمة المحافظة على عقار الجار بناء على طلبه إذا كان مهددا بضرر يصيبه من جراء الأعمال التي يقوم بها جاره والتي تؤثر على عقاره، كما له أن يوقف هذه الأعمال حتى يفصل فى أصل النزاع من قضاء الموضوع وحكمه في ذلك وقال لا يمس أصل الحق ولا يقيد محكمة الموضوع عند طرح النزاع عليها.
ونصت المادة 57 من هذا الكتاب على أن المالك أن يتصرف كيف شاء فى خالص ملكه الذي ليس للغير حق فيه، فيعلى حائطه ويبنى ما يريده مالم يكن تصرفه مضرا بالجدار ضررا فاحشا"، والضرر الفاحش هو الضرر غير المألوف وقد عرفته المادة 59: " الضرر الفاحش ما يكون سببا لوهن البناء أو عدمه أو يمنع الحوائج الأصلية أي المنافع المقصودة من البناء، أما ما يمنع المنافع التي ليست من الحوائج الأصلية فليس بضرر فاحش"، ونصت المادة 60 منه على أنه: "يزال الضرر الفاحش سواء كان قديما أو حديثا".
نص المادة 807 من القانون المدنى
وقد استقر القضاء على مساءلة المالك عن الأضرار التى تجاوز الأضرار المألوفة، وقد استندت بعض الأحكام إلى قواعد العدل والانصاف واستندت بعض الأحكام إلى احكام الشريعة الإسلامية التي تعتبر عرفا للبلد، وقد أصبحت التزامات الجوار في ظل القانون المدني الجديد التزامات قانونية طبقا لنص المادة 807، إذ أن هذه المادة قد وضعت حدا على حق الملكية لا يجوز للمالك تجنبها، أما إذا تجاوز المالك هذا الحد بأن غلا في استعمال ملكه إلى حد يضر بالجدار ضررا يجاوز المضار المألوفة، فإنه يكون قد خرج عن حدود حقه والخروج عن حدود الحق هو فعل خاطئ يستوجب المسئولية".
يشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصانا فى أكثر من حديث شريف بحسن الجوار والعشرة الطيبة في عدة مواطن فقال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره"، وقرب النبي صلى الله عليه وسلم بين الإيمان بالله واليوم الآخر وبين اكرام الجار، وقد سئل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن امرأة كثيرة الصيام والصدقة غير أنها تؤذى جيرانها بلسانها، فقال: "هي في النار"، فقيل: "إن فلانه........"، فذكروا قلة صلاتها وصيانتها وصلاتها ولا تؤذى جيرانها بلسانها، قال: "هي في الجنة".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة