نواصل سلسلة "حياة المصريين" مع موسوعة "قصة الحضارة" لـ ول ديورانت، ونتوقف اليوم مع قصة أحد أشهر لملوك المصريين فى تاريخها تحتمس الثالث.
يقول ول ديورانت تحت عنوان "تحتمس الثالث": دام حكم هذه الملكة (حتشبسوت) اثنتين وعشرين سنة، كان فيها حكما سلمياً حكيماً، ثم خلفها تحتمس الثالث وكان حكمه مليئاً بالحروب، فقد انتهزت بلاد سوريا فرصة موت حتشبسوت فثارت على مصر، وظن أهلها أن تحتمس الثالث، وهو شاب فى الثانية والعشرين من عمره، لن يستطيع الاحتفاظ بالدولة التى أقامها أبوه. ولكن تحتمس لم يقعد عن العمل فسار على رأس جيشه فى السنة الأولى من حكمه عن طريق القنطرة وغزة بسرعة عشرين ميلاً فى كل يوم، والتحم بالقوات الثائرة عند هار مجدو "أى جبل مجدو"، وهى بلدة صغيرة ذات موقع حربى منيع بين سلسلتى جبال لبنان على الطريق الممتد بين مصر ونهر الفرات. وهى بعينها مجداً التى وقعت فيها عدة وقائع حربية من ذلك اليوم إلى أيام ألِنْبِي. وفى نفس الممر الذى هزم فيه الإنجليز الأتراك فى عام 1918م أثناء الحرب العالمية الأولى.
هزم تحتمس الثالث السوريين وحلفاءهم قبل ذلك بثلاثة آلاف وثلاثمائة وسبعة وتسعين عاماً، ثم سار تحتمس مظفراً مخترقاً غرب آسية يخضع أهلها ويفرض عليهم الضرائب ويجمع منهم الخراج، وعاد بعد إذ إلى طيبة منتصراً بعد ستة أشهر من بداية زحفه .
وكانت هذه الحملة أول حملات بلغت عدتها خمس عشرة أخضع فيها تحتمس الباسل بلاد البحر الأبيض المتوسط الشرقى لحكم مصر. ولم يكن عمله عمل الفاتح فحسب، بل إنه عمل أيضا على تنظيم فتوحه، فأقام فى جميع البلاد المفتوحة حاميات قوية، وأنشأ فيها حكمًا منظمًا قديرًا.
وكان تحتمس أول رجل فى التاريخ أدرك ما للقوة البحرية من شأن عظيم، فأنشأ أسطولاً أخضع لسلطانه بلاد الشرق الأدنى، وكان ما ظفر به من غنائم عماد الفن المصرى فى عهد الإمبراطورية، كما كان الخراج الذى أخذ ينصب فى مصر من بلاد الشام منشأ حياة الدعة والنعيم التى تمتع بها شعبه، فوجدت فى مصر طبقة جديدة من الفنانين غمرتها بروائع الفن.
وفى وسعنا أن نتصور إلى حد ما ثروة الحكومة الإمبراطورية الجديدة إذا عرفنا أن خزانة الدولة استطاعت فى يوم من الأيام أن تخرج منها ما زنته تسعة آلاف رطل من سبائك الذهب والفضة.
وراجت التجارة فى طيبة رواجاً لم تعهده من قبل، وناءت الهياكل بالقربان، وارتفع صرح بهو الاحتفالات الملكية فى الكرنك، وأنشأ فيها المتنزه العظيم بما يتفق مع عظمة الإله والملك.