دائما ما تجد سحرا خاصا يجذبك نحو أرض مصر، يجعلك تفكر وتتساءل عن مصدر هذا السحر، فهل فى الحضارة والتاريخ فقط، أم فى النيل وهواه العليل فقط؟ أم فى الشعب الأصيل قاهر المستحيل؟!
المتأمل فى جمال أم الدنيا سيدرك أن هذا الجمال هو جمال شعب تسلح بالبساطة والفطرة، واقتنى الود والحب فى قلبه، وقهر بهما المستحيل.
ابتسامة-الرضا
عم بدران عوض بدران الشهير بـ"رامبو"، البالغ من العمر 64 عاما، هو أحد الرموز المصرية التى كافحت منذ شبابها، بداية من مساعدة والده فى رعاية الأرض ثم سفره لعدد من الدول كالعراق والأردن، بحثا عن لقمة العيش، حيث عمل هناك بعدة مطاعم إلى جانب مجموعة من المصريين المغتربين، وبعد قيام حرب العراق عاد إلى وطنه مصر وقرر حينها أن يعمل فى نفس المجال ويقوم بطهى الفول والطعمية وبيعهما من منزله بمشاركة زوجته وزوجة ابنه، واليوم هو رامبو قرية كفر عبد المؤمن بمدينة دكرنس بالدقهلية منذ أكثر من عشرين عاما.
أقراص-الطعمية
"إحنا ناس فلاحين وعيشنا حياة كريمة ومستورة".. هكذا بدأ عم بدران، حديثه، فقال إن حياتهم فى السابق كانت صعبة ومليئة بالشقى والتعب، فكان يقطع مسافات طويلة ليساعد والده فى حراثة قطعة أرض كانوا يمتلكونها، ولكنه بعدها قرر أن يشق طريقة للعراق بحثا عن وظيفة يكسب منها من عرق جبينه، فعمل فى مطعم هناك لمدة ثمان سنوات تعلم فيه الكثير حتى عاد لمصر وقرر أن يستقر بها ويكمل ما بدأه فى مجال عمله بالطهى بفتح مشروع صغير لبيع الفول والطعمية من منزله.
الابنة
وأشار عم بدران، إلى أنه عند بداية افتتاحه لمشروعه الفول والطعمية، شعرت زوجته بأن العمل ثقيل عليه فقررت أن تساعده وتقف بجواره ليتحديا معا مشقة العمل ويكافحا من أجل أبنائهما، مضيفا أنه حاول مرارا وتكرارا منعها من العمل معه حفاظا على صحتها ولكنها كانت ترفض ويزداد إصرارها على دعمه ومساندته وعدم تركه وحيدا، مضيفا، "زوجتى على دماغى لآخر نفس فى حياتي".
البذنجان-المقلي
وقال عم بدران، إن الحياة اليوم اختلفت كثيرا عن الماضي، مشيرا إلى إنهم فى السابق كانوا يعانون من الفقر وضيق الحال "واللى جاى على قد اللى رايح"، أما اليوم فأصبح هناك تقدم وتطور فى كافة مناحى الحياة. مضيفا أنهم كانوا يعيشون حياة يائسة جعلتهم ينامون مفترشين الأرض مع الغنائم فى الأراضى الزراعية بدون طعام فى كثير من الأيام من أجل لقمة العيش، مشيرا إلى أن جيل اليوم ينعم بالكثير من الخيرات والنعم التى كانوا يفتقدونها فى الماضى وعانوا كثيرا بدونها وبالرغم من ذلك كانوا مكافحون وصبورون على قسوة الحياة ومشقتها، بينما جيل اليوم فأصبح كل شيء متاح بين أيديهم من وسائل اتصالية كالتليفزيون والهواتف والإنترنت، وأجهزة حديثة كالثلاجة والغسالة وغيرهم، فضلا عن أن بعض الآباء يوفرون لأبنائهم شقق معيشية مجهزة دون أن يحملوهم تكاليفها، لذلك فإن حياتهم كانت أصعب وأقسى من حياة جيل اليوم.
أم-محمد
وأشار، إلى أنه عانى كثيرا فى بداية رحلته بمشروع الفول والطعمية، حيث ظل يبرم الطعمية بكفيه لمدة خمس سنوات، لعدم امتلاكه لماكينة طعمية، وأحيانا كان يستعير ماكينة جاره ليبرم عليها، وما كان يجهزه من عجينة طعمية مساءا كان يبيعه صباحا حتى ينتهى ليعود ويجهز غيرها فى المساء ليبيعها للناس فى اليوم التالي، وظل فى هذا العناء حتى استطاع أن يدخر مبلغ من المال اشترى به ماكينة طعمية خاصه به، سهلت عليه العمل كثيرا وجعلته يطور من نفسه ويحقق نجاحا أكبر فى عمله، كما أنه كان يشترى كل يوم 5 كيلو فقط من الفول ليبيعهم وعندما ينتهوا يعاود لشراء غيرهم فى اليوم التالى نظرا لعدم امتلاكه لثلاجات يخزن بها كمية كبيرة من الفول تكفيه لفترة طويلة، ولكن بعدما تطور عمله وبدأ يحقق أرباحا جيدة، استطاع أن يشترى عدد من الثلاجات لتخزين الفول و5 ماكينات طعمية، بعدما كان يبرم بكفيه ويشترى الفول اليوم بيومه.
أم-محمد-أثناء-العمل
وقال عم بدران للشباب، "مفيش حاجة بتعدى بالساهل ولازم يكون عندكم صبر وقوة احتمال وتأنى لحد ما العجلة تدور وتمشي"، مشيرا إلى أنه من الطبيعى أن نواجه مصاعب وعقبات تجعلنا نفقد الأمل ونستسلم ونرضى بالأمر الواقع، ولكن يجب أن نكمل الكفاح والمثابرة لآخر نفس، مضيفا، "احنا احسن من غيرنا وراضيين والحمد لله".
جانب-من-العمل
وقالت يسرية عبد الشكور زوجة عم بدران ورفيقة دربه، والبالغة من العمر 61 عاما، إنهم فتحوا مشروع فول وطعمية بمنزلهم بعدما ساءت ظروفهم المعيشية نتيجة عودة زوجها من العراق، وقرروا من تلك اللحظة أن يقفوا بجانب بعضهم البعض ويتحدوا الحياة بحثا عن الرزق لتربية أبنائهم.
طعمية-أثناء-القلي
وأضافت أم محمد، إنها قررت أن تقف بجانب زوجها وتسانده فى الحياة من أجل أبنائها الأربعة، مشيرة إلى أنهم لا يزالوا صامدين يكافحون فى الحياة ليوفروا حياة كريمة لأبنائهم ويعيشوا كرماء عزيزى النفس.
عم-بدران-أثناء-العمل
وعن أوقات عملهم، قالت أم محمد، "معندناش إجازات غير يوم العيد الصغير ويوم العيد الكبير".. مشيرة إلى أنهم يعملون يوميا من الساعة السادسة صباحا حتى الساعة الواحدة ظهرا حتى تنتهى عجينة الطعمية، ومن ثم يعاودون العمل مجددا من الساعة الخامسة عصرا وحتى الساعة 11 مساء.
عم-بدران-وأم-محمد
وعن سر شهرة وتميز فول وطعمية عم بدران، قالت يسرية: "كل ده من عند ربنا".. مشيرة إلى أنها لا تعلم سر مذاقهم الشهي، بالرغم من أنهم يطهونهم بالطريقة والمكونات المعتادة لصنع الفول والطعمية المصرى باستخدام الكزبرة والثوم والبصل دون إضافة أى نوع من أنواع البهارات.
عم-بدران-وأم-محمد-أثناء-الراحة
وقالت ميادة أحمد زوجة ابن "عم بدران" ورفيقتهم فى مشروع الفول والطعمية، إنها تزوجت منذ 13 عاما، تعلمت فيهم الكثير من حماتها ووالدتها "أم محمد"، كالأمانة ومراعاة الضمير فى كل شيء، ليسهل الله لهم عملهم وحياتهم.
وأضافت ميادة، أنه ليس عيبا أن تساعد الزوجة زوجها وتقف بجواره وتسانده على مشقة الحياة، وأن تراعى والديه حتى يبارك الله لها فى أولادها.
عم-بدران-وأم-محمد-وعائلته-أثناء-العمل
وعن مدى الانسجام بين عم بدران وأم محمد قالت ميادة، "هم مكملين بعض"، فأشارت إلى أنهم يبذلون جهدا لا يستطيع الشباب بذله حيث يكافحون ليل نهار من أجل توفير لقمة العيش لأبنائهم دون كلل أو ملل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة