الثقافة والوعى منذ القدم ارتبطا بتطور الإنسان ونشاطه الاجتماعى والإبداعى وتأثيره فى محيطه، وتفاعله القائم ما بينه وبين الموضوع الذى يجرى التفاعل معه، ومعرفته بطبيعة الأشياء المحيطة به، وهنا يبرز التجسد المادى للوعى، فضلاً عن تجسده فى موضوعات الثقافة فيما يخص العمل وسائر الأعمال الفنية الأخرى.
ولعل الثروة الثقافية التى راكمتها البشرية منذ فجر التاريخ للحظة الراهنة هى دائرة من المعارف الواسعة فى مجالات "الفكر والعمل والعلم" ومنذ خروج الإنسان البدائى واكتشافه النار والزراعة وصولا لاختراع الكتابة والعجلة واستنباط طرق جديدة للمعيشة وتنظيم حياته الاجتماعية، ظل يفكر ويبحث ويعمل مستخدما الوسائل المتاحة لديه من أجل خدمته الذاتية والجماعية، وتوصل فردياً وجماعياً إلى معارف أغنت وعيه وثقافته، وكلما تراكمت هذه المعارف والثقافة ازداد استيعاب الثروة الثقافية استيعاباً فعالاً من أجل الاستجابة لمتطلبات عصره.
وانطلاقا من متطلبات العصر، كان البرنامج الرئاسى والرؤية التى تعمل عليها مؤسسة الرئاسة منذ انتخاب الرئيس عبد الفتاح السيسى، هى نشر الثقافة والفنون من أجل نشر الوعى وبناء الإنسان المصرى، ومواجهة أفكار التطرف، وتحقيقا لمبدأ العدالة الثقافية بوصول الثقافة لجميع المواطنين فى القرى والنجوع ولأبناء المحافظات الحدودية والمناطق النائية، وذلك العديد من المبادرات الفنية والإبداعية التى أطلقتها الوزارة خلال السنوات الماضية.
وكانت وميزة تلك المبادرات إنها لم تقتصر على محافظة بعينها أو إقليم بعينه، إنما تجوب كل محافظات الجمهورية لوصول المنتج الثقافى إلى المواطن المصرى أيا كان موقعه ومكانه من خلال تقديم الدعم الثقافى المجتمعى للأسر المصرية فى المناطق البعيدة، وتوجيه الرعاية والتوعية إلى الشباب فى مواقعهم كافة، وتعزيز المسئولية المجتمعية، وبناء شراكة منتجة ومؤثرة، وكذا نشر مكونات الثقافة الأدبية والفنية والتراثية بين فئات المجتمع، ونشر مفاهيم الوعى التعاونى بين مؤسسات المجتمع الحكومية والمحلية والخاصة، وتعزيز قيم الثقافة المجتمعية ونشرها ودعم تطبيقها واعتمادها فى الحياة العامة.
ونشير هنا إلى عدد من المبادرات الثقافية المهمة فى الفترة الراهنة:
مبادرة عاش هنا
تعرف الأمم من تاريخها فالمدينة تحمل ذكريات وتاريخ وأحداث وثورات وجولات شعبها وأهلها الذين خرج منهم عمالقة العلم والأدب والفن والسياسة والرياضة وغيرها ممن حافظوا عليها وطوروها، ومن تخليد هؤلاء ومعرفة العظماء الذين بنوا نهضة اجتماعية وثقافية وفنية في البلاد، كان مبادرة "عاش هنا" الذى تعد من أولى المبادرات التي اطلقتها وزارة الثقافة.
وانتهى الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، من وضع مئات اللافتات من المشروع على منازل العديد من المشاهير والشخصيات العامة التاريخية في مصر، وهى عبارة عن وضع لوحة معدنية على المبانى التى عاش بها شخصيات أثرت فى حضارتنا الحديثة والمعاصرة، فهذه اللوحة تعتبر لوحة إرشادية تكتب عليها ميلاد وفاه كل فنان، مثل الشاعر سيد حجاب، ولـ بطرس بطرس غالى، الفنان إسماعيل ياسين، الفنان فؤاد المهندس.
حكاية شارع
على غرار المبادرة السابقة، أطلق الجهاز القومى للتنسيق الحضارى، بهدف الحفاظ على التراث المعماري وتوثيق الأماكن التي عاشت فيها شخصيات أثّرت في المجتمع، وقد تقرر البدء في تنفيذ "حكاية شارع" ليكون امتداداً لرؤية الجهاز القومي للتنسيق الحضاري في الحفاظ على التراث العمراني والمعماري المتميز، وعلى التراث الثقافي ضمن مبادرة "تراثنا هويتنا فلنحمه معاً" ودوره في العمل على إحياء الذاكرة القومية والتاريخية للمجتمع المعاصر.
وقام المشروع بوضع عشرات اللافتات الهدف منها التعريف بجميع شوارع القاهرة الخديوية نظرا لارتباط هذه الشوارع بشخصيات وأحداث هامة مثل شارع الدرب الأصفر، وشارع المعز لدين الله وغيرهم، وهى عبارة عن لوحة تعريفية باسم الشارع وسبب التسمية ونبذة مختصرة عن اسم الشارع أو نبذة عن الحدث السياسى للشارع المسمى باسمه.
ذاكرة المدينة
هي مبادرة تهدف إلى توثيق الهوية المعمارية للمناطق التراثية في مصر وترصد الأحوال الاجتماعية لأبنائها فى الماضي؛ أطلقتها وزارة الثقافة من خلال الجهاز القومي للتنسيق الحضاري حيث تبدأ بمنطقة جزيرة الزمالك التى تحمل قيمة تاريخية مميزة، وذلك بهدف للحفاظ على الهوية المعمارية التى تميز الوطن من خلال عدة خطوات تتمثل فى وضع معايير البناء الحديث فى المناطق التراثية وتحديد الكثافات البنائية والالوان الخارجية.
ذاكرة المدينة تضم سلسلة كتب تلقي الضوء على المناطق التى تحمل قيمة تاريخية وتراثية وتضع حدودًا وأسسًا للحفاظ عليها، كما تروى قصصًا متعددة تجمع بين المبانى، وسكانها والمجتمع المحيط، وتستعرض جهود وزارة الثقافة فى الحفاظ على هوية مختلف المناطق المصرية العريقة باعتبارها جزءًا هامًا من التراث الحضاري المصري.
وقد انتهت المبادرة من حى الزمالك، وهى الآن تعمل على حي جاردن سيتى.
القوافل الثقافية
تهدف القوافل الثقافية والفنية إلى تقديم الدعم الثقافى المجتمعى للأسر المصرية فى المناطق البعيدة، وتوجيه الرعاية والتوعية إلى الشباب فى مواقعهم كافة، وتعزيز المسئولية المجتمعية، وبناء شراكة منتجة ومؤثرة، وكذا نشر مكونات الثقافة الأدبية والفنية والتراثية بين فئات المجتمع، ونشر مفاهيم الوعى التعاونى بين مؤسسات المجتمع الحكومية والمحلية والخاصة، وتعزيز قيم الثقافة المجتمعية ونشرها ودعم تطبيقها واعتمادها فى الحياة العامة.
وتقوم الهيئة العامة لقصور الثقافة بتفعيل مشروع القوافل الثقافية والفنية ومشاركة القطاعات الثقافية التابعة لوزارة الثقافة حتى تصل بالخدمة الثقافية والفنية إلى المواطنين المقيمين فى الصحراء والوديان والجزر والواحات البعيدة التى لا تصلها وسائل الترويح بالقدر الذى يحقق العدالة بين أبناء الوطن، بهدف لتغذية العقل بالأفكار المستنيرة، التى تدعو للتفكير والتأمل في الصالح العام، والمستقبل.
مبادرة صنايعية مصر
كان إطلاق مبادرة صنايعية مصر تفعيلا لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسى انطلاقا من الدور الوطنى الهادف إلى صون الهوية والحفاظ على ملامحها المتفردة، وبهدف إعادة الحرف التقليدية والتراثية المصرية إلى دائرة الضوء، وتعمل على إحياء وتأهيل جيل جديد من المبدعين فى هذا المجال، حيث يقوم بتنفيذها صندوق التنمية الثقافية فى مركز الفسطاط للحرف التقليدية، وقد تقدم للمشاركة فى المبادرة 430 شخصا، تم اختيار 43 فنانا وحرفيا منهم تراوحت أعمارهم بين 18 و40 سنة، وتم تدريبهم وتخريجهم كدفعة أولى بالمبادرة على مجالات الخزف - النحاس - التطعيم بالصدف - الخيامية - قشرة الخشب وفنون الحلى، بعد المقابلة الشخصية اللازمة وأشرف على تأهيلهم نخبة من كبار المتخصصين بكليات الفنون المختلفة، والحرفيين المتميزين بمركز الحرف التقليدية بالفسطاط، كما تم تعميمها في المحافظات من خلال قصور الثقافة شملت المرحلة الأولى منها 13 محافظة، حيث تم تنظيم 26 ورشة تدريبية بواقع ورشتين فى كل محافظة.
مبادرة ابدأ حلمك
والتى تقيمها فرقة مسرح الشباب بالبيت الفنى للمسرح بالمجان، وذلك لتنفيذ خطة دعم واكتشاف المواهب الفنية التمثيلية الشابة الجديدة من خلال اختبارات القبول للمتقدمين، ذلك ضمن استراتيجية وزارة الثقافة لضخ دماء جديدة شابة من الفنانين، حيث تخرج منها ثلاثة دفعات نتج عنهم 230 فنانا، كما تم إطلاق المشروع من خلال الهيئة العامة لقصور الثقافة فى الإقاليم وتم تخريج الدفعة الأولى من الورشة بأسيوط، حيث تقدم للاشتراك فيها 700 شاب وفتاة وقع الاختيار على 53 متدربا بواقع 24 فتاة و29 شابا، وجارٍ العمل على تخريج الدفعة الأولى من الورشة من أبناء محافظتى الشرقية والفيوم.
معارض الكتب المحلية
وأولت الوزارة اهتماماً كى يصل الكتاب والمعرفة إلى كل المواطنين خاصة فى المحافظات ويكون دعما لصناعة النشر فى ظل جائحة كورونا وتحقيقاً للعدالة الثقافية كمحور من محاور استراتيجية التنمية المستدامة مصر 2030، حيث نظمت الوزارة من خلال قطاعاتها أكثر من 100 معرض للكتاب على مستوى الجمهورية حيث تنوع توزيعها ما بين الجامعات مثل الأزهر، الإسكندرية، الوادى الجديد، أسيوط، سوهاج وبنى سويف ومدن ومراكز المحافظات مثل المنصورة وقنا والأقصر ولأول مرة منذ فترة طويلة تم تنظيم معرض للكتاب بساحة دار الأوبرا، كما وصلت معارض الكتب لأول مرة إلى (24) قرية فى الصعيد مقسمة على (4) محافظات بواقع (5 ) قرى بأسيوط فى مركز شباب قرية التمساحية، ديروط الشريف، مركز شباب الشيخ نجيب، ابنوب، النخيلة.
مسرح المواجهة والتجوال
المسرح كان أحد اهتمامات وزارة الثقافة منذ وصول الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى سدة الحكم، وهو المنطلق الذى انطلقت منه الوزيرة الفنانة إيناس عبد الدايم، في الاهتمام بأبو الفنون، من خلال مبادرة "مسرح المواجهة" والذى يتضمن 15 عرضًا مسرحيًا تجوب المحافظات في مرحلته الأولى، وفى مرحلته الثانية الذى بدأت مؤخرا، تشمل تقديم 15 عرضا فى 200 قرية مصرية بمشاركة جميع فرق بيت المسرح، إلى جانب المشاركة فى المبادرة الرئاسية "حياة كريمة" التى أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسى، حيث يتم تقديم 145 ليلة عرض فى القرى والمناطق المستهدفة، وذلك اعتبارا من أغسطس الماضى وحتى منتصف شهر يناير المقبل وتتم بالتعاون مع وزارات الداخلية، الشباب والرياضة، التضامن الاجتماعى، إلى جانب الهيئة العامة لقصور الثقافة وعدد من الجهات المعنية ومؤسسات المجتمع المدنى.
المسارح المتنقلة
الإهمال وصل إلى المسرح الذى عانى لسنوات طويلة من النسيان، لكن في ظل اهتمام الدولة بالفنون وبناء الإنسان، أصبحت وزارة الثقافة تعمل على تأهيل كل المسار وإعادة تشغيلها، تزامنًا مع إعادة إحياء فن المسرح، فجاء مشروع المسارح المتنقلة ضمن استراتيجية ورؤية لمواجهة تصحيح الأفكار المتطرفة، حيث تطوف قوافل المسارح المتنقل كل أنحاء مصر لنشر التنوير والوعى من خلال برامج إبداعية متنوعة تضم أشكال الفكر والفن كافة، وتعد قفزة فى مسار تحقيق العدالة الثقافية بين أطياف المجتمع المصرى ونافذة لوصول المنتج الثقافى إلى القرى والنجوع والمناطق الحدودية والأكثر احتياجا.
وفى بداية المشروع تسلمت وزارة الثقافة ستة مسارح متنقلة تقدم من خلالها مختلف ألوان الإبداع فى المناطق النائية والأكثر احتياجًا بربوع مصر، حيث تم توزيع المسارح بواقع مسرح لكل إقليم من الأقاليم الثقافية الرئيسة الستة وهى إقليم القاهرة الكبرى وشمال الصعيد، وسط الصعيد، جنوب الصعيد، غرب الدلتا، شرق الدلتا، والقناة وسيناء، وشهدت العديد من المواقع الثقافية التابعة للهيئة العامة لقصور الثقافة، أقيم بها الفعاليات الفنية الخاصة بالمسارح المنتقلة، منها الوادى الجديد، والبحيرة، وقنا، وأسوان، وقرى محافظة الأقصر، وجنوب سيناء، وبنى سويف، ومطروح، ومحافظات القناة وسيناء.
السينما بين إيديك
ومن ضمن المشروعات التى أعلنتها مؤخرا وزارة الثقافة، وتشرف على تنفيذها الهيئة العامة لقصور الثقافة، مشروع إبداعى جديد فى كل محافظات مصر يحمل عنوان "السينما بين إيديك"، ويأتى ضمن مبادرة "ابدأ حلمك"، وتنفذه الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة الفنان هشام عطوة، ويشرف عليه الفنان تامر عبد المنعم.
والمشروع يعمل على إتاحة الفرصة للموهوبين للاكتساب المهارات، ويتضمن معسكرات سينمائية متخصصة بالمحافظات السياحية يشارك فيها المتفوقين من خريجي الدراسات الحرة بقصر السينما ويهدف لإنتاج أفلام ترويجية قصيرة المناطق السياحية بمصر إلى جانب نشر الثقافة السينمائية من خلال دورات دراسية وورش عمل بكافة المحافظات.
المبادرة تعمل على إتاحة الفرصة للموهوبين للاكتساب المهارات فى هذا المجال والتعبير عن أنفسهم إلى جانب تعزيز الهوية الوطنية وإبراز تفرد الحضارة المصرى، وتقوم تقوم بتنمية الموهوبين والنابغين والمبدعين، وتهدف إلى اكتشاف هؤلاء ورعايتهم فى مجالات السينما والفنون والأداء الحركى، وهو ما يحقيق الريادة الثقافية.
ثقافتك كتابك
واحدة من المبادرات والمشروعات الثقافية التى تطلقها وزارة الثقافة، لتحقيق العدالة الثقافية، والوصول إلى الجمهور المستهدف، والفئات المحرومة، وتأكيدًا على توجيهات وزيرة الثقافة الدكتورة إيناس عبد الدايم، بوصل الثقافة إلى كل فئات المجتمع أيا كان موقعهم.
و"ثقافتك كتاب" واحدة من تلك المبادرات الهامة التى أطلقتها وزارة الثقافة، ممثلة فى الهيئة المصرية العامة للكتاب، والمبادرة التى تم إطلاقها خلال الدورة الـ 52 لمعرض الكتاب، تضم مئات العناوين من دور النشر، وقطاعات الوزارة، بواقع 11 ناشراً، والتي لا يتجاوز فيها سعر الكتاب 20 جنيهاً؛ وذلك لحث المواطنين ورواد المعرض على اقتناء الكتب وتشجيعهم على القراءة، كما تتضمن المبادرة تنظيم عدد من الأنشطة الافتراضية من خلال المنصة الإلكترونية الخاصة بالمعرض.
وحققت المبادرة نجاحا كبيرًا منذ إطلاقها وخصوصا فى الدورة الثانية والخمسين، من معرض القاهرة الدولى للكتاب، لما تمثله من رفع الوعى ومواجهة الأفكار الظلامية، وتحقيق مبدأ العدالة الثقافية، ووصول الكتاب إلى المواطن المصرى أيا كان مكانه وموقعه، لرفع الوعى ومواجهة الأفكار الظلامية، ونشر المعرفة، والتنوير بين المواطنين.