فى الجزء الثانى نستكمل الحوار مع طارق محمد رشدى ليتحدث عن حقيقة العلاقة بين والده والعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ وهل حقاً شن العندليب حرباً على والده الفنان الكبير محمد رشدى، ولماذا تهرب موسيقار الأجيال من التلحين له، وتفاصيل علاقة مثلث الإبداع بليغ والأبنودى ورشدى وكيف استمرت حتى وفاة كل منهم، وأسرار الأيام الاخيرة فى حياة ملك الأغنية الشعبية وأخر وصاياه
سألنا طارق محمد رشدى عن موقف العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ من النجاح الكبير والضجة التى أحدثها محمد رشدى فى عالم الغناء بعد تعاونه مع عبدالرحمن الأبنودى وبليغ حمدى وحقيقة ما أثير حول الحرب غير المعلنة التى شنها العندليب على والده.
فأكد ابن محمد رشدى على وجود هذا التنافس، وضحك وهو يتذكر مقالب العندليب مع والده قائلاً :" بعد النجاح والضجة التى أحدثها تعاون الابنودى وبليغ مع والدى وبعد أغنية عدوية كان الثلاثى فى استديو الإذاعة بيسجلوا عدد من الأغانى، وفوجئوا باتنين داخلين خدوا عمى عبدالرحمن وافتكرهم أمن دولة، وعمى بليغ فضل يضحك لأنه عارف إنهم من عند حليم، ولما راح عمى عبدالرحمن لبيت العندليب قال له : أنا عاوزك تعمل لى شعبى شبهى لأنى مش هعرف أقول زى صاحبك الضخم ده فى ايديا المزامير وفى قلبى المسامير" ، فألف له عمى الأبنودى أغنية التوبة ، وبعدها اتعرض على حليم يغنى ملحمة أدهم الشرقاوى وعمى الأبنودى حذره وقال له انت كدة بتزود نجاح رشدى لأنها بتاعته والمنطقة دى مش بتاعتك، لكن حليم أصر وغناها وكانت غلطة من العندليب لأن الجمهور فى السينما بعد ما سمعها هتف باسم رشدى"
مقالب العندليب
ويحكى الابن عن واقعة أخرى يؤكد أن العندليب دبرها لوالده قائلاً:" كان أبى مطلوباً فى حفلة أضواء المدينة بالمحلة وحليم أخد عمى بليغ والأبنودى لبنان علشان ميعملوش حاجة جديدة لرشدى، وكان أبويا هيعتذر عن الحفلة لكن كان هناك مجموعة من الكتاب، ومنهم صديق عمره الأستاذ محمد جلال اعتبروا رشدى مطرب الثورة والعمال والفلاحين، وقال له جلال مش هتعتذر لازم تكون مقاتل، وأعطاه عنوان شقة فى الزمالك وقال له تروح هتلاقى شاب ملحن جديد مدفعش الإيجار ومستخبى ناديله من البلكونة وادخل هتلاقى معاه اغنيتين تغنيهم فى الحفلة"
وكان هذا الشاب الجديد هو الموسيقار حلمى بكر والأغنيتين هما عرباوى وحسن المغنواتى.
ويواصل الابن:" استكمل حليم وأصدقائه خطتهم بأن أوصوا الإعلامى وجدى الحكيم بتقديم فهد بلان قبل والدى، وكان حقق نجاح فى سوريا وبيغنى ويرقص بالمنديل حتى يأخذ الجمهور من أبى، وبالفعل غنى قبله فى الحفلة واندمج معه الجمهور، وأراد وجدى الحكيم أن يفصل بين بلان ووالدى بفقرة للفنانة لبلبة، ولكن والدى رفض وأخد الموضوع تحدى وقال: ده جمهورى، وأنا ابن العب ده ولو مدوستش عليه هنا مش هاشتغلها تانى، وبالفعل طلع والدى بعد فهد وغنى حسن المغنواتى وعرباوى والجمهور طلب منه يعيد حتى أعادها 34 مرة "
ويستمر ضحك ابن محمد رشدى وهو يحكى عن مقالب العندليب:" تانى يوم حليم كان مجهز حوار لفهد بلان مع سلوى حجازى فى التلفزيون بعدما ظن أن أبى سيقع فى حفلة المحلة، وذهب بلان للتلفزيون بسيارة العندليب ومعه سائقه ، وعندما سألته المذيعة انت لون جديد فى الغناء الشعبى، أجاب لو كان فى لون جديد هيكون محمد رشدى، وهنا اتصل العندليب بسائقه وقال له سيبك من الواد ده وتعالى"
محبة رغم المنافسة
ورغم ذلك أكد طارق محمد رشدى أن هذه المنافسة لم تعيق الصداقة والعلاقة بين والده والعندليب ، مؤكداً أن للعندليب مواقف كثيرة طيبة مع محمد رشدى، حيث كان يأخذه معه دائماً حفلات المغرب ويعطيه أجر 10 حفلات، حتى لو غنى حفلة واحدة، وفى الطائرة كان يعطيه أجر 10 حفلات أخرى قائلاً :"الملك أوصى تاخد أجر 10 حفلات تانى علشان انت عندك عيال"
ويؤكد الابن أن البيت الذى أقام فيه رشدى وأبنائه منذ عام 68 حتى الأن اشتراه العندليب موضحاً :" كنا ساكنين فى شقة صغيرة فى جاردن سيتى والعندليب قال لوالدى يارشدى الشقة صغيرة على عيالك خد بيت كبير فى الدقى، فقال له أبى أنه لا يملك ثمن هذا البيت فقال له العندليب انا هضمنك وبالفعل اشترى له هذا البيت بالقسط"
ويواصل الابن ذكر المواقف التى لا ينساها للعندليب قائلاً:" عمى عبدالرحمن كان كاتب أغنية ياقمر يااسكندرانى وأبويا كان نفسه يغنى لاسكندرية، لكن عمى أراد أن تغنى نجاة هذه الأغنية، ولكن نجاة رفضتها وقالت له: ايه ياعبدالرحمن أنا هاقول ألف فى الموانى ، فى ست تقول كدة عيب كدة، فعرض الأغنية على شادية ورفضتها، فذهب والدى لعبد الحليم واشتكى له، فقال العندليب لعمى عبد الرحمن أنا الشركة المنتجة أعطى الأغنية لرشدى لأنه عاوز يغنى لاسكندرية ونفسه يغنى لكمال الطويل ، وهو الذى عرفه بكمال الطويل وغنى من ألحانه ياقمر يااسكندرانى وانت مين"
ويشير الابن إلى أن والده حزن حزناً شديدا على وفاة العندليب قائلاً: " يوم وفاة حليم دخلت على والدى غرفته ووجدته يبكى بشدة ويقول كبيرنا مات ووسطنا اتقطم، لأنه كان يعتبر العندليب كبير الوسط الغنائى"
السينما وعزوف موسيقار الأجيال
سألنا ابن الفنان محمد رشدى عن سبب عزوف موسيقار الأجيال عن التلحين لوالده، وهل حقاً كان يتهرب من التعاون معه، فأجاب:" صوت الفن التى كان يمتلكها محمد عبدالوهاب وعبدالحليم هى المالك والمنتج لكل أغانى والدى، وفى أحد الأيام سأل والدى الأستاذ عبدالوهاب وقال له نفسى تعمل لى لحن، فضحك عبدالوهاب وقال له : ياواد يافلاح يالئيم بطل لئم الفلاحين، انت عاوزنى ألحن لك علشان الناس تقارن بينى وبين بليغ انت ناجح مع بليغ خليك معاه وأنا بانتج لك كل أغانيك"
شارك الفنان الكبير محمد رشدى فى 6 أفلام فقط وعن عدم استمراره فى التمثيل قال ابنه :" أبويا مكانش له فى التمثيل، ولم يكن ممثل ناجح، لكنهم استفادوا من صوته وأغانيه فى هذه الأفلام، وهو استفاد من الأفلام بعدد من الأغانى التى اشتهرت أكثر من الأفلام نفسها، ففى فيلم الزوج العازب أخدوا عرباوى وحطوها في مشهد في الفيلم، ليستفيدوا من نجاحها وكتبوها في الافيشات، وأمى كانت جمهوره الأول وكانت تقول له: ملكش دعوة بالسينما انت مش ناجح فيها يارشدى"
يتحدث الابن عن الجانب الشخصى والعاطفى فى حياة والده مشيراً إلى أنه تعرف على والدته بعد أن غنى أغنية قولوا لمأذون البلد فى فرح شقيقتها وأحبها وتزوجها، وأنجب 4 أبناء ووقفت الزوجة إلى جواره منذ بداية مشواره وفى أصعب المواقف التى مرت عليه، قائلاً:" عندما تعرض والدى للحادث الذى نجا منه بأعجوبة وخرج منها بإصابات متعددة ظن أنه لن يستطيع أن يعمل مرة أخرى بعد إصابته بنسبة عجز، وقال لوالدتى خدى الدبلة، ودول 8 جنيه كل اللى معايا، وهطلقك علشان تقدرى تعيشى حياتك، انا حياتى انتهت ومش هقدر اشتغل، لكن والدتى رفضت وصممت أن تبقى إلى جواره وتتحمل ظروفه اياً كانت، ولذلك كان والدى يقدرها ويحترم رأيها دائماً وترك لها إدارة كل شئون البيت"
ثلاثى الإبداع ورحلة الحياة والموت
يحكى الابن عن علاقة ثلاثى الإبداع ورفاق الدرب بليغ ورشدى والأبنودى وكيف استمرت قوية حتى الموت:" علاقتهم بدأت فى بداية الستينات مع أغنية عدوية والنجاحات التى حققوها معاً، وظلوا ككيان واحد حتى عام 1993 عندما مرض عمى بليغ بالسرطان وتوفى وفقد الثلاثى أحد أضلاعه"
يستكمل طارق محمد رشدى حديثه عن هذه الفترة :" قبل مرض عمى بليغ أصيب والدى بنزيف فى المعدة ودخل المستشفى، وعمى بليغ بكى وجاب بطانية وفرشها ونام على البلاط فى المستشفى ورفض يمشى إلا ومعاه صاحبه، وبعدها أصيب بليغ بالسرطان وسافر باريس للعلاج"
وتابع:" عمى بليغ اتصل بوالدى بعد أن أخذ جرعة الكيماوى الأولى وقال له انا بقيت كويس وهرجع ونعمل شغل تانى ، ويوم الحقنة الثانية وهو يوم وفاته اتصل بمنزلنا الساعة 10 صباحا، وردت عليه أمى وسأل عن والدى فأخبرته أمى أنه في الإسكندرية وسيعود الساعة 1 ظهرا، وبعد نص ساعة اتصل مرة ثانية، فأخبرته والدتى بأنه لم يحضر، وبعدها اتصل مرة ثالثة، ولم يكن أبى وصل، فقال خلاص أنا رايح اخد الجرعة، وأمى استغربت من إلحاحه وحرصه على التحدث مع أبى قبل الجرعة، فقال لها شكلى مش هالحقه، وبعدها عرفنا انه توفى، وذهبت لأبى فى المحطة وعندما عرف بوفاة عمى بليغ وقع على الأرض وهدومه اتقطعت ورجله أصيبت ورفعناه للبيت ولم يتكلم"
كان محمد رشدى فى استقبال جثمان صديق عمره فى المطار وفى حفلة تأبينه ظل شارداً وبعدها انهار فى البكاء وقال لصديقه الأبنودى :"أنا كنت بغنى ومش شايف حد قدامى غير شريط حياتنا والتاريخ اللى عشناه اكثر من 30 سنة"
يشير الابن إلى العود الذى صنعه والده خصيصاً لصديقه بليغ حمدى ليتناسب مع قصر قامته وامتلاء جسده لأنه كثيراً ما كان يجلس معه فى بيته وتخطر له جملة لحنية فيعزفها على هذا العود الذى احتفظ به الابن.
عاش للفن ومات كما تمنى
يحكى طارق محمد رشدى عن رحلة مرض والده وأمنيته التى تحققت فمات كما تمنى :" أبويا كان بيتمنى يموت وسط الناس وكان دايما يدعى انه يموت والناس فاكراه ويكون بيغنى، لأنه كان متأثر بغياب الست ليلى مراد عن الأضواء ووفاتها وهى بعيدة عن الجمهور وعن الغناء، وربنا حقق له الأمنية كما تمناها"
يتحدث الابن عن رحلة والده الطويلة مع المرض قائلاً :" والدى أصيب سنة 1993 بنزيف في المعدة وطلبوا منه يعمل منظار وكان بيرفض ويقول مش ممكن أعمله كنت باشوف عبد الحليم بيتعذب منه، وبعدها اكتشفنا إصابته بسرطان المعدة وأجرى جراحة في 2002 وشال جزء من المعدة والطحال، وأخفينا عنه خبر إصابته بالسرطان، وكان مصاب بالضغط والسكر ورغم كل هذه المعاناة كان يغنى ويسجل وبيعمل حفلات ، لكن في 2004 أخد حقنة غلط فأصيب بفشل كلوى وبعده لم يعد يقف على مسرح، ولكنه ظل يغنى ويسجل، حتى عمل ألبوم دامت لمين وأعاد توزيع أغانيه القديمة وحققت نجاح كبير خاصة مع الأجيال الجديدة، وكان يغنى وهو يضع كانيولا الغسيل الكلوى فى رقبته"
وتابع الابن:" الموسيقار أبو السعود محمد كان بيحب والدى جدا و نفسه يعمل له حاجة وكان بيعرض عليه كلام ميعجبهوش حتى كتب مصطفى كامل أغنية قطر الحياة، وأعجبت أبى وغناها فى الاستديو وكانت أخر أغانيه وكأنه بينعى نفسه، وكان حسن أبو السعود بيتنطط فى الاستديو ويقول ياناس تعالوا شوفوا رشدى بيغنى بنفس طبقة صوته وهو فى الخمسينات وبيغنى قولوا لمأذون البلد، رغم أن والدى وقتها كان مصاب بالفشل الكلوى والضغط والسكر وسرطان العظام ، وكنا نخفى عنه أنه مصاب بالسرطان، وكنت بخاف وهو واقف يسجل لأن عظامه كانت ضعيفة جداً"
يؤكد الابن أن الأطباء تعجبوا من قدرة والده على الوقوف والغناء وهو بهذه الحالة، فضلاً عن أنه لم يكن يأخذ أى علاج لتسكين ألام سرطان العظام الرهيبة سوى المسكنات العادية وهو ما أدهش الأطباء.
"أمنيته اتحققت ومات كما تمنى من الله وهو يغنى ويقف بين الناس"..هكذا وصف الابن وفاة والده ، واستكمل قائلاً: " كان بيصور أخر أغنية وكان الجو حار جداً ، فكان يصور مقطع ويذهب ليستريح فى تكييف السيارة ومع تكرار ذلك أصيب بالتهاب رئوى، ومع الأمراض التى يعانى منها تدهور فجأة ، وقال لى الحقنى ياطارق أنا ناسى الكلام، ولم يستطع الوقوف، وحملناه للمستشفى وأصيب بخلل فى وظائف الجسم"
سر شجرة العمر وأخر وصايا عرباوى
يؤكد الابن ان والده الفنان الكبير كان يشعر بقرب وفاته وقال له وهو يحمله للمستشفى:" سيبنى أموت فى البيت"
يحكى طارق محمد رشدى عن واقعة شعر بعدها والده بقرب موته قائلاً :" كان عندنا جنينة ملحقة بالبيت وكان فيها شجرة مانجة زرعها والدى بنفسه، وقبل وفاته بأيام سقط الفرع الكبير للشجرة ، فبكى أبى وقال لأمى أنا هموت قريب لأن الشجرة دى من عمرى"
وتابع الابن:" طوال فترة بقاء والدى فى المستشفى لم يتركه عمى الأبنودى، وظل بجواره وحين كان يذهب لبيته كان يقول لى : لو حصلت حاجة كلمنى، وبالفعل كلمته حين أخبرنى الأطباء بأن والدى فى النزع الأخير ولكنه وصل بعد وفاته"
يصف الابن هذه اللحظة التى فارق فيها الأبنودى ثانى أضلاع مثلث مشواره الفنى وصديقه الثانى قائلاً :"طلبت من الممرضات إخلاء الغرفة وخرجنا جميعا وتركنا عمى الابنودى مع والدى فجلس إلى جاوره على كرسى، وكشف وجهه وقام بتقبيل جبينه و قدمه ويديه، وقال : خلاص كدة يارشدى كلكم سبتونى لوحدى انت وبليغ وحليم، سبتونى زى فرع شجرة وحيد فى الصحرا وظل يبكى، وبعد أن دفن والدى ترك القاهرة ولم يتحمل الحياة فيها بعد أن فقد أصدقائه وعاش فى مزرعته بالاسماعيلية"
وتابع الابن:" كانت أخر أغنية لوالدى قطار الحياة ولم يكمل تصويرها و في العزا بكى مصطفى كامل وقال مكنتش أقصد والله، لأن الناس كلها قالت رشدى بينعى نفسه فى هذه الأغنية واتذاعت يوم العزاء وحتى الأن لم أراها"
وعن وصايا الفنان الكبير محمد رشدى قال ابنه :"قبل وفاة والدى مرت ذكرى محرم فؤاد ولم يتذكره أحد وكان ابنه طارق محرم فؤاد مسافراً، فحزن والدى، وقال لى يا طارق يابنى أنا معملتش فلوس عملت سيرة إوعى يا ابنى أموت وحد يطلبك علشان أبوك وتقول لا أو تتأخر، أنا كل اللى فاضل لى وجودى بين الناس وجواهم وكان عاوز سيرته وفنه يكونوا موجودين طول الوقت"
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة